fbpx
ثورة الجنوب.. صمود شعب رغم حجم المؤامرة الكبرى

أثبتت ثورة الجنوب أنها ثورة شعبية صلبة بامتياز، وعلى الرغم من المؤامرات الكبيرة والمتنوعة التي تستهدفها إلا أنها صمدت كثيرا، واكتسبت مناعة تقيها الضربات القوية التي تتلقاها من قبل سلطات الاحتلال اليمني واعوانه، قبل أيام شهدت العاصمة عدن مليونية ذكرى إعلان فك الارتباط، هذه المليونية تعد المليونية ال13 من حيث الحضور الكبير الذي شارك فيه جميع الجنوبيين من كافة محافظات ومدن ومناطق الجنوب دون استثناء، ولالقاء نظرة على مجريات ووقائع الثورة نحاول هنا دراسة كل حالة على حدة..
– الارادة الشعبية:
أن أبرز سمات قوة ثورة الجنوب وصمودها واستمراريتها هي وجود الارادة لدى شعب الجنوب الذي وصل إلى قناعة تامة بأن ما يجري في الجنوب لا يعد سوى احتلال، وأن الاحتلال لا يمكن التعايش معه على الاطلاق مهما كانت الظروف، وأنه لابد للجنوبيين من تحرير الجنوب بطرد الاحتلال اليمني، وعدم قبول أي مشاريع أخرى تتبنى حلول غير صريحة وشفافة وتنحو منحى مباشر لاستقلال الجنوب دون أي شوائب، فالترويج لمشاريع منتقصة بمزعوم أنها تقود نحو الاستقلال ولكن بطرق تكتيكية هذه سياسة الكذب وخداع الشعب أضحت مجرد أساليب عقيمة لا تنطلي على الشعب، وظلت الارادة الشعبية هي الحصن الحصين لفشل كل الألاعيب والمؤامرات.
– صنعاء تسعى لتنفيذ مشاريع بقائها عبر جنوبيين
عندما وجدت سلطات الاحتلال عدم جدوى وفاعلية سياستها القمعية تجاه الجنوبيين الذين ازدادوا حماسة وصلابة، حاولت وتحاول انتهاج سياسة ضرب الثورة الجنوبية بأيادي أبنائها ومن داخلها، وذلك من خلال تشجيع بعض الشخصيات من النخبة الجنوبية على تبني مشاريع أخرى والترويج الكبير والواسع للخلافات والتباينات التي تعد غالبيتها مجرد خلافات مصطنعة، وعلى الرغم من فشل تلك المشاريع إلا أن سياسة نشر البلبلة والشائعات والترويج للخلافات والتباينات لا تزال تعمل بقوة ونشاط كبيرين، ومن مبررات متعددة الألوان يجري الترويج لمبررات ك “وحدة الصف الجنوبي” و”ضرورة توحد القيادات والمكونات” ومن هكذا عبارات رنانة تعد أساسا كلمات حق يراد منها باطل يجري اختلاق المبررات الواهية لكل من يسعى إلى نشر البلبلة وخلق الاحباط بين صفوف الشعب، تسأل أحد ما هل ستحضر هذه الفعالية الجنوبية؟ يرد عليك بسرعة البرق: خلاص سأمنا الثورة وكرهنا الحراك!!.. لماذا؟ ايش من حراك وايش من ثورة، وقادة الحراك مختلفين، والمكونات لم تتحد، و..و.. الخ من المبررات الواهية، ولكن نقول لأصحاب هكذا مبررات أنه من الطبيعي وجود تباينات في صفوف الثوار وفي كل زمان ومكان وجدت التباينات والخلافات ووصلت لحد الصراعات والتناحر، لكن العبرة في الثبات على الأرض، ثم نقول لاولئك المهزومين أو المتخاذلين أو سميهم ما شئت نقول لهم أن الجنوب ليس حكرا على أحد وميادين النضال ليست ملكية خاصة لهذا أو ذاك، فالوطن ملك للجميع والمعاناة واحدة والهم واحد، الشرفاء والمخلصين وحدهم سيصمدون في ميدان النضال ولا ظير في غياب المتساقطين، والثورات لم تنته بغياب هذا وبتخاذل ذلك، وبالنسبة لوحدة الصف والاجماع سيضيف للثورة قوة لكن متى ما كان الاجماع على ذات الهدف الذي سقط لأجله الشهداء وعانى الشعب ويلات الاحتلال، وليسأل الجميع أنفسهم أنه كيف أن يتحد مسافران اثنان أحدهما وجهته الغرب والاخر يريد الاتجاه شرقا.. ونطالبهما بالتوحد.. كيف نضغط عليهما؟ وما الصورة التي يجب أن يتوحدا عليها ومن خلالها؟.
