fbpx
حِوَارُ الطُّرْشَان..وقِسْمُ الشيطان!!

 

الحوار, أي حوار حول قضية ما, أسلوب حضاري, خاصة حين يكون وسيلة لغاية نبيلة, وتكون أسسه واضحة وأطرافه المشاركة متفقة على القضايا المطروحة وتبحث فعلا عن حلول ومخارج عملية, فهو في مثل هذه الحالة مَحمودٌ ومطلوبٌ, لأنه وسيلة تقرِّب للحل وتساعد على بلوغه.. ولكن أن يكون الحوار غاية لذاته, أو حوار لمجرد الحوار, أو (حِوار طُرْشان), وهو ما يُطلق لغةً على تباحث بين مُخاطبين لا يفهم بعضُهم بعضًا, ولا تلوح في  الأفق أي بوادر مشجعه لنجاحه فإنه أمر مذموم وممل ومضيعة للوقت. وهذا هو حال ما يسمى بالحوار الوطني الذي بدأت مسلسلاته المملة ولا يُعرف متى ستنتهي آخر حلقاته. أما نتائجه ففي علم الغيب, ويصعب التنبُّؤ بها.. لأن المتحاورين لا يجمعهم جامع, سوى المخصصات المالية المغرية لهم , إن اعتبرناها جامعا يجمعهم عند الاستلام.

والغريب أن المتحاورين يتحاورون (لمجرد الحوار) فيما قوى النفوذ والرعب والهيمنة تتحرك على الأرض للسيطرة ولإعادة انتاج النظام برموزه القديمة الجديدة التي ركبت الثورة وقضت عليها وحولتها بامتياز إلى (حوار الطرشان) فقط, تشغل الناس به, فيما تعمل هي ليل نهار, في الداخل وفي الخارج لتمنع, بل وتقضي على أي تغيير جوهري , يمسها أو يمس مصالحها, سواء على مستوى الشمال, الذي حكمته أكثر من ثلاثين عاماً وتعتبره ملكيتها الحصرية, وكذا سعيها الدائب للقضاء على الحراك السلمي الجنوبي الحضاري الذي أدهش العالم وسبق ثورات الربيع العربي, أو تفتيت لحمته, لإطالة أمد احتلالها للجنوب ونهب ثرواته. وهذا الأمر عصي عليها لأن الشعب الجنوبي قد رفض الاحتلال ورفض ذلك الحوار الموهوم لأنه غير معني به وليس طرفاً فيه ولا صلة له بقضيته العادلة المتمثلة باستقلاله واستعادة دولته التي أجمع عليها.

بيد أن مما يقيد من جموح قوى الهيمنة القبلية المتنفذة هو أنها تتخبط هناك, في عقر دارها, في محيط معادٍ لها, يحد من مطامعها, فهي تواجه في شمال الشمال خصماً لدوداً لها في صعدة, خاضت ضده ستة حروب, وهو قوة منظمة صاعدة, ولديه رؤية ومشروع دولة يتحقق على الواقع هناك, ويتغلغل زاحفاً بتؤدة وتمهّل نحو صنعاء.. فيما هذه القوى لا تملك أي مشروع وطني أو مشروع دولة.. لأن مثل هكذا مشروع يتعارض مع مصالحها حتى وإن ادَّعَت مثل هذا الطرح.. وفاقد الشيء لا يعطيه..

لقد قيل: إذا أردت أن تفشل قضية ما فشكل لها لجان.. وهذا ما حدث بالفعل مع ما سُميت (ثورة التغيير في الشمال).. فقد انتهت كثورة مزعومة .. وحولها (آل الأحمر) وبقايا الحرس القديم, ومن بوابة المبادرة الخليجية,  إلى (غنيمة) لهم, واصبحوا هم رموزها ومن يحاور (ذاته) باسمها.. وهذا من العجب العجاب.. و(هباب)ما سُمّي بـ(بثورة السباب).. بل و يذكرنا هذا (الحوار الوطني) بلجانه العديدة ومخصصاته الكثيرة ومداولاته التي لا نهاية لها بالحكاية الطريفة عن (إدارة عموم الزير) الذي قرر الوالي وضعه تحت شجرة في الطريق ليشرب منه الناس، وعين له عاملاً يقوم بملئه ورعايته, ثم شُكلت لجنة لاختيار المكان المناسب لوضع الزير فيه، ثم لجنة لإقامة قاعدة له، ولجنة لنظافته ولجنة لحراسته, ثم لجنة مالية تتولى صرف الأجور والمرتبات والمكافآت، ثم مدير عام للإشراف والرقابة على كل اللجان والتخصصات المشار إليها والتي تعمل تحت مسمى «إدارة عموم الزير».. وقد انكسر الزير في نهاية الأمر وبقيت لجانه ومخصصاته عبئا على الميزانية العامة.

يمكن أن نقول عن هذا الحوار الطويل والممل, الذي لا يعني شعب الجنوب, ولجانه المتعددة بأنه حوار (إدارة عموم الزير) .. بل يصح أن نقول عنه ما قاله ذات يوم ذلك الحضرمي الظريف عندما سأله الرئيس المحروق عن الوحدة, فقال: (الوحدة زينة.. بَس طوَّلت) في تعبير ساخر عبَّر من خلاله عن معاناة الشعب الجنوبي التي طالت من الوحدة خاصة بعد أن تحولت إلى احتلال وضم والحاق.. وهكذا يصح أن  نقول أيضاً (الحوار زين.. بس طوَّل).. لأن لا أمل يبدو في الأفق لنتائجه.. وقد طالت جلساته وطال أمده وتعددت لجانه, والمثل الشعبي يقول:”كلام يطُول قسم الشيطان منه”, ومثله قولهم:”إذا كَثر الكلام قِسْم الشَّيطان منه”. أي إذا كثر الأخذ والرد وطال أمده في مشكلة ما، قلت فرص إمكانية الحل لتدخل الشياطين من الأنس والجن.. ويبدو أن هناك شياطين كثيرة ترغب بحصة الأسد من هذا الحوار الذي سيطول أمده, وأنتم تعرفونهم جيداً, وقد فضل والدهم الجني الذي يعرفه على الأنسي الذي لا يعرفه.. والشياطين والجن من فصيلة واحدة تعرف بعضها.

ختاماً.. نهمس في آذان إخوتنا الجنوبيين ممن وجدوا أنفسهم ضمن لجان ذلك الحوار, ولا نشكك في نواياهم, وإنما نقول لهم على سبيل النصح: عودوا إلى شعبكم, وكونوا معه, واتركوا الشياطين والجن يتحاورون مع أنفسهم فهم لا يفهمون لغتكم ولن يتفهمون مطالبكم, ولن تحصلون منهم على شيءٍ مما تَرجُونه.