fbpx
مصاريف الحوار الوطني وجدتها في هذه الحكاية

فتح الله على أخواننا في مؤتمر الحوار الوطني بأن ارتفعت المكافآت اليومية للعضو إلى أربعمائة دولا (أي ما يزيد عن 80 ألف ريال يومياً) أو ما يوازي رواتب ثمانية متطوعين يعملون في مرافق الدولة ولم يثبتوا منذُ أكثر من خمس سنوات وأصبحوا مأسورين في خانة السخرة أو الأقنان ومنحت رئاسة المؤتمر الأعضاء إجازة مدتها (يومان) اعتباراً من الاثنين 13 يناير بعد تفويض من الأعضاء للرئيس بتشكيل لجنة تتولى تحديد عدد الأقاليم بعد زوبعة كبيرة حدثت خلال اجتماع الأحد الماضي وأنهيت الجلسة وتم منح الأعضاء إجازة مدتها يومان كما أسلفنا.

يجري الحوار البترودولاري (المعروف بالحوار الوطني) وقد نوعت مراكز النفوذ الحاشدي السنحاني في نشاطها من التفجيرات والاغتيالات إلى تفكيك عبوات ناسفة وإبطال مفعولها واستجدت أمور غريبة فهذا الشيخ صادق الأحمر يقدم فروض الطاعة للزعيم وهذا أحمد القنع يظهر بنفس المظهر يوم الأحد الماضي والمسألة كلها تمرير لعبة وضحك على الدقون. إلا أن أهمية الضحك هذا أنه مدعوم من قوى إقليمية ودولية ويتضح ذلك من خلال الجرائم اللا إنسانية التي حدثت وتحدث في الجنوب والفضائيات العربية وغير العربية تدير ظهرها لما يحدث في الجنوب، هناك تعتيم غير أخلاقي لجرائم الشمال في الجنوب وكلها مسألة وقت والمخطط الجاري والسلوك الاستهتاري يزيد شعب الجنوب يوماً عن يوم بقناعته الراسخة باستعادة دولته وثرواته ومطالبة القوى المتنفذة بإعادة كل ما نهب من الجنوب.

مصاريف هذا الحوار العبثي مهولة للغاية مقابل لا شيء وهدفه (أي هذا الحوار) الالتفاف على القضية الجنوبية لاستمرار نهب ثروات الجنوب من قبل المتنفذين وشركات بترولية دولية تقف دولها وراء التعتيم الإعلامي على ما يدور في الجنوب والملعوب واضح ولا يحتاج لتفسير أو تبرير..

هذا العبث أو المسلسل المضحك المبكي وأبرز مظاهره البذخ في الإنفاق وجدته في هذه الحكاية الواردة في كتاب “أروع ما قيل في الحيوانات” لمؤلفه إميل ناصيف، الصادر عن دار الجيل في بيروت.

وردت الحكاية في الصفحة (44) من الكتاب وعنوانها (إما أن يموت الحمار وإما أن يموت الملك) ورد فيها أن أحد ملوك الرومان كان عنده جحش يربيه في قصره وكان يدلله كثيراً، يطلقه بين جلاسه فيدخل إلى الديوان أمام الوزراء والسفراء والأعيان وينهق ويتمطى بدون استئذان فييشرح خاطر الملك ويشرق وجهه بالرضاء والاستحسان.

سادة متملقون من الحضور ويبادرون إلى القول (باللهجة البنانية): خزاة العين عز  هالجحش، مش ناقصو إلا يحكي.

ـ يا عمي جحش الملك ملك الجحاش وكل شي على بابو يشبه صحابو..

ـ لازم مولانا الملك يحط معلم خاص يعلم الجحش يقرأ ويكتب، يمكن يصير فيلسوف زمانو.

فوجدت هذه النصيحة قبولاً في نفس الملك وأمر بإحضار أحد كبار فلاسفة ذلك الزمان وطلب منه أن يعلم الجحش القراءة والكتابة.

قال الفيلسوف: هذا غير ممكن، لأن أفلاطون كبير فلاسفة الدنيا يقول: “الإنسان حيوان ناطق” أما الجحش فهو حيوان غير ناطق.

فأمر الملك بشنق الفيلسوف وطلب من أحد شعراء المملكة تعليم الحمار، قال الشاعر: هذا غير ممكن لأن الشاعر العربي يقول:

تعلم يا فتى لأن الجهل عار     وليس بجاهل إلا الحمار

فأمر الملك بشنق الشاعر ثم استدعى أحد كبار رجال الدين وطلب منه تعليم الحمار، فقال رجل الدين: هذا غير ممكن لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على صورته ومثاله ولم يخلق الجحش على صورته  ومثاله، فأمر الملك بشنق رجل الدين.

أمر الملك بعد ذلك بأن ينادى في المدينة: أن جلالته خصص مكافأة كبرى لمن يستطيع تعليم الجحش، فانبرى لهذه الغاية شيخ عجنته الأيام وخبرته التجارب فدخل على الملك وقبل الأرض بين يديه ثم التفت صوب الحمار وحياه بجد ووقار.

طفحت ابتسامة على ثغر الملك وقال: إذن أنت تفتهم لغة الحمير! قال الرجل: أجل يا مولاي وقد رد الحمار برمشة من جفنه وعطفة من أذنه، وطمأن الرجل الملك بأن الحمار سيتعلم والمسألة مسألة وقت وتستوجب بعض المصاريف لتأمين الأغذية والأشربة التي تشحذ ذهن الحمار وتساعده على الحفظ والاستظهار كالجوز والصنوبر والزنجبيل وشراب البيلسان والعسل والزبيب والخولجان وغير ذلك وأملي بالله، إذا سلمتني هذا الحمار الآن، أن أعود به غليك بعد خمس سنوات وشهادته في رقبته.

أمر الملك بفتح اعتماد خاص لهذه الغاية ووضعه تحت تصرف الرجل وسلمه الحمار فجره وخرج به وكان بعض أصدقاء الرجل في انتظاره خارج القصر قلقين عليه فعندما خرج إليهم والحمار وراءه فأخبرهم بما حصل مع الملك فقالوا له: ولكنك رجل مجنون. ماذا نفعل بعد خمس سنوات؟ قال الرجل: بعد خمس سنوات، إما أن يموت الحمار وإما أن يموت الملك أو أموت أنا.

ما أن فرغت من قراءة الحكامية قلت في نفسي: ياله من إسقاط الجميل فهذا الجحش هو هذا الواقع المتخلف الذي يريدون تعليمه أصول العدالة الانتقالية وقواعد الشفافية والنظام المؤسسي والشريعة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلها مفردات غريبة على هذا الواقع العصي المدعوم من قوى إقليمية ودولية.

جماعة الحوار تريد أن تتمتع قدر المستطاع من الاعتماد الكبير المرصود بالدولار من الخارج ويباركهم السفير الأمريكي والسفير الفرنسي سفير توتال ومن بعد فراغهم من ابتلاع الاعتماد سيجدون لأنفسهم مخرجاً لتولي مناصب في الداخل أو في الخارج للأدوار التي لعبوها في مسرحية الضحك على الدقون.