fbpx
مأزق الرئيس هادي

 

كتب – د. عيدروس نصر النقيب.
لم تتوقف الحملة الإعلامية الموجهة ضد الرئيس هادي بشخصه ومكانته السياسية والوظيفية، كرئيس لليمن جرى التوافق على ترشُّحِه (أو ترشيحه) بدون منافس في العام ٢٠١١م ليُنتَخَب رئيساً انتقالياً في العام ٢٠١٢ ولمدة عامين.
ربما يكون من سوء حظ الرئيس هادي إنه جاء في زمنٍ يمنيٍ أغبر يتصف بالترا جع في كل ميادين الحياة، من القيم والأخلاق إلى السياسة والقانون، ومن الطموح والتطلع نحو الأفضل إلى استشراء الفساد والعبث بالموارد العامة ونشر حالة الإحباط واليأس من المنافسة تاشريفة واستبدالة بثقافة “حمران العيون”.
لم يكن الرئيس هادي هو من صنع هذه اللوحة القاتمة فبذورها وشتلاتها تمتد لعقودٍ خلت، لكن هادياً عاش مرحلة ازدهارهاوتطورها قبل أن يتولى الحكم في اليمن وواكب زمن تصاعد واستفحال تداعياتها الكارثية، لكن سيكون من الظلم تحميل الرئيس هادي كل ما تعاني منه اليمن من ويلات وحروب وتشظي ومفاسد وانهيارات، لم تكن من صنعه وليس بيديه اجتثاثها أو حتى التقليص منها.
الحملة ضد الرئيس هادي بدأت مباشرة بعيد توليه مهمة الرئاسة، ونحن هنا لا نتحدث عمن وصفه بأنه “محصن ضد الفهم” أو من اتهمه “بالعمالة والخيانة وبيع الوطن”، فجميعهم من الأطراف التي انقلبت ضده وتحالفت على إسقاطه واحتجزته وقتلت من أهله ومناصريه من قتلت، لننا نتحدث عن اصطفاف واسع ممن “يؤيدون الشرعية” و”يلعنون رئيس هذه الشرعية” ويقولون فيه أكثر مما قال مالكٌ في الخمر.
في العام 2014م كتب أحد “مثقفيهم” مخاطباً الرئيس هادي “أنت خطيئتنا الكبرى ولعنتنا الأزلية” وقد سخر أخونا من قول الرئيس هادي بأنه يسوق سيارة وسط صحراء رملية، فعلق (صاحبنا) بالقول إنه اكتشف أن الرئيس هادي لا يملك رخصة قيادة على الأسفلت، في إشارة إلى عدم أهلية الرئيس هادي للمنصب الذي يشغله، لكن الرئيس هادي أخرس هذا الكاتب بتعيينه سفيراً في واحدة من أهم المنظمات الدولية حضوراً على الصعيد العالمي وفي اليمن بصورة مميزة.
وتتواصل تلك الحملة حينما يقول كثيرون أن من دمر اليمن “هو الرئيس الجنوبي” وإنه هو من قضى على القوات المسلحة والأمن  اليمنيتين، ليصل الأمر بأن يقول أحدهم أن وجود الرئيس هادي على رأس الحكم في اليمن هو “أكبر إهانة للتاريخ اليمني”،  مغززا قوله بأن “الكائن هادي هو ورم سرطاني في جسد الدولة اليمنية” و” ورم السرطان يحتاج إلى استئصال أو علاج كيماوي”، ويطالب آخر بمحاكمة الرئيس هادي “على كل الجرائم التي ارتكبها في حق اليمن واليمنيين”.
المأزق الذي وُضِعَ فيه الرئيس هادي يكمن في أنه اختير رئيساً لبلدٍ ليست بلده وشعبٍ ليس شعبه وجمهورٍ ليس جمهوره، وهو في هذه الحالة لا يلاقي من الاحترام إلا بقدرما يشرعن مصالح خاطفيه ولا يكون مقبولاً ولا حتى يمنياً إلا حينما يحارب لهم من يكرهون ويحتضن لهم من يودون، أما عكس ذلك فهو ليس سوى “الرئيس الجنوبي الذي دمر اليمن وقضى على وحدتها ودمر جيشها وسلم عاصمتها للحوثيين” حتى وهم يعلمون أنه لا يملك من القرار ما يمكنه من تعيين موظفٍ صغير في نكتبه بدون موافقتهم.
ربما يكون ذنب الرئيس هادي أنه قبل بالترشيح لرئاسة دولة كان يرى معاول هدمها في أيدي مؤيديه ولم ينتزع منهم تلك المعاول فهو لم يكن يمتلك القدرة على انتزاعها، وكرر الذنب حينما قبل بتمديد فترة رئاسه رغم رؤيته لعوامل الانهيار وهي تنتشر وتتفاعل وتتداعى لتشمل كل مفاصل بنيان الدولة، حينما لم يكن بيده أية وسيلة لإيقاف هذا الانهيار.
الحملات الموجهة ضد الرئيس هادي لا تكشف سوى عن جزء ضئيل من مأزق الرئيس، فمنظمو تلك الحملات التي لم تتوقف يوما لا ينطقون عن الهوى بل إنما يبوحون بما يوحى به إليهم من مراكز القوى التي تطوق الرئيس من جميع الجهات كما يطوق السوارُ المعصمَ.
واليوم يزداد وضع الرئيس هادي حرجاً واختتاقاً حينما تبدو ملامح التخلي النهائي عنه في اللتبلور وتحميله نتائج كل ما آلت إليه الأوضاع في اليمن.
وحتى لو فكر الرئيس هادي بالانسحاب من واجهة المشهد السياسي اليمني طوعياً لن يمنحوه هذا الحق ليس حباً فيه ولكن لأن خاطفيه المتحكمين في سياساته ومواقفه وقراراته، لم يستكملوا بعد تنفيذ أجندتهم حتى النهاية وفي الأخير سيتفق المتصارعون وسيتقاسمون الكعكة وسيكون نصيب الرئيس هادي وأولاده الاتهام واللعن والتشهير وربما ما هو أبعد من ذلك مما لا نتمناه له.