بذور الإعلام الجنوبي .. هل دفناهم وصرنا فقط نرى الثمار؟؟!
كتب – مريم محمد
في كل حدث وفعالية إعلامية جنوبية تقتبس مشاهد وملامح من تاريخ الجنوب العريق في المجال الإعلامي، نتذكر هامات وقامات إعلامية تركت بصمات كبيرة في مجالها، واستبسلت وخاضت معارك شعواء حتى نحتت اسمها في صفحات تاريخ الجنوب “الإعلامي” ..
وفي كل مرة نستعرض حياة ومآثر هؤلاء، الذين يستحقون أن يُخلدوا في كتب التأريخ، وأن تُروى قصص نجاحهم ونضالهم للأجيال، نجد أننا نُسلط الضوء على كوكبتين متفارقتين زمنياً، فجلّ الإهتمام لنجوم الزمن الجميل وباقي الإهتمام لجيل الزمن الجديد، متجاهلين الدور العظيم الذي قام به نشطاء واعلاميو الزمن القاسي والأليم..
جميعنا يعلم ويتيقن تماماً ان الاستعمار البريطاني لم يكن أبداً أسوأ من الاحتلال اليمني، وأن الاحتلال اليمني لم يكن بأفضل وارحم من الاستعمار البريطاني، هاتان حقيقتان لايمكن جهلهما أو انكارهما، لكن الجهل اليوم تجلى بوضوح عند البعض أو الأغلبية في عدم إدراك الدور الكبير الذي كان يقوم به النشطاء الاعلاميبن والعاملين طوعاً في هذا المجال إبان الاحتلال اليمني للجنوب منذ بداية تفجر ثورة الحراك السلمي الجنوبي في 2007 وحتى العام 2015م ومابعده.
فقد كان للجنوبيين حلمٌ واحد بجانب حلمهم بتحقيق الاستقلال واستعادة الدولة، وهو امتلاك وسيلة اعلام جنوبية تنقل همومهم ومظلوميتهم للعالم، وتكشف إجرام المحتل اليمني بحق هذا الشعب الصامد الأبي، وحين بدأ يتحقق الحلم الجميل بتظافر جهود الخيرين من نشطاء ومغتربين جنوبيين صدح صوت في الساحة الإعلامية هزّ كيان المحتل وشقق اركانه، وكان هذا الصوت يأتي من المدينة التي لاتغيب عنها الشمس، وكأنها مدّت لنا بشعاع من الأمل حتى صرنا نفاخر بأننا نملك “عدن لايف”.
لقد كانت قناة عدن لايف بمثابة الشمعة التي تنير ولو جزء بسيط من ظلام التكتيم الإعلامي المفروض على قضيتنا الجنوبية، وكانت بمثابة الرئة التي يتنفس بها الجنوبيين، كانت المنبر الذي يربط الجنوبيين ببعضهم وبالعالم، بالرغم من محدودية وصولها للجماهير بسبب القمر الغربي الذي كانت تبث عليه، إلا أنها أثارت الرعب في نفوس العدوان وهم يشاهدون كيف تمكنت من تعريتهم وفضح جرائمهم وطغيانهم للعالم..
لم تكن هذه القناة تبث لوحدها، ولم تكن هناك روبوتات تنقل وتغطي، ولم تكن هناك إمكانيات وصرفيات، كانت هذه القناة تعمل بجهود فردية وعطاء وطني منقطع النظير، فكل من كان يعمل فيها كان يصرف من جيبه، ويدفع ولايستلم، يبادر ولاينتظر، يقدم ويزيد وهو بذلك مفتخر، لقد كان عملاً وطنياً بحتاً ولا يتكرر ربما إلا بتكرر نفس الجنود المجهولين الذين كانوا يتركون مصادر رزقهم ويتجهون لخندق القناة للنقل والتغطية بكل حب وسخاء.
هذه الكوكبة التي كانت أصواتهم تثير حماسنا، وتدفع عزائمنا، وهي تنقل مسيرة نضال هذا الشعب الأبي، وتواجه بالمقابل القمع والمطاردات والتعسف والإجرام، لا أظن أن ينساها وطنيٌ شريف عاش حقبة الاحتلال البغيض وعانى من ظلمه واجرامه، حتى وإن كانت جُلها أسماء مستعارة، “لابأس باستعارتها من أجل إسترجاع الوطن الثمين”.. “ردفان الدبيس، بنت العاصمة عدن، ابو شاهين، جنوبية حرة، ابو رشيد، ابن عدن، بنت الجنوب، ابن كريتر، بنت المكلا، صفاء العمودي، ناصر الجعري، محمد الهمشري” وغيرها من الأسماء التي لا استذكر جميعها والتي نالت نصيبها من القمع والمطاردات وهي تغطي فعاليات ثورة الحراك السلمي الجنوبي ولها قصصها وحكاياتها البطولية التي لازالت تحتفظ بها حتى اليوم.
اليوم وبعد كل ماتحقق ووصلنا له في المجال الإعلامي، ونحن نقتطف الثمار التي نشرت بذورها هذه الكوكبة على تربة الجنوب الحبيب في هذا المجال في أحلك الظروف، ونحن على طريق انعقاد المؤتمر الأول للصحفيين والاعلاميين الجنوبيين، هل حان الوقت للاهتمام بهؤلاء ودعم من هو بحاجة للدعم بعد سنوات النضال الطويلة؟! هل حان الوقت لتكريم هؤلاء؟! هل حان الوقت لتعريف الأجيال بهم وبمآثرهم والملاحم البطولية التي كانوا يقومون بها في سبيل نقل الصوت الجنوبي للعالم؟! هل حان الوقت لنعطي كل ذي حقٍ حقه؟! هل حان الوقت لإنصاف الشرفاء الصادقين من بذور الإعلام الجنوبي، أم أننا دفناهم وصرنا نرى فقط الثمار ؟!!