fbpx
تعود الآن بعد 7 سنوات من إغلاقها..جمعية ردفان.. الانطلاقة الأولى للحراك الجنوبي
شارك الخبر

“الأولى”- ماجد الشعيبي:

قاعة صغيرة مساحتها 35 متراً مربعاً بمدينة عدن، حولت 350 ألف كيلومتر مربع مساحة كاملة للتصالح التسامح، هذه هي حكاية جمعية ردفان الاجتماعية الخيرية، المدشن الأول للمشروع الكبير “التصالح والتسامح الجنوبي”.

ولأنها كذلك وقف النظام في 2006 أمامها، وأمر بإغلاقها في 15 يناير، بعد يومين من تدشينها للمشروع الذي زرع ثقافة جديدة بين الجنوبيين، وصادف ذلك اليوم ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، وحينها كانت كل المؤسسات الحكومية مغلقة، ولكن ذلك لم يمنع السلطات من الأمر بإغلاق الجمعية دون الانتظار لبدء الدوام الرسمي.

رفض علي عبدالله صالح ونظامه ثقافة التصالح والتسامح بين أبناء الجنوب، لا يوجد سبب واضح لذلك، غير أن نظام صنعاء الجديد القديم لا يطيق العيش بثقافة التصالح. النظام الذي عاش على ثقافة الاقتتال، لم يكن يريد أن تنشأ ثقافة مخالفة له، ولذلك سعى لتجميد الجمعية، ولكنه لم يستطع تجميد مشروعها: “التصالح والتسامح”، فالفكرة الصغيرة انتشرت بلمح البصر، وكان حينها الجنوبيون يتوقون لمن يعيد جمعهم من جديد، خصوصاً أن لغة المنتصر بعد حرب صيف 94 كانت حاضرة في التعامل مع كل ما هو جنوبي.

تأسست جمعية ردفان عام 2000 من مجموعة من العسكريين والأكاديميين الجنوبيين، وحرصت على تقديم خدمات كثيرة للجنوبيين، وكانت تقيم الفعاليات وتمد يد العون للكثير من المحتاجين، وقد عملت على خلق تواصل كبير بينها وبين كل من كان يتعرض لمظلمة من نظام صالح ومعاونيه في حزب الإصلاح. ونفذت الجمعية وقفات احتجاجية عديدة مع أكثر من جندي وأكثر من شخص تعرضوا للانتهاك والتعسف.

اجتمعت الجمعية مع عدد كبير من أعضائها الذين بلغوا حتى 2006 أكثر من 380 عضواً، وفي 13 يناير بنفس العام أقر المجتمعون مبدأ ‏التصالح والتسامح بين الجنوبيين في ذكرى حرب 13 يناير الأهلية، وأقروا ‏خلال ذلك البدء بعملية التصالح بين الجنوبيين من أجل التوحد جميعاً للمطالبة بحقوق الجنوبيين ‏التي انتهكت بعد الهزيمة في حرب صيف 1994، وما تبعها من سياسات يعتبرها الحراك ‏الجنوبي “احتلالية”.

كان الرئيس علي ناصر محمد، والقيادي أحمد الحسني، أول المباركين لمشروع التصالح والتسامح، وقد بارك ناصر اللقاء في حديثه للصحافة، وتواصل هاتفياً الحسني مع أعضاء الجمعية ليباركا هذه الخطوة. وجاء بعدهما أكثر من قيادي في الحراك، وكان ناصر النوبة، وعلي هيثم الغريب، وأحمد عمر بن فريد، والعديد من الكتاب والصحفيين والمثقفين الجنوبيين حاضرين حينها.

بعد اللقاء الأول الذي كانت عقدته جمعية ردفان، تلته عدة لقاءات كلها باركت مشروع التصالح والتسامح، وباتت اللقاءات تعرف بملتقيات التصالح والتسامح، ومن أهمها أول لقاء بعد التصالح والتسامح ملتقى أبين زنجبار في 27 أبريل 2006، لقاء الضالع زبيد 22 مايو، لقاء شبوة في منطقة العرم 7 يوليو 2006، لقاء حضرموت في المكلا 22 مايو 2007، لقاء المهرة في مدينة حوف 5 سبتمبر 2007، ولقاء حوطة لحج أمام قصر السلطان في 5 سبتمبر 2007.

ولحق تلك الاجتماعات البدء بعملية إنشاء جمعيات مدنية خاصة ‏بالمتضررين من الحرب، بموازاة اجتماعات شعبية للتسامح والتصالح، إلى أن توحدت ‏جميعاً للخروج للمرة الأولى بمظاهرة كسر حاجز الخوف، في 7 يوليو 2007، في ساحة ‏العروض في عدن.

الممارسات المناطقية والممنهجة وسلوك المنتصر الذي عومل به أبناء المحافظات الجنوبية بدءاً من العسكريين، إلى جوار ما عاناه بقية ‏شرائح المجتمع من ظلم ونهب الثروات والاستيلاء على مساحات شاسعة ‏من الأراضي في الجنوب، أنتج وساهم في اندلاع ثورة شعبية تطالب بإصلاحات، وتوسعت مع مرور ‏الأعوام واستمرار تلك الممارسات إلى ثورة عارمة دشنها العسكريون من أبناء الجنوب ‏بتأسيس جمعيات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين.