يجب أن نطالبهما بتوحيد وجهتهما، وذلك بأن يسافران صوب الجهة التي يوجد فيها ما ننشده نحن “الشعب” لا ان نطالبهما بأن يتفقا وأن يرضخ الأول للاخر بالاتجاه وفق وجهته غربا، وفي حالة رفض الآخر بالاتجاه صوب الجهة الصحيحة فهذا لا يعني بطلان السفر متى ما ساندنا صاحب الوجهة التي يوجد فيها هدفنا، فزوال الثورة ونهايتها ستكون متى ما رضخ صاحب الهدف الواضح للآخر، وليعلم الجميع أن هدف الاستقلال صعب وشاق، عكس المشاريع الأخرى التي ستتحقق بكل سهولة ما دامت تخدم الاحتلال وتمنحه مشروعية البقاء في الجنوب، وتظل مبررات ومزاعم المشاريع التكتيكية مجرد وهم يسعى إلى خداع الشعب والقضاء على ثورة الجنوب.
– تزييف العقل الجنوبي:
منذ ما بعد الاستقلال اذا عدنا لقراءة تلك المرحلة وسياسة النخبة الحاكمة لوجدنا أنها قد مارست سياسة تزييف الوعي الشعبي من خلال زرع الأوهام في عقول الجيل الذي جاء عقب الاستقلال بدءا من تزوير حقائق تاريخية عديدة تتمثل حول تغييب الهوية الجنوبية ونشر وترسيخ ثقافة التغني بمسمى الوحدة اليمنية واقحام الجنوب في هذا الأمر على الرغم من عدم وجود اي علاقة تاريخية للجنوب باليمن، فعملت النخب القادمة من تعز اليمنية مساعدة بعضها البعض لتقوية تواجدها في مرامز القرار السياسي في سلطة الحزب الاشتراكي، ومنح أبناء جلدتها امتيازات لا يحصل عليها أبناء الجنوب “السكان الحقيقيين” أنفسهم، وأصبح تأثير تلك المجاميع اليمنية على الجنوبيين أنفسهم الذين اعتبروا الوحدة اليمنية مقدس وطني ومن أولويات الثورة والحزب والوطن، سياسة تزييف الوعي الشعبي سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفي شتى مجالات الحياة لم تنته حتى بعد حرب صيف 1994م التي تمخض عنها احتلال الجنوب بالقوة، بل أستمرت أو تستطيع الحديث أنها نشطت وبقوة اثر احتلال الجنوب، واشترك في سياسة تزييف الوعي أيضا المتطرفين التكفيريين في حزب الاصلاح اليمني وطوائف وهابية تطلق على نفسها السلفيين، حيث جرى استهداف الجنوب تحت مبررات الدين وتصحيح العقيدة الدينية من منطلق الحقبة الماضية التي عاشها الجنوبيين تحت وطأة حكم الاشتراكي المعادي للدين، وهكذا جرى استغلال التضاد لصالح اليمنيين، وعمدت تلك الجماعات ومن خلال علمائها على تحريض الشباب في الجنوب وبث الشائعات حول وجود بدع ومنكرات في الجنوب وعليهم تصحيحها بدءا بتدمير الهوية الدينية للجنوبيين من خلال تدمير الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين وهدم المساجد في المدن والقرى ووصل الأمر حد نبش قبور الصالحين واحراق الكتب الصوفية والشافعية وفتح مدارس ومعاهد دينية تشجع الشباب على التطرف وغيرها من الأمور.
