fbpx
مخرج آمن للرئيس هادي

أصبح من الضروري الذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة؛ لأن عبد ربه منصور هادي أصبح أزمة قائمة بذاتها حولت الأزمة الوطنية إلى عملية تجريف وتدمير سريعة الخطى لليمن. يجب إخراج اليمن من حالة الفراغ الانتقالي الكبير الذي تعيشه، واستمرار هادي في كرسي الحكم يعني الإجهاز على ما تبقى من اليمن.

كرس هادي جهده على مطمطة الفترة الانتقالية كي يحظى بمدة غير شرعية في الحكم؛ إلا أن ذلك صب/ يصب في صالح الفوضى، التي نزعت عنه الشرعية، وحولته إلى فراغ، ومكنت جماعة الحوثي من التقدم لسد فراغين؛ فراغ حاصل في الشرعية، وفراغ ثانٍ في كرسي الرئاسة.

قامت شرعية هادي في الحكم على تحميله مسؤولية قيادة اليمن في ظرف صعب حدد مهمته في إخراجها من الأزمة عبر إعادتها إلى المسار السياسي؛ حيث حددت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فترة انتقالية تنتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية. وبمضاعفته للأزمة الوطنية، لم يعمل الرئيس هادي شيئاً غير تجريد نفسه من الشرعية؛ ذلك أنه اشتغل على استثمار الفوضى، وحول نفسه إلى أزمة قائمة بذاتها وسعت حدة الأزمة الوطنية وحولتها إلى أزمة مركبة؛ إذ لم يعد لدينا فقط وطن مدمر وغارق في الفوضى؛ بل أصبح لدينا أيضاً رئيس عاجز متشبث، ليس بالحكم، بل بالفترة الانتقالية.

من الواضح أن هادي يريد إبقاء اليمن بالكامل في الفترة الانتقالية، التي لم يتعامل معها إلا باعتبارها وسيلة لتمديد فترته في الحكم. لقد تخلى عن مسؤولياته الأساسية، وكرس جهده لإبقاء اليمن في مرحلة انتقالية مفتوحة تضمن له تمديداً غير شرعي في كرسي الحكم. والغريب أنه متشبث بالحكم، رغم إفراغه كرسي الرئاسة من القوة والهيبة اللازمة والمطلوبة! أجرت تونس انتخابات رئاسية، وعمليتين انتخابيتين برلمانيتين، فيما اليمن مازالت في أسر الفترة الانتقالية دون تنفيذ أيٍّ من مهامها المفترضة!

لا يجب الانتظار حتى الإجهاز على ما تبقى من “اليمن”. ومصلحة اليمن قائمة اليوم في العودة إلى العملية السياسية؛ بما يعني نقل الصراع على الحكم إلى ساحته المفترضة، ومنح البلاد شرعية سياسية جديدة، بدلاً من حالة اللا شرعية القائمة اليوم في شخص عاجز وضعيف. إلى هنا يكفي مطمطة للفترة الانتقالية، لأن البقاء فيها لم يعد ملاذاً للهروب من الرئيس السابق؛ بل تمكيناً لجماعة الحوثي من إكمال سيطرتها على البلاد ككل.

كان لدى الرئيس هادي شرعية كبيرة أسندت بدعم دولي غير مسبوق؛ إلا أن تلك الشرعية تآكلت، وحلت محلها شرعية الفوضى، التي استغلتها وتستغلها جماعة الحوثي لحكم اليمن دون أي شرعية سياسية أو انتخابية، بل بقوة ومنطق السلاح، وحالة الفراغ الحاصلة في قمة السلطة، وكرسي الرجل الأول فيها.

استمرار هادي في موقعه يُمدد حالة الفراغ الحاصلة. وهذا يصب في مصلحة الحوثي؛ كونه القوة الجاهزة ميلشوياً لسد هذا الفراغ المميت والقاتل.

أخذت المقادير عبد ربه منصور هادي إلى موقع لم يكن يحلم به، ودفعت به الظروف من نائب رئيس صامت إلى كرسي الحكم، على أمل يتحول إلى زعيم وطني حقيقي؛ غير أنه لم يفعل غير الإجهاز على ما تبقى من اليمن، رغم أنه كان بإمكانه تحقيق منجز شخصي لنفسه عبر القيام بمهامه كرئيس للدولة. لقد راوغ وتردد حيث كان عليه التقدم للمضي قدماً. وإلى هذا أغرق اليمن بحالة من الإحباط والموت السريري، مع أن مهمته كانت تتمثل في بعث الأمل والحياة في البلاد. وبذهنية من استرق فرصة العمر، ركز الرجل جهده على مطمطة المرحلة الانتقالية لضمان بقائه أكبر فترة ممكنة على كرسي الحكم، مع أنه كان بإمكانه البقاء مدة أكبر مما يظن في الحكم؛ اعتماداً على قيادة التغيير ضمن مشروع وطني، وليس التصرف بوعي استراق الفرص، وإدارة الحكم عبر المخاتلة السلبية، وتحويل ضعف “الدولة” إلى حالة هوان عامة تجرعها اليمنيون بنفوس ذليلة ومكسورة.

وبعد 3 سنوات من المراوغة، والسلبية المدمرة، يجد عبد ربه منصور هادي نفسه اليوم أمام استحقاق إضاعته للفرصة التي وُضعت أمامه على غفلة من الزمن، وغير توقع من نفسه. راهن كثير من اليمنيين عليه وأملوا منه لعب دور “البطل الوطني”؛ إلا أنه على وشك مغادرة الحكم وقد كرس حضوره لدى الذهنية العامة باعتباره أسوأ رئيس عرفته اليمن.

كان بإمكانه تخليد نفسه في ذهنية اليمنيين كزعيم وطني؛ بيد أنه رهن نفسه بالإجمال للدعم الخارجي، وعمل على تكريس نفسه باعتباره “الرئيس الضرورة”، مع أن اليمن لم تكن بحاجة إلى رئيس يُعزز الحاجة له عبر تنمية الفوضى واللعب على انهيار “الدولة”، بل كانت بحاجة إلى رئيس قوي يُشعرها بالأمان ويوقف عملية التجريف الحاصلة لها كـ”دولة” وجغرافيا.

دفع الرئيس هادي اليمن نحو ملامسة الانهيار واختباره بشكل مباشرة، ومرد ذلك إلى افتقاده للمشروع الوطني اللازم، وللرؤية المطلوبة والحافز الشخصي للقيام بأي دور وطني. المثير أن هادي حكم البلاد من خلال تعزيز موقعه كرئيس عاجز وضعيف، فوضع اليمنيين يختبرون بشكل مباشر غير مسبوق حالة الإذلال والإهانة التي تجرعوها عند اجتياح مسلحي مليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء، وسيطرتهم عليها. ومازالت حالة الإذلال قائمة، وستستمر طالما بقى هادي في كرسي الرجل الأول في البلاد.

أصبح هادي تحت رحمة جماعة الحوثي. ورغم أنه على استعداد للعب دور فارس مناع؛ إلا أن الأرجح لدي أنه سيتم إخراجه من الحكم بطريقة أسوأ من سابقه. لهذا، عليه الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه، والذهاب نحو انتخابات رئاسية مبكرة. لا يوفر هذا الأمر مخرجا آمنا لهادي فحسب؛ بل لليمن ككل، بعض النظر عما ستفضي إليه الانتخابات.

– يُنشر في صحيفة “الشارع”