fbpx
الشيخ علي ناصر القردعي في يافع في وثيقة تاريخية

 

علي صالح الخلاقي:
الوثيقة التاريخية التي بين أيدينا تعود إلى سنة 1356هجرية/الموافق 1937م، كما هو مؤرخ فيها، وهي من أَرْشيف آل سنان البكري الذين استضافوا الشيخ علي ناصر القردعي وأخاه أحمد ناصر القردعي خلال تلك الفترة، وقد حصلت عليها من صديقي الأخ أحمد صالح سنان البكري، وفي البدء نتعرف على نص هذه الوثيقة فيما يلي:
الحمد لله وحده
لما كان يوم الثلاثاء(1 ) 3جماد الآخر سنة 1356هجرية (الموافق 11 أغسطس 1937م) حضروا لدينا الشيخ صالح عبدالرب الصّبري(2 ) وأصحابه ومحمد عبدالرب الردماني( 3) وأصحابه ، وثم إن المذكورين هَدَموا ورَزَموا(4 ) وتخَالَصُوا فيما بينهم من دم وحق وجميع ما بينهم، ما بقى بينهم لا داعي ولا طلب ، ومات بينهم كل مُدّعى ، ولا حق ولا بعض حق ، مثل ما الليل يخرج من النهار والنهار من الليل، وماتت الشِّيَان( 5) بينهم وقامت الزِّيان، بحضر من شهد الشيخ علي ناصر القردعي وعبدالله أحمد بن سنان.
وكتب رضا المذكورين الحقير إلى الله أحمد ناصر القردعي بتاريخه أعلاه.
الوثيقة ، كما يتَيَّن من مضمونها، وضعت حداً نهائياً لفتنة قبلية بين الجارين في السكن وفي الحدود المشتركة، آل الصّبري وآل الدرماني واستمرت بينهما لفترة وتسبَّبت في إراقة الدماء وهدمٍ وخراب متبادل ورَزم للأراضي الزاعية، أي تركها غير مزروعة، كما هو حال الفتن القَبَلية.
ما يهمنا هنا هو حضور الشيخ علي ناصر القردعي شاهداً ، وأخوه أحمد ناصر القردعي كاتباً، إلى جانب مضيفهم عبدالله أحمد بن سنان البكري، الذي احتفظ بهذه النسخة من الوثيقة باعتباره المبادر لحل الخلاف ووضع نهاية لتلك الفتنة مستغلاً وجود الضيوف آل القردعي في إصلاح ذات البين بين الجيران من آل الصبري وآل الردماني.
وقد اشتهر آل القردعي من مراد بمقاومتهم البطولية للنظام الإمامي الكهنوتي وكانت لهم صولات وجولات مشهورة، وتعرض زعيمهم الشيخ علي ناصر القردعي للسجن، وقد تعرف فيما على البطل علي عبدالرب الحميقاني بعد في نفس السجن، ولم يعجبهما البقاء خلف القضبان حتى موتهما كما وعد الإمام بأن لا يخرجا إلا (خُزيمة) المقبرة الشهيرة بصنعاء.
وخططا للخروج بحيلة مُدبرة مسبقاً تم الاتفاق عليها، تختلف الروايات في بعض تفاصيلها، لكنها تجمع على أنهما تمكنا في الأخير من فك الأغلال والقفز من أسوار سجن الإمام، بتدبير ومساعدة نجل الحميقاني (المندعي) الذي أدخل صفحية سمن وضع فيها الأدوات المساعدة لهروبهما كالمسدس(الفَرد) والجنبية والمنشار (المَبرد)، وقيل أيضاً أنه أرشى العسكر حُرّاس السجن..الخ.
