fbpx
إثيوبيا تستأنف لعبة كسب الوقت حيال سدّ النهضة
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

مع إصرار إثيوبيا على ملء ثان لسد النهضة بالمياه مع مطلع شهر يوليو المقبل، حتى ولو أحادي الجانب، تتزايد سخونة التصريحات الرسمية في بلدي مصب نهر النيل، مصر والسودان، حتى بلغت درجة التهديد والتحذير، حيث اعتبرها مراقبون مؤشرا على تضاؤل احتمالات حل النزاع عبر التفاوض، وتفتح الباب أمام خيارات أخرى.

 

في المقابل، يبدي البعض رؤية مغايرة للأمور خاصة بعد أن لوحت القاهرة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري مساء السبت الماضي، أنها تجري اتصالات لعقد جلسة لمجلس الأمن لحل قضية سد النهضة والتشاور حول المخرج الذي ستنتهي إليه الجلسة.

 

ويقول هؤلاء إنها من الواضح مساع لحشد ضغوط إقليمية ودولية على أديس أبابا للتوصل إلى اتفاق ثلاثي قبل الملء الثاني المرتقب، لتفادي “تهديد استقرار المنطقة بالكامل” عندما حذر الرئيس عبدالفتاح السيسي في نهاية مارس الماضي من أن “مياه النيل خط أحمر”، في أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل عشر سنوات.

 

وترفض القاهرة والخرطوم أن تشرع أديس أبابا في الملء الثاني للسد، على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي، حفاظا على منشآتهما المائية وحصتهما المائية السنوية، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.

 

وعادة ما تقول إثيوبيا إن بناء السد ضروري لتحقيق التنمية في البلد الفقير، عبر توليد الطاقة الكهربائية، مشددة على أنها لا تعتزم الإضرار بحقوق ومصالح القاهرة والخرطوم. ولكن مواقفها المستميتة عند نقطة الجمود تفسر على أنها تريد استئناف لعبة كسب الوقت لتحقيق مآرب أخرى.

 

الحل دبلوماسي

ديفيد دي روش: لا يمكن أن تتوقع إثيوبيا أن تقبل مصر باستفزازاتها

أكد وزير الخارجية المصري خلال تصريحات إعلامية محلية أن القاهرة ستذهب إلى مجلس الأمن، لأنه لا خيارات أمامها سوى الضغط الدبلوماسي عبر قنوات الأمم المتحدة، وهو نفس الوضع الذي اتبعته الخرطوم، مما يعني انسجاما في المواقف بين البلدين العربيين في ظل الأزمات المتباينة التي يعيشها القرن الأفريقي.

 

وفي مطلع الشهر الجاري، أعلنت الخارجية المصرية تقديم خطاب لمجلس الأمن شمل الاعتراض على اعتزام إثيوبيا الملء الثاني. وبعد 10 أيام طالبت نظيرتها السودانية، المجلس “بعقد جلسة في أقرب وقت لبحث تطورات الخلاف حول السد وأثره على سلامة وأمن الملايين الذين يعيشون على ضفاف النيل”.

 

وكان السودان قد بعث بخطاب مماثل لنظيره من مصر لمجلس الأمن لعرض تطورات القضية وطلب عقد جلسة ومن المهم تعضيد موقف الخرطوم في ظل عدم الوصول إلى اتفاق وتوقف مسار المفاوضات قبل أشهر.

 

وتتهم مصر إثيوبيا باعتمادها نهجا يدل على نيتها لممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته وسط تعنت أديس أبابا وتصعيد خطابها بشأن قضية سد النهضة.

 

وفي موقف يعكس التعنت الإثيوبي وأنها مستعدة لكل الاحتمالات مهما كانت قسوتها رغم أنها تميل إلى الحل التفاوضي في الظاهر، قال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” إن بلاده “لا تسعى إلى حل قضية سد النهضة مع مصر والسودان عسكريا لكنها مستعدة لهذا السيناريو”.

 

واعتبر ديبيلي على هامش مشاركة بلده في مؤتمر موسكو التاسع للأمن الدولي ردا على سؤال حول مدى احتمال حل أزمة سد النهضة عسكريا “بالنسبة لبلدي، لا يجوز أن تكون قضية المياه سببا للحرب، فلذا الحل لا يمكن أن يكون عسكريا، الحل الأمثل هو المناقشة من خلال الاتحاد الأفريقي”.

