fbpx
محنة محافظة تعز

 

كتب – د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

أعرف أنني سأتلقى سيلاً من الاتهامات والشتائم من أكثر من طرف بسبب منشوري هذا، سواء من قبل الذين سيؤلمهم حديثي هذا وبالذات من (زملائي) أبنا محافظة تعز، أو من قبل بعض المراهقين الجنوبيين الذين يرون أن الحديث عن أي قضية أو ظاهرة تتعلق بمحافظة شمالية هو خيانة للقضية الجنوبية ودماء شهدائها.
لا يهم هذا.
تشهد محافظة تعز أحداثا يشيب لها رأس الجنين هولاً وحزناً، ولا يتعرض لها الإعلام الذي يسيطر على معظمه أبناء تعز إلآ فيما يتيسر من الشجاعة والجرأة النادرتين أو ما يخدم الأجندات والمصالح الحزبية للمتحكمين في هذا الإعلام.
منذ اغتيال الشهيد المقاوم العميد عدنان الحمادي قائد اللواء 35 والتمثيل بجثة الدكتور الجبزي نجل أركان اللواء وقبلها تصفية المقاومة السلفية بقيادة أبو العباس، وتعز تذهب خطوات متسارعة نحو حياة الغابة ونادراً ما تصدرت تلك الأخبار المؤلمة المشهد الإعلامي.
حينما وصل الحوثيون إلى تعز مطلع العام 2015م صرح محافظ تعز حينها مطمئناً أبناء المحافظة ” أن الحوثيين لن يمكثوا في تعز وإنهم مارون لمجرد الترانزيت” وفهم كثيرون من هذه العبارة أنها رسالة طمأنة للزعيم الذي كان حينها متحالفاً مع الحوثيين (الذين صفوه جسديا فيما بعد)، فحواها: لن نخذلك يا سيادة الزعيم، كما فهم الجميع علم سيادة المحافظ بأن الحوثيين متجهون إلى عدن وأن عدن لا تعني سيادته في شيء، أو إنها بلدةٌ معادية.
القوات الحوثية تسيطر على ثلاثة أرباع محافظة تعز، ويفصلها عن قوات المقاومة (الشرعية) طربال من قماش المخيمات، ولم يجرؤ أحد على قطع هذا الطربال ولو بمقص حلاقة.
أسرة بكاملها تباد حرقاً على أيدي (أبطال المقاومة) الأشاوس ولا من يحاسب ولا حتى من يستنكر.
صبي لم يبلغ سن الحلم مقرب من أحد المتنفذين (المقاومين) يقود عصابات السطو على الأراضي والعقارات ويتبلطج ويهدد هذا ويتوعد ذاك وكان آخر ما صدر عنه أنه سيقوم بتصفية مدير أمن المحافظة ولم يشكمه أحد.
عسكري مقرب من أحد القادة العسكريين (الشرعيين) يوقف سيارته (العسكرية الشرعية) وسط الشارع العام ويحاول اغتصاب إحدى الفتيات على مرأى ومسمع من الناس، ولا من يعترض ولا من يحاسب.
تعز لا ينقصها المقاتلون فلو افترضنا أن من بين الملايين الأربعة (وهو مجموع سكان المحافظة) مليون مقاتلٍ فإنهم يستطيعون أن يهزموا أقوى جيش في المنطقة، وربما في العالم.
وتعز لا تنقصها الموارد فهي الموطن الأول لكبار المستثمرين ورجال الأعمال وأثرياء المجتمع في اليمن ومنها ينحدر كبار المستثمرين اليمنيين في الخارج.
وتعز لا تنقصها السلطة فإليها ينتمي الرؤساء الثلاثة: رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء، وبيد كل واحدٍ من هؤلاء سلطات تكفي لتحرير كل المحافظات التي هيمن عليها الحوثي ببضعة مئات من مقاتليه، وإليها ينتمي قرابة سدس أعضاء البرلمان أكثر من 40 منهم يقفون في صف الشرعية، ووراء كل منهم مئات الآلاف من الناخبين الذين يستطيعون أن يكونوا جيشاً جراراً من المقاتلين ويهزموا ليس فقط المليشيا الحوثية بل والجيش الإيراني مع حرسه الثوري.
غضب مني بعض الزملاء حينما قلت في منشور سابق: لو أن كلاً من الرؤساء الثلاثة حشد عشرة آلاف من مقاتلي منطقته (كي لا أقول مائة ألف) لحرروا تعز واليمن، وها أنذا أكرر، لو إن كل من هؤلاء الثلاثة ومعهم كتلتهم البرلمانية تعاملوا بمسؤولية مع ناخبيهم، كي لا أقول مع كل اليمن، فإنهم يستطيعون أن يؤمنوا محافظة تعز ويصنعوا منها المحافظة المحررة النموذجية في كل اليمن، لكنهم لم يفعلوا ولا أتوقع أنهم سيفعلون لأنهم ينتظرون قوة سحرية تنزل من السماء لتحرر لهم محافظتهم، ومن لا يحرر منطقته لا يمكن الرهان عليه في تحرير غيرها من المناطق، وأكرر المثل الشعبي العربي الذي قلته في المنشور السابق “من لا ينفع أمه لن ينفع خالته”.
لو إن 1% مما يجري في تعز (المحررة) من جرائم ومنكرات يجري في عدن أو حضرموت أو أية محافظة جنوبية لكان إعلام إسطنبول قد أغرق هضبة الأناضول بدموع كتابه وموظفيه، لكن هذا الإعلام لم يقل ولن يقول شيئا عن هذه الجرائم التي يندى لها جبين كل ذي ضمير حي لأن لديه مهمة أخرى لا علاقة لها بكشف جرائم المجرمين وتعرية المستهترين والمارقين وصانعي الفوضى والعبث، بل لا علاقة لها (أعني هذه المهمة) بمواجهة الحوثيين وجرائمهم، فهذا الإعلام مشغول بالجنوب والجنوبيين والمجلس الانتقالي والسعودية والإمارات، وهو مسخر ضد هذه الجهات فقط وليمت أبناء وبنات تعز ضحية الإجرام والمجرمين وضحية التجاهل والتعتيم.
الخلاصة:
تعز لديها كل ممكنات التحرر والاستقرار والنهوض وبناء سلطة نموذحية على مستوى البلد لكن محنتها أن من يتولى أمرها ليس أفضل أبنائها، بل أقلهم انشغالا بشأنها وبشأن البلد عموماً.
الخدمة الوحيدة التي قدمها معين عبد الملك لتعز منذ توليه منصبه أنه أمن نزوح آلاف العائلات من أبنائها إلى محافظات الجنوب وتوطينهم وتأمين السكن والغذاء والمصاريف الشهرية لهم لإحداث خلل ديمغرافي في الجنوب، تحسبا للحظة قادمة هو يعلم ونحن نعلم أنها لن تأي، وشعاره “لتذهب تعز إلى حيث ألغت . . ”
خلاصة الخلاصة:
محنة محافظة تعز أن قادتها منشغلون بكل شيء إلا شأن تعز وأهلها، ومستعدون لتحرير حضرموت وعدن والمهرة وكل الجنوب من أبنائها إلا تحرير تعز من الإرهابيين الحوثيين والبلاطجة (الشرعيين).
لك الله يا تعز.