وللتاريخ فقد بدأ الرفض الجنوبي المعلن بحركة موج، ثم حركة حتم، ثم تيار إصلاح مسار الوحدة في الحزب الاشتراكي، ثم التكتل الوطني، ثم اللجان الشعبية، ثم ملتقى أبناء المحافظات الجنوبية، ثم تيار المستقلين، ثم حركة تاج، ثم جمعية المتقاعدين العسكريين والمدنيين، حتى توج ذلك بالحراك الوطني السلمي الجنوبي الذي انخرط فيه الشعب بكامل فئاته الاجتماعية، وذابت فيه كل المكونات، بما في ذلك أغلب المنحدرين من الجنوب في الأحزاب. وقد شكلت حركة التصالح والتسامح التي انطلقت من جمعية ردفان الخيرية، أرضية خصبة ومناسبة لانطلاق الحراك بشكله الحالي.

وضاعفت الممارسات القمعية لنظام حكم علي عبدالله صالح، من ازدياد وهج الاحتجاجات الجنوبية، حيث سقط في ‏الفعاليات والتظاهرات الجنوبية المئات من الشهداء برصاص القوات الحكومية، وهو ما ‏أدى إلى مطالبات لم تكتفِ فقط بالإصلاحات، بل ارتفعت وطالبت باستعادة الدولة الجنوبية.

ما يزال مشروع التصالح التسامح هو المشروع الأكبر سواء في مدن الجنوب أو غيرها، فقد أنشأ هذا المشرع ثقافة جديدة في الوسط الجنوبي، وما تلك المليونيات المتتالية إلا خير دليل على أن التصالح والتسامح هو الحاضن لكل تلك الحشود.

وفي الوقت الذي ما يزال نظام صنعاء الجديد، كما يقول أبناء الجنوب، يعمل على خلق الصراعات والخلافات، أثبت الجنوبيون أنهم قادرون على إفشال كل المشاريع الصغيرة القادمة من صنعاء، وأن الماضي لم يعد جزءاً منهم، وحالياً يسير الجنوبيون في طريق استعادة دولتهم، وهذا ما يؤكدونه في كل مليونية ينظمونها في مدينة عدن، التي من خلالها يؤكدون على مبدأ التصالح والتسامح الذي ولد من ردفان الجمعية.

تضامن واسع

بعد أن كانت جبالها فجرت ثورة ضد المستعمر البريطاني في 14 أكتوبر 1963، كانت أيضاً ردفان الجمعية مجدداً في موعدها لتعلن “ثورة التصالح والتسامح”، في يناير 2006، في مواجهة نظام سلاحه “فرق تسد”، يحارب كل شيء يدعو إلى السلم، ويعمل بكل طاقاته على زرع الخلافات وتغذية العنف ونشر ثقافة الموت.

أغلقت جمعية ردفان، وكانت رسالتها قد وصلت لكل بيت، وصوتها الجلي يصدح بكل مكان، ولاقى قرار إغلاقها تضامناً واسعاً من مختلف الجهات في مدن الجنوب، وأعلنت أكثر من جمعية وأكثر من جهة تضامنها الكامل مع ردفان التصالح، ردفان الثورة، وتناولت العديد من الأقلام موضوع تجميد الجمعية، ولعل صحيفة “الأيام” حينها كانت الناقل الحي لكل المواضيع المتعلقة بها.

استهجن أكثر الصحف اليمنية، وكتب عن الجمعية الكثير من الكتاب اليمنيين، وكان قد كتب عن إيقاف الجمعية لـ4 حلقات متتالية في صحيفة “الثوري”، الكاتب عبدالرحيم محسن، مقالة كانت بعنوان “سلوك آثم للسلطة لا يتوقف.. جمعية (الصالح).. ناقصاً جمعية ردفان”.

ووصف بدوره “تيار المصالحة الوطنية إصلاح مسار الوحدة في الحزب الاشتراكي”، إغلاق جمعية ردفان الخيرية بمحافظة عدن، بغير المسؤول من السلطات”.

وكتب عضو مجلس النواب حينها د. عيدروس نصر ناصر، دفاعاً عن جمعية ردفان الخيرية، مستهجناً قرار إيقافها. كما كتب الدكتور محمد علي السقاف مقالاً مطولاً عن الأبعاد الدستورية والقانونية والسياسية لتجميد جمعية ردفان، ومثلهما كتب العديد من الكتاب والصحفيين والناشطين والحقوقيين.

وبدورها، استهجنت فعاليات لمنظمات المجتمع المدني بعدن، استهداف الجمعية، جاء ذلك في خبر في الصفحة الأولى بصحيفة “الثوري” في عددها 1896، وطالبت الأحزاب والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية بمحافظة عدن، السلطة الحاكمة، باحترام حقوق الإنسان، والكف عن نبش صراعات الماضي، والالتزام بالتعهدات الدولية في تطوير مناخ الديمقراطية والعمل السياسي.

