fbpx
الزَّعـيم .. لن أعيش في جِلباب حصانتكم..!

 

مفردة الزَّعيم هذه – ربما – لا تتناسب وعصرنا الرَّاهن الذي نعيش فيه ، خاصّةً أنَّه – هذه الأيَّام – عصر السُّرعة و” الدَّوائر المتقلِّبة” ! ، ما أرمي إليه من ذكر هذا التَّأصيل في البداية هو رؤية مدى ثِقَلِ الألسن التي تلهج بهذا اللَّقب ، والذي تراه شاخصاً في بعض ألسنة مذيعي القنوات ، وأفواههم تلوكه باستحياءٍ تام ، كما لو أنَّه مشهدٌ درامي قد فُرِض على النَّص فرضاً ، إنَّ لفظة الزعيم هذه لا تليق إلا بمرحلةٍ كلاسيكيَّةٍ أغلب الظَّنِّ أنَّها في القرن الثَّامن عشر أو حتى التَّاسع عشر ، ولربَّما أن صالح  كان عاكفاً يقرأ عن تلك الحِقبة ، أو على ما يبدو أنَّه عاش مرحلة نقاهةٍ منغمساً في ضلِّ حكمه الآزف ، عاش أحلام يقضةٍ خلالها ، وهو يفكِّر بالكساسرة والقياصرة والأباطرة والزُّعماء ، وهي أعلى المراتب التي قد يحصل عليها بنو البشر ، لتساوره – أخيراً – فكرة “الزَّعيم الرَّمز” لذلك الزَّمن ، والتي استهوته ولا مست شِغاف قلبه ، فأخذ على نفسه بأن يُصبح أسطورة عصره وزمانه بعد أن جاس في الدِّيار ، وبعد أن حصد عدَّة ألقاب ٍ : فارس العرب ، ومنها صمَّام الوحدة وأمانها وأخيراً “الزعيم” .. أرى أنَّه لا بئس ولا ضير من تحمُّل هذه الأخيرة التي يُطلق عليها “الزَّعامة” إلى جنب أخواتها السابقة من الصفات والألقاب ..

 

 كلُّ هذا يريده أن يحدث بعد أن ثبَّت نواجد حكمه وأوتادها المتجذِّرة في باطن وأعماق اليمنيين ، ولكن دائما ثمَّة شيءٌ – أي شيءٍ – يحدث دون أن يتمَّ توقُّعه أو قراءته على كفِّ القدر، بؤرةٌ أو ثقبٌ لا يتمُّ رؤية كينونتهما ولا صيرورتهما إلا بعد فوات الأوان ، ومن المُحال – دائماً – دوام الحال على ما هو عليه ، وهنا بالذات تكمن البراعة الحقيقيَّة لصالح أو غيره من الأقران ، في التَّفتيش أو حتى التًّعامل والتَّكيُّف مع هكذا مستجدٍ طارئ ، يتم من خلاله التحول الى سلالة الحيوانات ، التي تجيد فنَّ التَّماهي جيِّداً في الأوساط المختلفة للطبيعة ، لذا فتكيُّف صالح هذه المرَّة جاء محمولاً ببرقيَّة ترقيته نفسه سريعاً ، من الرِّئاسة الى الزَّعامة ، في خِضمِّ أزمةٍ ضاربةٍ ، إنَّما تعني حرق وضغط مراحل طويلة ، كان من المتوقَّع قيامها متسلسلةً في حكمه وابنه ، ولا ندري إن كان – حقاً – قد احتسبها أثناء شيِّه وغليه عند درجة حرارةٍ عاليةٍ في قِدْرِ النهدين ، وبالمناسبة كنت قد كتبت مقالاً سابقاً ولمَّا وصلت إلى نقطة الإحتراق هذه ، عملت قوسين وأودعت فيهما ( حِلقة مفقودة ) ، إشارة إلى أنَّ في الأمر لِعبةٌ ما لمَّا تتضح الرؤية فيها بعد  ، ونعلم أنَّ هذه الحِلقة موجودةٌ في جيب أحدهم ، من تراه يكون الحامل الحقيقي لتلك الحلقة..؟ نريد أن نعرفه حقا .. أما لماذا نريد المعرفة ؛ فهذا لأنَّه ومن هذه النقطة بدا تدُّرجٌ واضحٌ ومتسلسلٌ ، لمن يلعب العبةً السريَّةً والخطيرةً والمتقنة ، استوجب فيها ذهاب ضحايا أبرياء ليس لهم أدنى ذنب في مثل هكذا قذارة ، واستوجب بعد هذه المرحلة قيام مراحل أخرى، هيَّأت مُناخاً رخواً وبيئة خِصبةً وحاضنة ، لنفاد المبادرة الخليجيَّة ذي الجينات الأجنبيَّة وهو ما اتضح مؤخَّراً وبشكلٍ واضح ليس فيه لبس .