إلى ذلك استمرت سياسة تزييف الوعي بصورة أخرى تتمثل في تمسك أصحاب الإرث الاشتراكي الماضي بمفاهيم ونظريات آمنوا بها ومحاولتهم اليوم فرضها على الشعب والجيل الجديد، ومنها على سبيل المثال الخوف من السلاطين والخوف من انتشار الاسم الحقيقي للجنوب “الجنوب العربي” حيث يجري تزييف الوعي ببث مخاوف وشائعات ومبررات تقول انه من الضروري على الجنوبيين التمسك بمسمى الدولة السابقة وعلمها اللذين يحملان الهوية اليمنية بمبرر أن العالم لا يتعاطى ولا يعترف إلا بالاسم والعلم الذين توحد الجنوب به مع اليمنيين، ومن سياسة تزييف الوعي أن ذلك القائد التاريخي الذي يحمل مشروع غير الاستقلال هو الأكثر دهاء وحنكة سياسية وأن تبنيه لذلك المشروع يعد سياسة ناجعة ستقود الجنوب إلى الخلاص، ومن سياسة تزيف الوعي الجنوبي التهويل من عودة رموز الأشتراكي إلى الحكم ومخاوف عودة الصراعات السياسية والمناطقية بعد استقلال الجنوب، وأبرز تزييف يجري اليوم للعقل الجنوبي يتمثل في الترويج والتطبيل لشخصيات جنوبية تعمل لدى سلطات الاحتلال على أنها تعمل لصالح الجنوب وأن على الجنوبيين الوقوف إلى جانبها، ومنذ انطلاقة ثورة الجنوب بقوة جرى تزييف الوعي الثوري ومحاولة الغاء اسم الثورة وافراغها من محتواها من خلال تغيير اسمها إلى مسمى “الحراك الجنوبي” الذي نضطر للتعاطي معه بمبرر تفويت الفرصة على عدم اثارة حنق بعض الذين يؤمنون بصحة وسلامة مسمى “الحراك” من الجنوبيين أصحاب النوايا الحسنة، ولعل أخطر تزييف للوعي الجنوبي هي تلك الاطروحات والمبررات التي تسوق لسلمبة النضال الجنوبي وتبرر لضرورة التمسك به ورفض المقاومة، هذا بالإضافة إلى أولئك الذين يربطون مسألة نجاح الثورة وفشلها بالمواقف الخارجية حيث يستنقصون من الارادة الشعبية ويقللون من الجهد الثوري الداخلي، وهؤلاء نفسهم الذين يروجون للسلمية وينتقدون أي دعوات للمقاومة، هم من يقللون من فاعلية المليونيات ويحاولون اقناع الشباب بعدم جدية فعاليات الثورة ويتحدثون عن فشل كل ما له علاقة بالثورة الجنوبية، فالمكونات الثورية الفاعلة في ثقافتهم لا فائدة منها، وتلك الوسيلة الاعلامية فاشلة وتخدم الاحتلال، وذلك القائد المكافح باخلاص والمتواجد في الميدان في فكرهم مجرد شخص عميل مع سلطات الاحتلال أو مجرد مسترزق ولص يمارس أعمال البلطجة، هم نفسهم الذين يتحدثون عن اخفاقات الثورة ويرددون سلبياتها ويبالغون في الحديث عن أخطاء الثوار، والكثير من الشائعات التي يجري بثها ضمن سياسة ممنهجة تستهدف ثورة الجنوب، لكن وحتى لا نقع في نفس المستنقع الذي وقع فيه أولئك المرجفين والذي يسعى الاحتلال لجرنا إليه نقول أنهم أولئك الجنوبيين واحتمال كبير جدا أنهم ليسوا خونة ولكن وصلوا إلى ما وصلوا إليه بدون إدراك ويتحدثون ويتعاطون مع الواقع ببراءة وحسن نية، ونفس الخدع التي وقعوا فيها في الحقب الماضية بدءا من القبول بادخال مسمى اليمن إلى دولة الجنوب بعد الاستقلال عام 1967م وكذلك الذين غلبت عليهم العاطفة على السياسة فقبلوا بنشر ثقافة اليمننة وساعدوا على نشرها والعمل بموجبها في السنوات التالية للاستقلال وهم أيضا الذين قادوا الجنوب إلى الخدعة الكبرى “الوحدة مع اليمن” وهم أيضا الذين عجزوا عن الانسحاب من مشروع الخدعة بطريقة ديبلوماسية وسياسية بل فشلوا في التعاطي مع وضع الحرب على الجنوب ميدانيا وخارجيا فهزموا، وفي نهاية المطاف فشلوا فشلا ذريعا في التعاطي مع مرحلة الحسم الحقيقية وهي تلك المرحلة التي لحقت باحتلال اليمن للجنوب، حيث ساعدوا على إهمال ملف الجنوب واسهموا في تجاهل قضية الجنوب من خلال صمتهم المطبق وقيولهم بالأمر الواقع، فهل سيستمر اصرارهم على فرض فشلهم مرة أخرى على ثورة الجنوب، أم سينصتون لصوت الشعب العظيم الذي يأبى القبول بالاحتلال اليمني مهما كانت التضحيات.