وكان للحزب الاشتراكي اليمني بجميع المحافظات بيانات تندد وتدين استهداف الجمعية، ووصفت منظمة الحزب الاشتراكي بأبين ما حصل للجمعية بأنه غير قانوني، وطالبت في بيانها بوقف إثارة الفتن والإقصاء، والتراجع عن مشروع خنق أبناء الجنوب.

ومن جهته، أدان ائتلاف المجتمع المدني ما تعرضت له جمعية ردفان الخيرية من إجراء وصفه بأنه تعسفي، تمثل بإغلاق مقرها ومصادرة ممتلكاتها من غير تهمة موجهة، ومن غير محاكمة، من قبل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بعدن.

لقد كانت جمعية ردفان منذ العام 2006، حديث الناس والصحافة حينها، وما يزال مشروعها الإنساني سلوكاً يومياً لملايين من الناس، ومشروعاً لا ينتهي تتوارثه الأجيال القادمة.

وكتبت بدورها صحف السلطة والعديد من الكتاب السلطويين مقالات وأخباراً تتهم جمعية ردفان بالتواصل مع قادة الانفصال، وكل الأخبار التي تناولتها صحف الحكومة حاولت أن تشوه صورة الجمعية، ومع هذا لم تنجح، فقد كانت صحيفة “الأيام” هي صاحبة الصوت الأعلى في اليمن ككل، وعملت على نشر كل أخبار الجمعية، وهو الأمر الذي جعل ردفان تحظى بقاعدة شعبية كبيرة، ويؤكد ذلك أعضاء الجمعية بقولهم إن صحيفة “الأيام” كان لها الدور الأبرز في تبني نشاط الجمعية، وما حصل لها من تعسفات.

 

تعسفات

تعرض المقيمون من طلاب جمعية ردفان للطرد من المقر الخاص بالجمعية، ونص قرار إيقافها على حظر ممتلكاتها، وجاء قرار إغلاقها بحجة التهمة الموجهة للجمعية بأنها سخرت مقرها لممارسة أعمال سياسية.

وتعرض رئيس لجنة الرقابة في الجمعية محمد صالح المشرقي، للاعتقال لمدة أسبوعين في يوم الثلاثاء. وكانت الجمعية بعد تجميدها طالبت بإلغاء قرار التجميد، ولكن دون فائدة.

 

مؤسسة “صناع الغد” تعيد جمعية ردفان للذاكرة

عبر مشروعها الخاص “من حقها أن تعود”، دشنت مؤسسة “صناع الغد”، مشروع المناصرة مع الجمعية، وسلطت الضوء على دور ردفان الريادي والمجتمعي الذي كانت تعمل من خلاله الجمعية منذ عام 2000، وكيف كانت الجمعية ضمن أفضل 3 جمعيات نشطة بعدن، وسبق لها أن تحصلت على شهادات شكر من قبل محافظة عدن.

وتضمن مشروع المناصرة ندوات ووقفات احتجاجية، وقد تعرف الكثير من نشطاء المجتمع المدني في عدن، على تاريخ جمعية ردفان الخيرية التي جمد نشاطها لأنها زرعت أول بذرة في طريق استعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية.

وفي الندوة التي نظمتها الجمعية، تحدث رئيس الجمعية محمد محسن، عن الجمعية، وعن بدايتها، والفكرة من نشاطها، وقال إن جمعية ردفان أنشئت بجهود بسيطة، وكانت تتبنى كل مظالم الجنوبيين، وسبق لها قبل توقفها أن تبنت وتضامنت مع جنوبيين قتلوا بأيادي نظام صنعاء.

وقال رئيس الجمعية إن “نظام صنعاء لم يكن يريد للجنوبيين أن يتصالحوا ويتسامحوا، لكونه كان يغذي الصراعات والخلافات بين الجنوبيين، ليضمن أنهم سيظلون في احتراب دائم، ولن يأتي اليوم ليطالبوا بدولتهم التي اجتاحتها القوى العسكرية الشمالية”.

ويسرد محسن قوله: “إغلاق جمعية ردفان جاء بعد أن سمع صالح أن أحمد عبدالله الحسني اتصل ليبارك مشروع التصالح والتسامح، واتهمت الجمعية بأن قادة الانفصال تقف خلفها. ومشروع التصالح والتسامح لم يكن يريده علي عبدالله، فهو المشروع الذي كان يهدد حكمه حينها، وفعلا كان ثوار الجنوب وحراكه السلمي على موعد مع أكبر ثورة سلمية لم تهدأ حتى اليوم”.

المشروع الذي أقامته مؤسسة “صناع الغد”، نال استحسان الكثير، بعد تسليطها الضوء على أهم جمعية في محافظات الجنوب، وصاحبة المشروع الإنساني الكبير، مشروع الأجيال وبداية انطلاق الحراك وثورته وقوته الحالية هي قوة التصالح والتسامح.

أخبار ذات صله