 

ومع ذلك، تعطي تصريحات المسؤول العسكري الإثيوبي لمحة عن إصرار بلده في الذهاب بعيدا مهما كان الثمن باهظا، ولكنها قد تأتي بنتائج عكسية تجعل المنطقة على فوهة بركان رغم أن المحللين في مراكز أبحاث غربية يقللون من فرضية دخول البلدان الثلاث في حرب.

 

ويشدد المبعوث الأميركي دونالد بوث، في كل مرة يظهر فيها للعلن على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم ومرض لجميع الأطراف، مؤكدا اهتمام الولايات المتحدة بأمن الدول الثلاث واستقرارها، واستعدادها لتقديم الدعم الفني اللازم للخروج من الأزمة.

 

ومع ذلك سعت مصر إلى توظيف علاقاتها مع روسيا في البحث عن حل لأزمة سد النهضة بعد فشل الرهان على الوساطة الرباعية ووجود مؤشرات على فقدان الثقة في عودة الوساطة الأميركية منفردة في هذا الملف الشائك.

 

نذر تصعيد أكبر

Thumbnail

قضية سد النهضة الذي تقوم إثيوبيا ببنائه من أكثر القضايا أهمية في العالم، حيث إنها تنذر بتصعيد خطير لا يحمد عقباه عسكريا وسياسيا واقتصاديا، ليس بالنسبة لإثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان فحسب، بل بالنسبة إلى المنطقة كلها، وربما بالنسبة إلى دول أخرى خارجها.

 

فمصر والسودان تعتبران هذه القضية قضية وجودية، وتطالبان باتفاق ملزم بينهما وبين إثيوبيا يتعلق بملء السد وتشغيله، وهو ما ترفضه إثيوبيا تماما طوال سنوات من التفاوض على مستويات مختلفة شملت الاتحاد الأفريقي، وكذلك مفاوضات في واشنطن برعاية وزارة الخزانة الأميركية وبحضور البنك الدولي توصلت إلى اتفاق وقعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وانسحب الوفد الإثيوبي من المفاوضات رافضا التوقيع.

 

وبالفعل نفذت إثيوبيا المرحلة الأولى من ملء السد دون اتفاق مع دولتي المصب، مما أثار غضبا شديدا. وقد حذر الرئيس السيسي مرارا من أن مياه مصر خط أحمر وكل الخيارات مفتوحة. ومع ذلك تصر إثيوبيا على موقفها، وأعلنت أنها سوف تكمل المرحلة الثانية من الملء في يوليو المقبل “سواء باتفاق أو دونه”.

 

ووصف ديفيد دي روش، الأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية بواشنطن، موقف إثيوبيا من قضية السد بأنه استفزاز. وقال “هذا أمر محبط حقا لأنه نوع من التصريحات المطلقة”.

 

إثيوبيا تؤكد أنها لا تسعى إلى حلّ قضية سد النهضة مع مصر والسودان عسكريا لكنها مستعدة لهذا السيناريو

وأضاف دي روش “الإثيوبيون هنا يقولون للجميع، ما في بلدنا هو ملكنا وكل ما نسمح له بالذهاب إلى المصب، عليك أن تكون سعيدا به”. وأكد أن “الموقف الإثيوبي للأسف، موقف يثير القلق بدرجة كبيرة لمصر، التي تعتمد بشدة على النيل، ولا يمكن للمصريين أن يبتسموا ويتحملوا ذلك الاستفزاز”.

 

وأجرت القاهرة والخرطوم تدريبات عسكرية مشتركة على نطاق واسع هي نسور النيل 1، ونسور النيل 2، وحماة النيل، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن ذلك يعد استعدادا لعمل عسكري ضد السد.

 

ورغم ذلك، واصلت أديس أبابا استفزازاتها، فقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن بلاده تخطط لتشييد 100 سد مائي متوسط وصغير في الأقاليم خلال السنة المالية المقبلة. وأعقب ذلك تأكيد من المتحدث باسم وزارة الخارجية بأن بلده “ذات سيادة ومن حقها أن تبني مئة أو ألف سد جديد فالدولة صاحبة السيادة على أراضيها وهي ملتزمة بالقانون الدولي”.

 

وقد رفضت مصر التصريحات الإثيوبية، وقال السفير أحمد حافظ المتحدث باسم وزارة الخارجية، إنها “تكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها”.

 

وأكد على إقرار مصر الدائم بحق جميع دول حوض النيل في إقامة مشروعات مائية واستغلال موارد نهر النيل من أجل تحقيق التنمية لشعوبها الشقيقة. لكن المتحدث حذر من أن هذه المشروعات والمنشآت المائية يجب أن تقام بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التي قد تتأثر بها، وفي مقدمتها دول المصب.