fbpx
مكافحة الإرهاب داخل الولايات المتحدة تتطلب معالجة الولاءات السياسية
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

ظلت الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تركز جهودها في مجال مكافحة الإرهاب على أطراف وتنظيمات خارجية، إلى أن وقعت أحداث اقتحام مبنى الكابيتول مطلع العام الجاري لتلفت الانتباه إلى خطر جديد للأمن الأميركي ينبع من الداخل.

 

وعلى خلفية تلك الأحداث أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب المحلي، والعمل على استئصاله من المجتمع الأميركي.

 

ويقول المحلل الأكاديمي الأميركي الدكتور بول بيلار، إن إدارة بايدن أصدرت الأسبوع الماضي استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب الداخلي، وهي أول وثيقة أميركية من نوعها حول هذا الموضوع.

 

المتطرفون العنيفون ذوو الدوافع العنصرية والمتطرفون العنيفون من الميليشيات يشكلون أكثر التهديدات فتكا

 

وأضاف أنه على غرار معظم الوثائق “الاستراتيجية” حول مواضيع أخرى تصدرها أي إدارة، فإنها ليست استراتيجية حقيقية تشكل القرارات العملياتية داخل الحكومة أكثر مما هي بيان عام للأهداف والمبادئ. ومع ذلك، فهذا تأكيد رسمي مرحب به لواقع المصدر الذي تأتي منه معظم التهديدات الإرهابية ضد الولايات المتحدة اليوم.

 

ويختلف ذلك الواقع عن التصور الشائع، الذي ساد خلال العقدين الماضيين منذ هجمات 11 سبتمبر، بأن مكافحة الإرهاب هي أساسا مسألة مطاردة الجهاديين الأجانب. فمذاك كانت الوفيات داخل الولايات المتحدة على أيدي منظمات جهادية أجنبية شبه معدومة.

 

وتسرد وثيقة الاستراتيجية بعض المواضيع التي كانت مألوفة بالفعل من الخطاب حول مكافحة الإرهاب الأجنبي، مثل تلك المواضيع المفضلة القديمة بأنه ينبغي على الوكالات الحكومية تبادل المعلومات مع بعضها البعض بحرية أكبر. كما تقدم بعض الأفكار الجديدة، مثل ملاحظة أنه من خلال الاهتمام بالروابط العابرة للحدود الوطنية للمتطرفين المحليين، تصبح بعض الأدوات القانونية والتحقيقية التي تنطبق فقط على الأهداف الأجنبية متاحة ولكن لا يمكن استخدامها ضد الإرهابيين المحليين.

 

ويرى بيلار أن الوثيقة تحدد على نحو صحيح العديد من القيود والمفاضلات المتأصلة في أي جهد لمكافحة الإرهاب المحلي. وفي هذا الصدد، فإنها أفضل في تحديد المشاكل التي ينطوي عليها الأمر من التوصل إلى حلول ذكية لتلك المشاكل.

 

وعلى سبيل المثال، تشير الوثيقة إلى أنه “من المؤكد تقريبا استمرار توافر مواد التجنيد المحلية المتعلقة بالإرهاب على الإنترنت على مستوى معين”. وكل ما يمكن أن تقدمه ردا على ذلك هو “أننا سنسعى لإيجاد طرق مبتكرة لتعزيز وتنمية المعرفة الرقمية والبرامج ذات الصلة، بما في ذلك المواد التعليمية والموارد التفاعلية عبر الإنترنت مثل الألعاب عبر الإنترنت المعززة للمهارات”.

 

الوثيقة تنص على تسريع العمل للتعامل مع بيئة المعلومات التي تتحدى الخطاب الديمقراطي الصحي بما في ذلك “إيجاد سبل لمواجهة تأثير نظريات المؤامرة الخطيرة

 

وأما الجزء الأهم من وثيقة الاستراتيجية، والذي يحدد أهم المشاكل الأساسية التي تتحدى الحلول السهلة التحديد، فهو يتعلق بـ”الركيزة” الرابعة والأخيرة للاستراتيجية، التي تسمى “مواجهة المشاركين في الإرهاب المحلي على المدى الطويل”.