وعند تمكنهما من الخروج اتجها إلى المناطق الشرقية ، أو كما تسمى (ارض المشرق) وتزمل القردعي حينها يخاطب الجبال الشوامخ بقوله:
ياذى الشوامخ ذي بديتي
هو شي على الشارد ملامه
قولي ليحى بن محمد
بانلتقي يوم القيامه
وعندوصولهما الى بلاد آل حميقان تزمل الشيخ علي عبدالرب مرحباً برفيق دربه القردعي قائلاً:-
حيَّا الله الليله قدوم القردعي
حلف الحميقاني كما جدّك وابوك
جاب الجنابي والفرود المندعي
واتطامرت لانمار من فوق الشبوك
ويورد الكاتب صالح أحمد ناصر الحارثي هذا الزامل بصيغة أخرى هي( ):
عهد الحميقاني معك يا قردعي
عهد الحميقاني كما جدك وابوك
جاب الجنابي والنصال المِنْدعي
واتْطَايَرَتْ لَنْمَار من فوق الشبوك
كما ورد هذا الزامل بصيغة ثالثة مختلفة بعض الشيء في كتاب الشيخ علي بن ناصر القردعي (ص53) وينسب للشهيد الهمام البطل عبدالقوي الحميقاني والذي درس فكرة الهروب من السجن مع القردعي وأرسل إلى أخوانه يطلب منهم تنكة سمن بها جنبيتين ومسدس ومبرد (منشار حديد) فارسلوها مع شخص أمين يسمى (المدعي)، والصواب (المندعي) كما ذكر ذلك في زامله بعد الخروج يقول:
حيا الله الليله بِشَوف القردعي
حلف الحميقاني كما عمّك وابوك
جا بالجنابي والفرود (المُندعي)
واطَامَرَتْ لَنْمَار من فوق الشبوك
وكان الحميقاني والقردعي قد اتجها فور خروجهما هرباً من سجن الإمام يحيى إلى الشيخ العاقل ناصر بن محسن بن الحاج المحضار في مرخة بدليل ترحيبه بهما عند استقبالهما بالزامل التالي:
حيا الحميقاني وحيا القردعي
الشيخ ذي قسَّم على النيا عياه
القردعي عندي ولا با أعطيه حد
والموت عند القردعي والاَّ الحياه
لا نعلم الفترة التي مكثاها في مرخة، لكنهما وصلا بعد ذلك مباشرة إلى يافع بعد أن علم الإمام يحيى بهروبهما وطلبه القيض عليهما وتهديد من يقدم العون لهما أو يأويهما. وكان اختيارهما ليافع أمر منطقي للعداء المستحكم بين يافع والإمام، فضلاً عن كونها تحمي من يستجير بها وفقاً لأعرافها القبلية. ويروى أن أحمد ناصر القردعي قد التقى مسبقاً بآل هرهرة وعلى رأسهم السلطان صالح بن عمر وشرح لهم الوضع الذي يعيشه آل القردعي بسبب مطاردة الإمام والخشية من بطشه وانتقامه، ولقي ترحيباً من قبل السلطان ويافع.
وقد استقبلهما السلطان صالح بن عمر في قصره المنيف في جبل (حِلْيَن)، ثم استقر الحال بالشيخ علي عبدالرب الحميقاني في (الخربة) فيما ذهب الشيخ علي ناصر القردعي وأخوه إلى بني بكر في ضيافة آل بن سنان البكري، ويقال أنه بقي لديهم مدة تتراوح بين شهرين إلى أربعة أشهر، كما يتذكر كبار السن.
وفي قصيدة للشاعر الشيخ علي ناصر القردعي يصف فيها سلطان يافع بـ(صليب الرأس)، في قوله:
من بعد ذا يا مُعنّى شد في مُرسن
من حد بن هرهره والجد همداني
سلطان يافع صليب الراس متمكن
يا الضلع ذي من صفاته يسر الباني
وقصيدته تلك أرسلها من يافع (من حد بن هرهرة)، خلال إقامته فيها،وبعثها إلى سلطان العواذل مع أخيه أحمد ناصر القردعي، وهو أمين سره وكاتبه، كما يبدو من كتابته للوثيقة أعلاه التي احتفظت لنا بشاهد عن مكوثهم في يافع، وقد تكشف الأيام عن أشعار ووثائق أخرى عن تلك المرحلة ما زالت ربما محفوظة في أرشيف آل هرهرة وغيرهم.
الهوامش:
(1) في الأصل: الثلوث
(2) نسبة إلى قرية صَبِر في الحد-يافع.
(3) نسبة إلى قرية الرّداما في الحد-يافع.
(4) هدموا ورزموا: حدث بينهم خراب وتعطيل الزراعة.
(5) الشِّيَان: جمع شَيْن، وهو القبيح والسيء، وعكسه الزَّيْن والجمع (زيان).