 

أياً يكن مرتكب هذه الجريمة “حادثة النهدين أقصد” فهو قاتل مغمور ومجرمٌ احترف دوره ، واستطاع أن يصل إلى لبِّ الرئاسة ودون أن يجد صعوبات في فعل ذلك ، وفي وقتٍ يكون الكلُّ على أُهبة الحيطة والحذر ؛ لحماية أنفسهم حتى من نسمة الهواءٍ الطائرة ! ، في هذا الشأن – مطلقاً – لا نستبعد الأصابع الراقصة من خلف الستار برشاقةٍ غير مرئية ، ضبطت إيقاع وتسارع هذه العمليات المعقدة بوتيرةٍ دقيقة ، والتي ربما كانت قد تتسبَّب بنشوب حربٍ أهلية كارثيَّة ، وغير مضمونة النتائج لـ(مختلف الأطراف) ، وليس لقطبي الصراع وحدهما جراء هذا الحدث الجلل ، إنَّ حادثة النهدين تحمل بصمات مخرجٍ فذ ، وهنا لا نستثني أحداً ، وبالمقابل لا نكيل الاتَّهام لأحدٍ ، بقدر ما نطلب السعي الحثيث للكشف عن هوية مرتكب هذا الجُرم الشَّنيع ، والمخطِّط البارع بأدوات صيده ورصده المتطوِّرين ، والتي ضمنت عدم انزلاق الأمور إلى ما هو أسوأُ منها كارثيةً ، لقد استطاع في هذه المعمعة والضجة المفتعلتين ، أن يصرف الأنظار عما كان يبتغيه ، دون أن نعرف إلى يومنا هذا من يكون ذلك الطَّاهي البارع ، وما الذي اذا أراده لحلمات ألسنتنا أن تتتذوَّق من هذه الطبخة المخلوطة بالملح والسكر معاً ، مضافاً إليهما القليل من الفلافل الحارَّة ! ، ليكن لحمه قد نضُج بعدها فأصبح زعيماً .. من يدري ..هذه حسبته ربما .. ولكل واحدٍ منهما عذره وصفته التي يحب أن  يتَّصف بها ، ولربَّما أنَّ مسمَّى الزَّعيم هذا أتى لموازاة ، أو حتى التَّغلُّب على لقبٍ آخر، لذلك الجندي الطيِّب والمسكين صاحب الأسنان المنتظمة كأحجار المِقبرة ، والذي دقَّ باب الثورة في “أنصاف الليالي” ؛ كي يحرسها ويحميها من المتلصِّصين المتنصِّلين والمُتنطِّعين حدَّ قوله..! ، ليحصُد – بامتيازٍ- فريدٍ لنفسه لقب “حامي الثورة ” مع مرتبة الشَّرف ! , هذا يسمي نفسه حامي الثورة والآخر يسمي نفسه الزعيم ، والشَّعب بينهما وليذهب الى الجحيم ،  إنَّها إذاً حرب الأمجاد والألقاب ، من سلبت حظَّ الشعب وأرزاقه ومقدَّراته ، تبعاً لأسلوب ذراعي الكمَّاشة الحنونين  ، ألم نقل أنَّ لكلِّ واحدٍ منهما له عُذره وصفته.. إذن دعونا نتفق ونقول : ربما .. من يدري !!