 

وكما هو الحال مع الإرهاب الأجنبي، فإن الظروف السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تحيط بالمتطرفين المحليين المحتملين تحدد في نهاية المطاف أكثر من أي شيء آخر ما إذا كانوا سيتخذون خطوة جذرية باللجوء إلى العنف الإرهابي. ولكن في المجال الداخلي، تدخل معالجة هذه القضايا على الفور في السياسة الداخلية حيث هناك افتقار للتوافق.

 

وعلى الرغم من أن واضعي الوثيقة يعودون إلى الوراء لتذكير الأشخاص بأن الإرهاب ليس حكرا على أي أيديولوجية واحدة أو قناعة سياسية واحدة، انطوى معظم الإرهاب الأميركي المحلي في العقود الأخيرة على التطرف اليميني. والجهود المبذولة بشأن الحق في إظهار أنشطة أنتيفا (حركة محتجين يسارية معارضة للفاشية والنازية ومناهضة للرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف) أو حياة السود مهمة، لا تدحض هذه الحقيقة الإحصائية.

 

ويؤكد بولار أن الاعتراف بهذه الحقائق أمر أساسي لنهج مستنير لمكافحة الإرهاب المحلي. وتمشيا مع هذه الحقائق، تقدر دوائر الاستخبارات بأن “المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية أو الإثنية” و”المتطرفين العنيفين من الميليشيات” يشكلون أكثر التهديدات فتكا.

 

وإلى جانب سردها الكثير عن الحاجة إلى مكافحة العنصرية، تتحدث وثيقة الاستراتيجية عن أشياء مثل كيف حاولت الإدارة تحسين الظروف الأساسية من خلال العمل “لتقديم الإغاثة المالية الفورية للملايين من الأميركيين، وبالتالي المساهمة في انتعاش اقتصادي عادل يمكن أن يواجه التفكك الاقتصادي وحتى اليأس الذي يشعر به الكثيرون”.

 

معظم الإرهاب الأميركي المحلي انطوى في العقود الأخيرة على التطرف اليميني

 

ومن السهل أن نرى كيف سيرفض المعارضون السياسيون للإدارة الأميركية مثل هذه الإشارات باعتبارها تتعلق بأجندات الاقتصاد الديمقراطي أكثر من علاقتها بمكافحة الإرهاب الداخلي.

 

لكن الوثيقة تتخذ بشكل صحيح نظرة أوسع للمشكلة الأساسية عندما تحدد كأولوية “تعزيز الثقة في الحكومة ومعالجة الاستقطاب الشديد، الذي تغذيه أزمة التضليل والمعلومات المضللة التي غالبا ما يتم توجيهها من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تمزّق الأميركيين وتؤدي إلى لجوء البعض إلى العنف”.

 

وتنص الوثيقة على أن هذا يتطلب “تسريع العمل للتعامل مع بيئة المعلومات التي تتحدى الخطاب الديمقراطي الصحي”، بما في ذلك “إيجاد سبل لمواجهة تأثير نظريات المؤامرة الخطيرة التي يمكن أن توفر بوابة للعنف الإرهابي”. وهناك حاجة إلى برامج وسياسات “لتعزيز المشاركة المدنية والتشجيع على التزام مشترك بالديمقراطية الأميركية”.

 

ومن الطرق الأكثر صراحة لوصف المشكلة أن قسما كبيرا من السكان الأميركيين، الذين تنحرف تصوراتهم بالتضليل وولاءاتهم التي تشوّشها القبلية الحزبية، لا يشتركون في الالتزام بالديمقراطية. وبعض هذه الفئات الفرعية من السكان ستلجأ إلى الإرهاب وهذا ما حدث في مبنى الكابيتول في 6 يناير.

 

وبغض النظر عن حجم العمل في مجال مكافحة الإرهاب الذي يتم من خلال فرق العمل المشتركة بين الوكالات، وتبادل المعلومات، وبعض التدابير الأخرى التي تذكرها وثيقة الاستراتيجية الجديدة، فإن مشكلة الإرهاب الداخلي ستظل قائمة طالما بقيت هذه المشكلة الأساسية الأكبر المتمثلة في المواقف والولاءات السياسية قائمة. وطالما استمر، فإن الخطر لن يستمر فقط على الأفراد الذين يقعون ضحايا للعنف الإرهابي، بل أيضا على الديمقراطية الأميركية نفسها.

وسوم