fbpx
الحق وسط بين الغلو والجفاء

 

كتب – د.عبدالرحمن الهاشمي
قال بعض العلماء: ما من عمل إلا وللشيطان فيه نزغتان إما إلى إفراط وإما إلى تفريط، وبمعناه ورد عن بعض الصحابة..
ومن ذلك الموقف من علي رضي الله عنه ومن آل البيت، فبين محب غال ومبغض قال، تفرقت المواقف والأهواء.
هناك من غلا في علي رضي الله عنه وآل بيته، وادعى لهم العصمة كما هي عقيدة الشيعة، وجعلوا الإمامة هي محور الدين، وكل شيء يفسر من خلالها، حتى اعتسقوا النصوص وحملوا القران ما لا يحتمل، ومن ذلك:  الآية: ( بلغ ما أنزل إليك من ربك) قالوا:  بلغ ما أنزل في علي،  ومن بشاعة الغلو حتى التوحيد أصبح يتعلق عندهم بإمامة علي وفسر بعضهم الآية: ( ولا تشرك بعبادة ربك أحدا) قال: لا تشرك بإمامة علي، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وتدحرج الغلو إلى الأئمة الإثني عشر من أولاده كما يزعمون،  حتى قالوا كما في أعظم مرجع عندهم وهو كتاب ( الكافي) للكليني أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون..
وتوج هذا الغلو بهذه الدولة الرافضية التي قال مؤسسها الخميني: إن لأئمتنا منزلة لا يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب..
انظر كتاب: الحكومة الإسلامية للخميني ص ٥٨.
ومجاراة لهذا الغلو أصبح الاحتفال بعيد الغدير  وتفسير النصوص بما لا يدل عليه السياق ولا يعضده مجريات الأحداث، ولا قال به علي رضي الله عنه نفسه، و الذي ابتدعه البويهيون في دولتهم وهم شيعة سنة ٣٥٢هجرية، وجاراهم بعض أئمة الجارودية من فرق الزيدية بعد الألف الهجري، وهم الذين يوافقون الشيعة في سب الصحابة، وعقديا تنتمي لهم الفرقة الحوثية العقائدية، وفي القرن الحادي عشر الهجري وتقريبا في زمن إسماعيل بن القاسم أظهروا سب الصحابة، حتى قال شاعرهم الحسن الهبل_ وهو من أكبر الشعراء إلا أنه خبيث العقيدة_:
ألعن أبا بكر الثاني وتاليه
والثالث الرجس عثمان بن عفانا
قوم لهم في لهيب النار منزلة
من فوق منزل فرعون وهامانا
يا رب فالعنهم وألعن محبهم
ولا تقم لهم في الحشر ميزانا..
وبمقابل هؤلاء وربما ردة فعل لشططهم وغلوهم كان موقف النواصب، الذين يبغضون عليا رضي الله عنه وآل البيت، ولا يثبتون لهم فضيلة ولا يرون لهم حقا مهما كان ورعهم واستقامتهم، وتطور الحال إلى سب علي رضي عنه، بل هناك من عرض بالنبي عليه الصلاة والسلام،  ومع عبث الحوثية في اليمن ظهرت دعوة جديدة تفتخر بالقومية اليمنية وتمجدها ردا على تعصب أولئك وغلوهم،وكذاك يفعل الغلو من قديم لا يورث إلا غلوا وهذا ليس جديدا، فالهمداني ونشوان الحميري قديما وقفوا هذا الموقف وصارعوا تعصب ونزق الغالين في موضوع علي وآل البيت، حتى قال نشوان:
يا رب مفتخر ولولا سعينا
وقيامنا مع جده لم يفخر
وخلافة الخلفاء نحن عمادها
ومتى نهم بعزل وال نقدر
وبكرهنا ما كان من جهالنا
من قتل عثمان ومصرع حيدر..
وفي هذه الأيام تخلل دعوة ما يسمى بالأقيال أو الأوعال في صراعهم وردهم على غلو الحوثية وغيرهم ممن غلا في موضوع التسب من تجرأ على الثوابت ومن كتب يتهكم في علي رضي الله عنه كما فعل بعض الكتاب اليوم،  بل من تجرأ على رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ما أعظم العدل والإنصاف والوسطية والاعتدال ، لا سيما في موضوع العقائد، فالله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام وهو يتعامل مع الأديان: ( وأمرت لأعدل بينكم)، ويقول سبحانه: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا).
هكذا هي الفتن ( وإن السعيد لمن جنب الفتن) كما في الحديث،
والحق نور بين ظلمتين، وهدى بين ضلالتين، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وصدق حافظ إبراهيم:
فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا
فالشر في التقييد والإطلاق..
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل..
د.عبدالرحمن الهاشمي