fbpx
عـــدن أجمل الأوطــان بقلم / روزا (ارى الشمس )
شارك الخبر
عـــدن أجمل الأوطــان    بقلم / روزا (ارى الشمس )
عـــدن أجمل الأوطــان    بقلم /روزا (ارى الشمس )


بـقــــــلم :   روزا  أرى الشمس

إن سواحل مدينة عدن كانت بكراً ونقية تشبه منظراً خياليا قدم من حكايات الأساطير القديمة .. فعندما كنا نذهب في رحلة إلى الساحل كان يبدو المنظر وكأننا وطئنا جزيرة لم تعبث بها يد الإنسان من قبل .. كان يبدو كل شيء متوافقاً ومنسجماً توشيه الطيبة والجمال والبساطة .. كل شيء الناس والطبيعة رمال الساحل والبحر النقي والأصداف حتى قوارب الصيادين كانت متواضعة ونظيفة لكنها عفية كأصحابها الطيبيين .. كم كان كل شيء هادئ وسعيد .. كم أشتاق إلى تلك الأيام .. أبيع عشرات السنين من عمري لأعود سنة واحدة فقط في تلك الأيام

    

 

اليوم معظم شواطئنا اغتصبت وبيعت السواحل مع البحار للتجار ، ندفع لندخلها ، وبعضها بنيت عليها الفلل والشاليهات أو الفنادق وبعض البحار دفنت تمهيداً لبيعها .. لقد أهالوا التراب على وجه بحرنا الجميل ولم يكن ثمة أحد يحاسبهم.. دفنوه حياً وكتموا أمواجه وغناؤه ، تماماً مثلما فعلوا بالكثير من الناس هنا .. بينما نجد بقية الشواطئ مليئة بالقاذورات إذْ أنَ الدولة دائما غائبة …

لقد حدث  في هذه المدينة شيءُ غريب لم يلحظه الكثيرون لذلك حرصت على  تسجيله في  مقالي هذا، فالناس كانوا يعيشون حياة بسيطة والفوارق الاجتماعية متلاشية تقريبا فحتى التجار كانت الحكومة هي التي توزع عليهم البضائع وتحدد لهم الأسعار في كل أنواع السلع ، ولا مدارس خاصة ، لكننا كنا متفوقين متنافسن فلا غش ولا تواكل بل جدَ واجتهاد… والأطباء كان يتوجب عليهم العمل في المستشفيات الحكومية ومن خلاله يبرَزون فلا تجارة في الطب ، أما من أراد فتح عيادة فيتوجب عليه أن يستقيل من الوظيفة الحكومية ..والكل مراقب من قبل الحكومة .. التنظيم .. النظافة .. التعليم  كل شيء .. كل شيء كان مسؤولية الحكومة ، لذلك كان الشعب بسيطاً ، وكانت صفات الطمع والتملك والتفاخر نائمة وخامدة في النفوس ، بينما كانت مواقد الجيران وقت العصر هي المتقدة يتبادلون الأطعمة فيما بينهم  مثل ( بنت الشيخ – وقهوة ستنا خديجة  –  والصابع و……) أو في رمضان قبل الفطور وكم كان قلبي الصغير يستمتع بتلك الروائح الدافئة والحنونة .. وكذلك روائح الطيب والبخور التي كانت تفوح من أسطح البيوت تنقلها نسائم العصر ، كانت الحياة بسيطة لكن السعادة فيها عميقة ومطمئنة ، وحتى التلفاز فقد كانت الحكومة مسؤولة عن برامجه ، فالمسلسلات المصرية والسورية وحلقات الأطفال لابد أن تكون هادفة تشارك في بناء الأخلاق والقيم عند الأجيال ، حتى غدا الواحد منا يتخيل أنه أحد أولئك الأبطال في تلك المسلسلات يرتدي المثالية ويحيا بها ، كان يوم الخميس هو اليوم الذي تجتمع فيه الأسرة في كل بيت تقريبا يجلسون متلاصقين أمام شاشة التلفزيون بقلوبٍ رحبة يشاهدون بشغفٍ غريب المسرحية التي كانت تعرض في مساء ذلك اليوم إما مصرية أو سورية ، فتكون أمسية مليئة بالضحكات.. ليست ضحكات هستيرية من أفواه وقلوبٍ ظمأى للسعادة الحقيقية بل ضحكات الزمن الجميل بكل ما فيه من أسرار الجمال التي تتجلى بالبساطة والقلب الطيب الراضي … لقد اختفى كل هذا وتبددت كل تلك الصورة ولم يبق منها سوى الذكرى تؤرقني وتؤرق أمثالي …

أقسم بالله الذي رفع السماء دون عمد لست ممن يشجعون الفتنة فقد ربونا في المدارس التي كنا نعشقها منذ الإبتدائية على الوحدة اليمنية ثم العربية .. مبادئ لا يمكن التنازل عنها .. لكن الذي حدث بعد الوحدة …  .. ماذا أقول ، أأقول أن ركن البيت والوطن الذي حسبته حجراً بل حديداً تحطم هكذا فجأةً ، حتى شعرت أنني بلا دفء وبلا غطاء في هذه الدنيا وأن الريح أخذت تعصف بجسدي الصغير وتضرب به في كل الأرجاء وسط صحراء لا أعرفها …. وبدأت تنزلق أحلامي من بين يدي ألملمها فلا أستطيع … أتعلمون كم مبلغ المرارة في هذا الشعور؟!!. فجأة وجدتني بلا سقف يحميني أنظر إلى السماء وقد هجرتْ الأمطار المدينة واشتدت الشمس قسوة علينا ، حتى النجوم لم يبق منها سوى القليل وكأنها تواعدت مع الظروف التي تقاذفتنا هنا وهناك ، عندما كنت صغيرة كانت النجوم كبيرة تتراكم بجانب بعضها جماعاتٍ جماعات وتشع بنور ساطع ، وكم أتوق إلى نجومي تلك ..إلا إنني لم أر مثلها بعد ذلك أبداً سوى مرةً في شاشة التلفاز في سماء إحدى الدول الغربية ، وانتفضت قائلةً تلك كانت سماؤنا ، من ذهب بها إلى هناك ومنذ ذلك اليوم وأنا أريد أن أسافر أنْ أحيا في أرضٍ تشبه عدن القديمة وتحت سماء تشبه سماءنا التي سافرتْ ولم تعود  ! ..

لقد عشنا فعلاً وكأننا في مهب ريحٍ عاصف ، غطتنا رمالها .. وفلتت من بين يدي الكثير منا الأحلام بل وداستني الكثير من الأقدام وكلما حاولت النهوض أتلفت حولي فأجد الناس يجرون ويسرعون ويتزاحمون يدسون بعضهم بعضا..حتى أمسى أفراد الأسرة الواحدة  ينهشون في أنفسهم من أجل المال والمصالح فلا وقت لتلتقط الأنفاس الكل يسعى ليعيش الكل يجري خلفها.. لقمة العيش تلك ..وأين اختفت كل تلك الطيبة وروائح الدفء والسكينة .. والجمال ؟… لقد دفنت في العهد الجديد الذي اطلقوا عليه اسم الوحدة اليمنية ، وإنما هي أسماءُ سميتموها … تماماً مثلما دفنتم البحر لأهل الخاصَة ثم سميتموه التقدم والعمران يا ملاك وتجار الأوطان.!!!…..

وانتهت تلك الأغنية التي كانت تهدهد بها  الأيام على قلوبنا الصغيرة .. لم تبق سوى الذكريات تؤرقنا

 

 

 

أخبار ذات صله