fbpx
دعه ينهب ، دعه يمر .
شارك الخبر

وديع منصور

أحد الأسئلة المهمة التي تطرح اليوم : هل الحكام الجدد للشرعية سيحاربون الفساد ، ويتصدون لاساءة استخدام السلطة ، بنفس القدر الذي يدعون فيه لوحدة الكلمة ، ورص الصفوف ؟
الواضح أن مهمة الثمانية هي وضع حد للحرب ، هذا هو المطلوب منهم ، اما رص الصفوف والعبارات الأخرى الحماسية فانها فقط لاصباغ اهمية على المهمة الجديدة ، والكل يعرف أن ذهاب اليمنيين الى الفضاء أسهل من توحيد كلمتهم وصفوفهم .نهب المال العام ، واساءة استخدام السلطة لن تكون من الاولويات خلال المرحلة المقبلة ، وعلى الارجح سيتم تفادي التسبب بصدمة لمنظومة الفساد الكبيرة التي تتحدى الجميع .

لماذا الأداء الحكومي في اليمن يتسم بالضعف دائما ، ولماذا كل الحكومات تتشابه تقريبا حين يتعلق الامر بإساءة استخدام السلطة ، الاجابة سهلة .. لان شبكات الفساد والمحسوبيه هي التي تدير فعليا الشؤون العامة للبلاد ، وبتواطئ من أشخاص في أجهزة الدولة .

في مطلع هذا العام قالت الحكومة أنها عازمة على المضي قدما في مكافحة الفساد ! الكل يعرف ان مثل هذه التصريحات هي مجرد تصريحات ، لان الفاسدين اما موجودين في الحكومة ذاتها او على علاقة بها . يزدادون قوة ونفوذ تحت بصر وسمع الحكومة . والكل يعرف بان الكل تقريبا متورط بالفساد بشكل او بأخر . ومثلما كان في زمن نظام صالح ، ما يزال نهب المال العام يدار بنفس القواعد التي كانت سائدة قبل الحرب . والقاعدة الذهبية دائما هي دعه ينهب دعه يمر .
لطالما كان إستغلال المناصب من اجل المنفعة الشخصية أمرا متجذراً في اليمن . اليمن الشمالي قبل الوحدة . وأصبح بعد ذلك منتشرا وأشبه بالوباء بعد الوحدة ، والجنوبيون اليوم ليسوا أقل تورطا بالفساد من الشماليين ، بل وربما في بعض الاحيان اكثر سوءا .

قيل إن تنظيف اي مجتمع من الفساد يشبه تماما تنظيف الدرج من الاوساخ ، يبدأ من الاعلى نزولا للاسفل .
هذا النوع من التنظيف مستحيل طبعا في اليمن الخاضع لسلطة الانقلابيين ، لكن حدوثه في المناطق التي تحررت منهم ، يشبه المعجزة ايضا . وعلى الارجح ستبقى لوقت غير قصير في كل اليمن معادلة دعه ينهب دعه يمر .

في عام 2009 تم تشكيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة . وفي عام 2006 ، اي قبل سنوات غير قليلة من اندلاع الحرب تم إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد .. لكن في ضل العجز الكبير للسلطتين التشريعية والقضائية ، فأن دور هذه الجهات في التصدي للفساد ونهب المال العام .. يبعث على السخرية أكثر مايبعث على الأمل .

تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بانه إساءة إستخدام السلطة المؤتمنة من اجل المصالح الشخصية . إساءة السلطة المؤتمنة ليست مجرد ظاهرة في اليمن ولكنها ثقافة راسخة لها أباء مؤسسون ، وموطن ولادة . وشكلت هذه الثقافة سببا كافيا لان توضع اليمن لسنوات غير قليلة ، وعلى التوالي ، ضمن ترتيب الدول الاكثر فسادا في العالم .
خلال السنوات الماضية مثل اقتصاد الحرب في اليمن رافعة جديدة للفساد ونهب المال العام ، ومثل تحدياً لكل محاولات بناء السلام في اليمن .
لقد أتاحت سنوات الحرب الفرصة لانظمام لصوص صغار جدد اكثر تحمسا وانانية ، الى جانب اللصوص التقليديين . وما تزال آليات الفساد التي تأسست في عهد نظام صالح على حالها ، ولوقت ليس بالقصير شكلت تدفقات الأسلحة، وعمليات المناقصات ، والجبايات ، وإعانات الوقود، وبيانات الرواتب العسكرية المزورة ، واموال مقدمة من مانحين ، وسياسات الابتزاز ، شكلت كل هذه الوسائل وغيرها مصدر إثراء كبير للقلة على حساب الكثرة .

في احد تقارير البنك الدولي الذي صدر خلال السنوات الماضية ، عن الاموال المقدمة من مؤتمرات المانحين لليمن ، جاء في إحدى الفقرات التالي : كل مئة دولار تدخل الى اليمن من المانحين تذهب نحو ستين في المئة منها لفاسدين كبار ، اما الاربعين في المئة المتبقية ، فان عشرين في المئة منها توزع على فاسدين صغار من اجل ضمان ولائهم ، والعشرين في المئة الاخيرة يتم فيها إفتتاح مشاريع لا ترى النور غالبا .

ماهو الفرق بين من يتهم بالشروع بالقتل ، وبين من ينهب المال العام في بلد يموت فيه طفل كل عشر دقائق من سوء التغذية . الجواب هو … لا فرق .

الفساد واستخدام السلطة لتحقيق المنافع الشخصية ليس مقتصرا على اليمن ، بل انه منتشر في كثير من دول العالم بدرجات مختلفة . يتسأل اليمنيون بحسرة ما الذي جعل جيرانهم يحققون هذا التطور السريع في البنى التحتية وازدهار المدن ، والرفاه . هل هذه الدول تخلو تماما من الفساد ؟ والحقيقة هي أن هذه الدول تحارب الفساد فعليا من خلال تفعيل القوانين الرادعة وبوجود قضاء نزيه وقوي ، بالاضافة لهيبة الدولة ، كل ذلك وقف عائقا أمام أزدهار الفساد وتشعبه . اما في اليمن فكل هذه الامور ماتزال غائبة . ويوما ما ستكون حاضرة . لكن بعد أن يتم وقف التعامل مع قاعدة دعه ينهب ، دعه يمر .

أخبار ذات صله