 

 

 هذا كله حدث بسبب مِطرقة الثَّورة المُباغِتة ، التي دقَّت مسماراً صدِئاً في أوصال زعيمٍ لمَّا يزل في طور بنائه ونضجه ، وإبطال سريان مشروعه الخاص الذي قارب على النضوج ، غير أنَّها أي (لفظة الزعيم) تحتاج عصَّارة من نوعٍ خاص وخاصٍ جداً ، وهنا بالذَّات يجب الاهتمام بالخصوصيَّات ؛ هذا كي يتمَّ تمريرها وابتلاعها ، وحتى لا تكون مِدعاةً للضَّحك – على الأقل – لهذه الفترة ، و لإن نجح صالح بعدها في استعادة حُكمِه – كما قال بن أخيه – من هادي  “الأيادي الأمينة” التي راق لها – ذات هيكلةٍ – أن تدعوه بـ”المناضل الكبير” بدلاً عن الزَّعيم ، فهو ولا شكَّ حينها يستحقُّ تسيُّدَه وزعامته ، على من هم دونه وبشدَّةٍ وجدارةٍ معاً ، ولا نظنُّ عودته وإن بوجهٍ آخر ، أو بشكلٍ غير مباشر أمرٌ سهل ، حتَّى لو بدت بعض علامات وتجليَّات الإعداد لذلك ،  قبل وبعد قراءاتٍ بسيطةٍ في معطيات الحوار الأوَّلية والمبثوثة للكل ، الرَّجل يُراهن على مدى مقدرته على لملمة وتجميع أجزائه المبعثرة ، وربما أسرع من الجميع ، وما حشده المليوني الأخير إلا شكلاً من أشكال الإغاظة والترغيب والتَّرهيب لأعدائه الداخليين وقبلها الإشارة والتَّلويح للقوى المراقبة من الخارج أنه :أنا هنا وما زلت رقماً صعباً .. ، هذا ما قاله في ميدان السَّبعين في آخر خطابٍ له ، عندما لاح من على أعلى تلًّةٍ فيه ، مُختطباً بِبُرادة الجموع المُمغنطة ، والمتأثِّرة بمغناطيسيَّتة المبنيَّة خلال العقود الثلاثة .

 

 

لكأنَّها “خُطبة الوداع” يا زعيم ، غير أنَّه لم يقل: “اليوم أكملت عليكم زعامتي” ، ولكنَّه بدلاً عن ذلك قال الشطر الآخر منها : “ورضيت لكم الزَّميل العزيز هادي رئيساً ” ، كان مزهُّواً بنفسه وبإيحاءةٍ بسيطةٍ منه في مبتدئ الكلام قال فيها : أنا هنا على أساس أقدِّم لكم كلمة شكر، وهو في هذا الموضع بالذَّات إنَّما أراد الإشارة ، إلى سهولة وبساطة جمع أتباعه لأنفسهم ومن ذات أنفسهم ، ولو أنَّه لمَّا يتخلَّص بعدُ من خِطاب الرئاسة الرنَّان والقديم ، على كلٍّ سيتعوَّد مع مرور الزَّمن ، ولو أنَّ فيه شيءٌ من صعوبة ، وفجأةً وفي أثناء الخطاب ذاته كانت بؤرة الكاميرا موجَّهةً صوبه في بثٍّ حي ومباشر ليتوقَّف هنيهةً ، كانت عين الكاميرا ترصده مع أحد أكثر أفراد الجناح المتطرف في حزب المؤتمر، الأمين العام له يدخل في معرض الكلام وكأنه يلقِّنه شيئاً ، وحتى نكون منصفين لنقل ينبِّه صالح إلى شيءٍ ربَّما يظنُّه مهمَّاً ، لنتفاجئ بأنَّ صالح بعدها بقليل ، وبحنكةٍ يُحسد عليها فيما بدا كأنَّه يخاطب الجنوبيين قائلاً :>”الوحدة” ليست شور قول< ، وهو بهذا في حقيقة الأمر، لا يُهمُّه البتَّة الدِّفاع عن الوحدة في هذا الوقت العصيب بالذَّات ، إنَّما أراد أن ينبِّه على مسألةٍ أهم وأدقُّ من وجهة نظره ، وهو إنما يقصد في الأصل التالي: << “الحصانة” ليست شور و قول >> وكلماته تلك كانت موجَّهة إلى صدور تلك الثُّلة التي تقطن في رأس الهرم ، أو حتَّى في قاعدته أو أسفل منه ، ليس هذا فحسب ، وإنَّما امتدَّ هذا الحكم ليشمل كلَّ الأطراف الموقِّعة على الحصانة ، أما قرينة صدق ما يعنيه صالح بشوره هذا وقوله ،فهي إحدى تصريحات البركاني في وقتٍ سابقٍ ،عندما سُئل عن الحصانة الممنوحة لصالح والمطالبات المنادية بإسقاطها قال بالنص :«قضية الحصانة ليست بودرة توضع على الوجه في صبيحة اليوم وتنتهي بعد الظهيرة» وربما تكون هذه هي الرسالة التي أوقف البركاني صالح من أجلها في ذلك اليوم ، لا أُخفيكم أنني – هذه المرَّة – أُعجبت بمقولة البركاني الذي لا يعجبني هو ولا أقواله في كل مرة ..

