د. عيدروس نصر ناصر
كان ذلك في العام 2008م وكنت أقضي إجازةً قصيرةً في منزلي بعمارات المدرسة الثانوية بمدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، حينما رن هاتفي المحمول، وكان المتحدث على الطرف الآخر شخص يقول إنه صالح الناخبي، ولأنني أعرف الكثيرين بهذا الإسم من أهلنا في ذي ناخب، فقد تقبلت الأمر ولم أزيد في الأسئلة، لكن المتحدث استمر في تعريف نفسه بأنه صاحب “القلم الساخر”.
حينها شعرت أنني سأحل ذلك اللغز الي ظللت أبحث عن حله طوال سنوات، وهو معرفة صاحب “القلم الساخر” الذي كان يكتب بصورةٍ مبهرةٍ ومثابرةٍ نادرة على شبكة التواصل الاجتماعي وخصوصاً المنتديات، والمجالس والمراكز الإعلامية الإلكترونية.
قال لي إذا أنت في منزلك فسأخزن عندك أنا وبعض زملائي.
قلت له أهلا وسهلا بكم، لكن إحضروا قاتكم معكم فأنا يمكن أن استضيفك على أي شيء إلا على القات، فقد حرمته منذ أكثر من عشر سنوات.
المهم أعطيت الرجل العنوان بعد أن قال لي إنه قادمٌ من عدن، وما هي إلا ساعة زمن حتى توقف بسيارته بجوار العمارة التي أسكن فيها (قبل أن تقصفها الطائرات الأمريكية في حربها مع أنصار الشريعة العام 2011م وتبقيها خرابةً ضمن مئاي المنشآت التي افتقدها أهلها في هذه الحرب “الجريمة”).
قال لي الفقيد صالح أنه جاء، وزميليه لإجراء لقاء صحفي لنشره في أحد المنتديات الحوارية، وأعتقد أنه كان “المجلس اليمني”.
هذا اللقاء كشف لي أنني أتحاور مع كاتب وصحفي وباحث متميز، رغم إنه في سن الشباب وفي بداية مشوراه الصحفي، . . إنه باحث غير تقليدي، بمعنى أنه يختلف عن أولائك الذين “يضعون لك الهدف حيث تصل رصاصتك” كما يقال، بل كان يطرح أسئلة لا تخطر على البال، ومن بطن الإجابة يقدم لك أسئلةً جديدة.
كان تركيزه ، عليه رحمة الله، على إصداراتي الأدبية، واكتشفت أنه قد قرأ معظم – إن لم يكن كل – إصداراتي، وكنت حينها قد أصدرت ثلاثة مجموعات شعرية وثلاث مجموعات قصصية وكتاب في الفلسفة وكتاب في السياسة (أول كتاب في سلسلة همس اليراع) ومجموعة مسرحيات في كتاب واحد.
لقد سألني مثلاً لماذا عنونت الكتاب الفلاني بكذا ولم تعنونه بكذا، زراح يناقشني حول قصيدة “ذات المقام الرفيع” وهي قصيدة فلسفية مطولة (62 بيتاً عمودياً) منشورة في مجموعة (ظلال الشوك)، أو لماذا سميت المجموعة القصصية الأولى “أقسمت أن أبتسم”.
وتشعبت الأسئلة لتدخل في عالم السياسة ونتائج الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها الرئيس علي عبد الله صالح مع المهندس المرحوم فيصل بن شملان، وقضية الحراك السلمي الجنوبي، والتصورات القائمة حول حلول القضية الجنوبية.
كان الفقيد صالح الناخبي صاحب مشروع صحافي مميز، فهو لا يبحث عن وظيفة في أي صحيفة أو مركز إعلامي ليتدبر منها مصدر رزق منتظم، وكان حينها يكتب متطوعاً من المملكة العربية السعودية كما عرفت منه حينها.
بعد يومين نشر الفقيد الناخبي حصيلة حوارنا، في أحد الملتقيات الإلكترونية، (المجلس اليمني كما أعتقد) وأشعر بالأسف أنني لم أحتفظ بنسخة من هذا اللقاء لأحتفظ به في إرشيفي الخاص، نظراً للجانب الجمالي المتميز الذي أضفى عليه الصحفي الرائع الفقيد الناخبي.
انقطعت اتصالاتنا للفترة اللاحقة فقد نشأت التزامات جديدة ومعطيات وظروف جديدة لم تكن في الحسبان ولم تسمح لنا باللقاء ثانية، زذلك أمرٌ محزن، حتى إنني لم أكن أعرف أنه يعمل في قناة عدن المستقلة، إلا من بيانات النعي وكتابات الزملاء التي ترثيه.
* * *
كان خبر وفاة الأخ الصحفي الاستثنائي صالح الناخبي صادماً ومفجعاً، فالرجل كان ما يزال في ذروة القدرة على العطاء، ويلمس المرء ذلك التطور الكبير الذي أحرزه الفقيد من خلال البرامج الرائعة التي علمت أنه يقوم بإعدادها لقناة عدن المستقلة، ومن هنا يتضاعف حجم الخسارة التي تتمثل بغيابه المبكر عن المشهد السياسي والإعلامي الجنوبي.
إنني بهذا المصاب الجلل أتقدم بصادق مشاعر العزاء والمواساة لأولاده وكل أفراد أسرته وأهله وأقاربه وذويه، وإلى الزملاء في قناة عدن المستقلة وللأسرة الصحفية والإعلامية الجنوبية، وإلى كل زملاء ومحبي الفقيد.
أدعو الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا صالح الناخبي بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وإن يعصم قلوب جميع محبيه ونحن منهم بالصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك