إن المتابع لسير حركة التاريخ الإنساني سيتوقف دون شك عند منعطفات أساسية غيرت مجرى الأحداث في المعمورة كلها ولعل من أبرز تلك المنعطفات عمقاً وإمتداداً وإستمراراَ هو بزوغ فجر الدولة الإسلامية التي انبعثت لتملأ الأرض سلاماً وثقافةً وعلماً وحضارةً متكاملة الأركان يسودها العدل والسمو الأخلاقي الذي ارتقى بالمجتمع وأحدث ثورة في الذات كانت بداية للتغيير الشامل في وجه البسيطة والذي لا يزال مستمراً حتى العصر الراهن ,تلك الدولة التي ارتبطت برسالة السماء إلى آخر المبعوثين رحمة للعالمين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأطيب التسليم وقد كانت رسالة جامعة شاملة كاملة وافية كافية مستمرة متجددة إستطاعت أن تعيش وتبقى وتستمر وتواكب كل المتغيرات برغم إنهيار تلك الدولة ولكن منظومة القيم والضوابط السلوكية والأخلاقية لم تسقط بل أنها مستمرة وباقية ما بقيت الحياة .
وخلال القرون الماضية شهد العالم ثورات تحررية في عدد من دول العالم كانت من أهمها الثورة الفرنسية الكبرى وثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والعديد من الثورات التحررية التي انتصرت لإرادة الشعوب وأنتجتها جملة الشروط الذاتية والموضوعية في تلك الفترة من الزمن وإمتداداً لتلك الثورات فقد تم إنتاج وبلورة الفكر الثوري والتحرري وبدأ العالم يتعرف على ويردد شعارات العدالة والمساواة والحرية وإنطلقت ثورات التحرر الوطني في مختلف بقاع الأرض وترافق ذلك مع إعادة النظر في إستعمار العالم بالشكل التقليدي من قبل الدول الإستعمارية التي تقاسمت العالم وخاضت حروباً عالمية لإعادة تقسيم العالم في مابينها حيث شهدت حقبة الخمسينيات والستينيات التحول في سياسات هذه الدول من نظام الاستعمار القديم إلى نظام الاستعمار الجديد الذي يتمثل في ربط اقتصاديات الدول المستعمرة وسياساتها بعجلة التطور الرأسمالي وقد شهدت هذه الحقبة إستقلال عدد كبير من الدول في آسيا وإفريقيا وإمريكا اللاتينية وهذا يعني أن فكر هذه الثورات هو نتاج للفكر الإستعماري أصلاً والذي إستطاع الإنسحاب من كل الدول المستعمرة وتسليم السلطات لحلفاء مباشرين أو غير مباشرين مقابل عدم المطالبة باستحقاقات فترة الإستعمار وضمان بقاء الدول المستقلة ضمن الاستقرار الكافي الذي يحقق مصالح دول العالم الكبرى .
إن هذا الاستنتاج في غاية الأهمية والخطورة قياساً إلى الفكر الثوري الذي تمت إشاعته خلال تلك الفترات الثورية التحررية والتي لا تزال مفرداته حاضرة بقوة حتى في عصرنا الراهن وبناء على ذلك فأن موضوع الأجندة الدولية في المنطقة يحمل الكثير من الأهمية والدلالات وينبغي مراجعة وتحليل السياسات الدولية والإقليمية والمصالح المتعلقة بها وتقاطعات ذلك مع ما يسمى ثورات الربيع العربي إجمالاً ومع الحراك الجنوبي السلمي التحرري الذي كان ملهماً ورائداً لهذا الشكل من أشكال النضال الجماهيري الواسع ولعله من المفيد هنا ان نستعرض بعض ملامح صورة الواقع العربي على النحو التالي :
وانطلاقاً من المعطيات الآنفة الذكر فإن بعض التجليات الظاهرة والمباشرة للأجندة الدولية في المنطقة العربية تتمثل في ما يلي :
ولا شك أن تجليات الأجندة الدولية في المنطقة تتخذ أشكال متعددة ومتنوعة وربما غير مستقرة في ما يسمى ( الجمهورية اليمنية ) فإن الأجندة الدولية تتداخل أيضا مع أجندات إقليمية الملامح دولية المضمون فيبدو في الصورة المباشرة أن هناك تنافساً على النفوذ بين قطر التي تزايد نفوذها بشكل ملحوظ ومثير للتساؤل والسعودية المعروفة بهيمنتها على مراكز القوى لا سيما في الشمال خلال الفترة التاريخية الماضية ، وقد شهد هذا التنافس حضوراً وأفضلية لدولة قطر بينما أنحسر نسبياً الدور السعودي الأمر الذي قد يجعل السعودية تراجع مواقفها من الحراك الجنوبي السلمي التحرري وتكون أكثر إيجابية في تعاطيها مع الجنوب وذلك حتى تستطيع أن تحقق ما يلي :
وبالمقابل فإن قطر تمارس دورا محوريا كبيرا في كثير من النزاعات الدولية ولها نفوذ قوي جدا وملحوظ في كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها وتستطيع أن تمارس تأثيرا كبيرا على مراكز القوى سواء في الشمال أو الجنوب وبناء على ذلك فإن الأمور تتجه نحو المزيد من التشظي الناتج عن الاستقطاب الإقليمي والدولي الذي سنجد انعكاساته في الشارع الجنوبي بشكل سلبي للغاية في ظل عدم وجود رؤية دولية محددة وواضحة بشأن الجنوب سوى ما تم الإعلان عنه في أن الحل ينبغي أن يكون ضمن إطار ما يسمى الجمهورية اليمنية .
ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى صورة من صور السيناريو المحتمل الذي بدأ يتشكل ويكتمل ويظهر بل أن ملامحه قد ظهرت وتحقق جزء منها حتى صار بالإمكان الإشارة الى ما يلي :
وختاما .. لهذه القراءة فإنني أعود بالإشارة إلى مقدمتها والسؤال في ماهية الثورات التحررية ؟ وكيف تقوم الثورة ؟ وهل ما شهدته المنطقة العربية هي ثورات ؟ وما هو الأفق المتاح لهذا الشكل من أشكال التعبير الجماهيري الحر ؟ وكيف تكون إدارته اللازمة في ظل التجاذبات والتنافسات بين الدول المهيمنة على مراكز النفوذ في العالم . وللإجابة على هذه التساؤلات فأنه سيتم تناولها لاحقاً ووضع الأسس والملامح العامة التي ينبغي الإشارة إليها للوصول إلى صياغة رؤية منهاجيه تستطيع الوقوف على قدميها برسوخ كاف لإستيعاب المتغيرات المتسارعة وإنجاز التغيير الثوري المطلوب بشكل استراتيجي مدروس .