 

 

 

اعتراني أساً بالغ عندما رأيت الشباب يرحلون من الساحات ، وبعد أن أُطفأت أعقاب السجائر على جلودهم ، وبعد أن  أصبحت الثورة كامرأةٍ عاريةٍ تخلع ملابسها في وسط سوقٍ مزدحمٍ بالناس ، من يصدق أنَّ الرَّجل لديه حصانةٌ تحميه من شرِّ ما خلق ، و يا ليتنا كنا قد اكتفينا عند هذا الحد من ضروب الجنون ، بل تمادينا وقلنا وبكل أسف ، ومع الاعتذار لذوي الذين قضوا في الثورة ، أنَّ أبناءهم ليسو شهداء ولا هم يحزنون ، أعرف أن هذا قول صارخ وصاعقٌ بالنسبة لهم ، في حق أولئك الأبطال الذين لم يبخلوا بأرواحهم ، من أجل ما كانوا يضنُّونه الوطن ، ولكن ثغر المبادرة المفتوح على مصراعيه هو من قال هذا وحينها :” مادام المجرم لا يحمل صفة مجرمٍ ، فالضحايا ليست لهم صفة الضحية ” ! سيقول بعض الأذكياء الأدعياء أن الحصانة دليلٌ عليه لا  له ، مخطئٌ تماماً من يقول هذا ؛ لأنه لا يزال يفكِّر بلغةٍ رجعيةٍ و عاطفيةٍ بحتةٍ ، وبمفردات ما “يتمناه هو” لا ما هو حاصلٌ على أرض الواقع ، وهذا منطقٌ سقيمٌ وأبله لا يدين إلا من يحاول الدفاع عنهم ، ليس عليك أن تسأل كيف حدثت كل تلك الجرائم طيلة هذه الفترة وفي فترة الثورة بالأخص ، وعلى يد من ؟ من تراه في هذا الوطن قد ارتكب ما ارتكبه فهذا راح يسمي نفسه زعيما وذاك يسمي نفسه مناضلاً والآخر حاميا للثورة ، ووراء كل لقبٍ من هذه الألقاب مسمَّا حقيقيَّا يتفاخر به كمجرم ، و جميعهم اليوم مجتمعون على طاولةٍ مستديرةٍ ولا يختلفون أبدا إلا على لغة البلع والهضم يأكلون أو يتقاسمون ؟! واليوم هم أولاء “المشتركيون” وبكل بساطةٍ ، يريدون اقناع أهالي الضحايا ، بأن يؤمنوا بحتف إخوانهم وأبنائهم وأبو تلك الطفلة المسكينة صاحبة قول: ” قتل بابي.. ” واختلطت دماء أبيها بدموعها لا زال ذلك الصوت يعشعش في الذاكرة دون أن يبرحها قليلاً حتى وإن استقله بعض الماجنين أثناء الثورة ونسوها الآن تعرفون ما أقصده جيداً ، ولا أعتقد أن أحدا منا قد ذهب عنه صوتها ، يريدون إقناعهم جميعاً وتلك الطفلة كما لو أنهم ماتوا “بكارثةٍ طبيعيَّة” ، وعلى الأرامل والثكالى وحدهنَّ أن يتحمَّلن “مراهقة” وفاء أبنائهن لوطنٍ كهذا ، أفٍّ لك من وطن يفيض بمرتزقةٍ متفيِّدين .. أظن أهالي من سقط في الثورة وجرحاها يقولون اليوم وقد لاقوا ما لاقوا : “ليتها لم تقم ثورة ، و ليتنا لم نخرج” !! ، وعلى أهالي المفقودين أن يكفَوا عن إزعاج الناس بالتظاهر ، وليغفروا لأحزابٍ فقدت رشدها عندما ءامنت بأن ليس للشُّهداء جيوبٌ في أكفانهم كي يأخذوا ثمن تضحياتهم ، وبذلك لا تكون من نصيبهم ،  بل أصبح هناك في هذا الوطن من لديه جيوب يقبض أثماناًباهضةً بدلاً عنهم !! وكل هذا دون أن يرحل صالح من البلاد ، كما ضل يكرِّر على أسماعنا بل رحل الشباب ” من يرحل أنا أرحل ..أنتم ارحلوا “، ورحل شيءٌ كبير بحجم الثورة بل الثورة ذاتها رحلت ، وراح يستجمَّ  بعد هذا الرَّبيع السَّاخن في حمَّام السَّعودية ، وفتحت له بوابة الزعماء عند الاستقبال ، وقوبل بكل حفاوةٍ وترحابٍ ، وعاد إلى أرض الشباب المدنية ولا اعتراض !! ، بينما شبابنا الراحلون مازالوا على عهدهم القديم ، يزحفون صوبه ويزحفون ، حتَّى ضاعوا في أقبية ودهاليز وسراديب المُبادرة الخليجيَّة ، التي استطاعت أن تلتهمهم وساحاتِهم أجمعين ، المساكين قد خرَّت عليهم صاعقة مبادرة الهُون ، وأصبحوا مسجونين في قضبان جُمَعِهم إلى يوم الدين ، والرجل عند وعده القديم  ” التحدي بالتحدي” بحق السماء  ما هذه المكابرة ، ما هذه الثِّقة العمياء .. إنَّها الحصانة ربَّما ، اللَّعنة على الحصانة .. اللعنة على من كتبها ..اللعنة على من أعدها .. ، واللعنة عليهم أجمعين .

 

وبعد أن كانت حياته تفيض بالتحدَّي ، هل يكمل اليوم تحدِّيه ليعود للحكم ؟ خاصة أن يكثِّف هذه الأيام اجتماعاته ولقاءاته فيطوي المؤتمر في قبضته طيَّاً دون أن يسمح بنفاذ سهام هادي الى بوتقة المؤتمر، وربَّما أراد أن يُقلِّد الدَّاهية نابليون الأول ، الذي تسيَّد عرش أوروبا عند انتصاره في حروبه ، على روسيا وبلاروسيا وبريطانيا والنمسا ، ليصل الى الامبراطورية العثمانية ، وهو يتقدم بصلابةٍ وحنكةٍ بالغتين ، وصولاً بمصر والشَّام ، ليغدو إمبراطور أوروبا وما حواليها في ذلك الحين ، وفي ذروة انغماسه وزهوه بحكمه قام ببناء مآثر ومعالم كبيرة مثل قوس النصر الحاضر الى يومنا هذا  .. ، ولكنَّه لم يجلس على العرش طويلاً ، حتى أُجبِر على التنازل عن الحكم ، ودون أن يرتضوا بجعل إبنه وليَّاً للعرش حسبما كان يخطِّط ، تنازل بفعل تلك الظروف الضاغطة والمطالبة له بالتخلي عن الحكم ، ليُنفى بعدها إلى جزيرةٍ بألفي تابعٍ له ، ليقضوا له حاجاته الماسَّة ليس إلا ، حينها ظنَّ المتآمرون عليه أنَّهم قد نفوه إلى جزيرةٍ خاليةٍ إلاَّ من بعض سُبل الحياة القليلة ، وظنَّا منهم أكثر أنهم قد سلبوه كل مفاصل القوَّة والمعيشة وسينهار في أي لحظة ، وهو كذلك ، لم يحتمل النفي والعيش على  حدِّ أشواك تلك الجزيرة ، وهو رجل الحنكة في السِّلم قبل الحرب ، قرَّر أن يعود من منفاه ، مغامراً بحياته وحياة من بقي معه من فُتات جنود الامبراطورية القلائل ، عاد ليواجه جيشاً جراراً ليس بينهما أدنى مقومات التكافؤ ، فتمَّت الإحاطة به ومحاصرته وبجنوده وتوجَّيه البنادق صوبه وهو يتقدم دون توقف وغير آبهٍ أو مكترث لما قد يحصل ، تناقل الخبر المهموس بين أوساط الجنود الذين كانوا ذات يوم تحت إمرته ، وكان هو قائد انتصاراتهم العظيمة ، بأنَّ هذا هو نابليون .. نابليون العظيم .. الذي أعزَّ فرنسا كيف سيفعلونها وكيف يصوبون لايعقل أن يفعلوا هذا..! ، لم يصوِّبوا النَّار عليه ، وصوَّبوا بدلاً عن ذلك عواطفهم ، فما اتَّسعت الأحضان له حتى هبَّ الجنود إلى احتضان الامبراطور العائد من المنفى القسري ، فعاد جيشه السَّابق إليه ، وأعاد حكمه وسيطرته مرَّةً أخرى ،وعاد السلطان كما كان من قبل ، ربما سيتقمَّص الزعيم هذا الدور المتشابه والذي سيعيده من منفى الجزيرة ، وهو هنا إذ يعود مرةً أخرى من منفى ( جزيرة الحصانة ) التي أثبت أنَّه اخترقها كفيروس مستعصٍ ، حينما لم تحتِّم عليه إيقاف مزاولته النَّشاط السِّياسي ، وهذا هو ما اعترف به الخبراء الذين أعدوا الحصانة على لسان السفير الأمريكي ، حتى وإن كان هذا قد تمَّ التخطيط له سلفاً في سيناريو ضاغطٍ آخر ، لأحد الأطراف الخارجيَّة في هذه النقطة بالذات؛ كيما يضمنوا تدخُّلهم في صيرورة ما يريدونه هم طيلة سير العمليَّة الانتقالية وبعدها ، ولكي تضلَّ اليمن رهن الاعتقال ،  ولتصبح الحصانة له ترياقاً ضدَّ سموم الشعب المطالب بمحاكمته ، وبدل هذا أصبحت سُنَّةً جديدة ابتدعها المشتركيون الذي لا ينطقون عن الهوى ، وأصبحت الحصانة على الرجل ( برداً وسلامة )!! ، ودون الاكتفاء بهذا بل أضحت مؤشرات العودة ، التي باتت قريبةً وواضحة وبرلمانية بانتخابات كما أنشد صالح أخيراً ، دون أن يقبل بالاعتياش تحت رحمة جلباب الحصانة ، التي كان آخر مطالبٍ بنزع سراويلها سويدان الكويت ، ربما هذه المرة سينتفض عليها ، ويُنجح ابنه في اجتياز امتحان استحقاق جدارة الرئاسة الذي يخوض مارثونه اليوم ، أو ينتهي ويتلاشى إلى الأبد .. إلى الأبد ..؟!!