fbpx
القاهرة تمدد الخط الأحمر من سرت – الجفرة إلى طرابلس
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

حملت الزيارة التي قام بها رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل إلى طرابلس ثم بنغازي الخميس جملة من الرسائل الأمنية والسياسية موجهة إلى أنقرة بشكل رئيسي، وكأنها تحدد خطا أحمر جديدا لها في ليبيا.

 

وجاءت الزيارة بعد أقل من أسبوع من زيارة قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى العاصمة الليبية أثارت امتعاض جهات مختلفة، فأكار بدا متغطرسا في تصريحاته ولم يلتق بمسؤولين ليبيين كبار وظهر منتشيا وسط قواته في قاعدة عسكرية تسيطر عليها بلاده. بينما التقى الوزير المصري رئيسي الحكومة والمجلس الرئاسي ووزيري الدفاع والداخلية وبدا ودودا وهو يتجول في شوارع طرابلس، في إشارة توحي بالثقة الزائدة وأن مصر لديها مفاتيحها التي تستطيع بها ضبط حركة تركيا في غرب ليبيا عموما، وعدم قبولها بالمناورات الخاصة بعدم خروج قواتها أو التلكؤ في ترحيل المرتزقة.

 

وأوحت زيارة عباس كامل إلى طرابلس وانتقاله منها مباشرة إلى بنغازي بأن القاهرة مددت الخط الأحمر المتعلق بتدخلها عسكريا في حالة تجاوزت قوات تركيا سرت – الجفرة إلى طرابلس أيضا، بما يعني عدم القبول بالتصرفات التركية وفرض وجودها في غرب ليبيا، بعد أن تجمدت المحادثات بين مصر وتركيا، وكان أحد أسباب هذا الجمود عدم الوفاء بالتفاهمات المتفق عليها بشأن ليبيا.

 

وقارن الكثير من المراقبين بين المضامين التي حملتها زيارتا أكار وكامل لطرابلس وتوقفوا عند سلوك كليهما، فالأول أراد فرض حضور بلاده بالقوة الغاشمة ومع ذلك لا يستطيع القيام بجولة في شوارع طرابلس، لأن هذه القوة لن تتمكن من حمايته، في حين أراد الثاني تأكيد القبول بالدور المصري الناعم وبدون وجود عسكري.

 

تحرك الجيش ناحية الجنوب حصل هذه المرة على مباركة أميركية بعد أن بدأت إدارة بايدن تضاعف من اهتمامها بالأزمة الليبية

 

من أعدوا زيارة كامل وترتيباتها كانت في ذهنهم المقارنة بين سلوكي مصر وتركيا حيال التعامل مع الأزمة الليبية، ومن الذي يملك القبول لدى القوى الليبية رسميا وشعبيا، ومن الذي بإمكانه التأثير الفعلي على التطورات، ومن الذي يعرقل أو ينسجم مع توجهات المجتمع الدولي الرامية إلى استكمال منهج التسوية السياسية.

 

وينطوي التمديد الضمني للخط الأحمر على رفض تام لعملية الابتزاز التي تمارسها أنقرة مع القاهرة، فتركيا تتصور أنها تتحكم في مفاتيح العقد في ليبيا، وعلى مصر أن تخفف مطالبها وشروطها في عملية التقارب التي بدأت مؤخرا.

 

وتشدد أنقرة على أنها لا تزال مؤثرة في المنطقة ويمكنها العودة إلى مضايقة مصر عبر البوابة الليبية أو غيرها، ولذلك كان الرد المصري بأن العكس هو الصحيح، فما تملكه القاهرة من أدوات متباينة يمكن أن يجعل صيف ليبيا جحيما على تركيا.

 

وأحدثت مصر توازنا في علاقتها بين شرق ليبيا وغربها، وهو ما أنهى ترويج انحيازها إلى طرف على حساب آخر، ويمكنها النجاح في استمرار هذه المعادلة من توسيع مساحة التأثير، لاسيما أن الفترة الماضية كسبت فيها القاهرة ثقة الكثير من الدوائر الإقليمية والدولية وحيّدت بعض القوى التي درجت على مضايقتها في ليبيا.

 

كما أن جزءا من الثقة المصرية مستمد من التناغم في موقفها من التدخلات الخارجية في ليبيا مع رؤية بعض الدول التي أصبحت راغبة في تقويض ظاهرة المرتزقة، الأمر الذي ظهرت تجلياته في الخطابين الأميركي والفرنسي، ومتوقع أن يكون هذا الملف واحدا من القضايا الرئيسية على طاولة مؤتمر برلين الثاني في 23 يونيو.

 

ويشير متابعون إلى أن زيارة كامل في هذا التوقيت أكدت أن تركيا يمكن أن تعيش مأزقا حادا في ليبيا، فمع أن غالبية مواقف السلطة التنفيذية في طرابلس تبدو مترددة أو قريبة من التفاهم مع أنقرة، لكن هناك أصواتا ترتفع بضرورة خروج قواتها، وما يجعل الفريق الأول يقدم على تغيير موقفه المتردد أو القريب منها أن مؤتمر برلين الثاني وضع مسألة خروج القوات الأجنبية أولوية قصوى.

 

كما أن الرهان على زيادة وتيرة العنف ومحاولة توسيع نشاط الجماعات المتطرفة في جنوب ليبيا لن يوقف الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل، فقد أعلنت قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الخميس التحرك باتجاه الجنوب الذي بدأت عملية تصعيد التوتر فيه تتزايد من جانب الإخوان والمتطرفين، وهو ما يمنح حفتر قوة إضافية باعتباره تمكن سابقا من وأد البؤر الإرهابية في سرت ودرنة.

 

نجاح مصر في تبريد الخلاف بين الدبيبة وحفتر سوف تكون له مردودات إيجابية في الشارع الليبي، وهو ما ينعكس في المحصلة النهائية على رفض الوجود التركي

ويؤكد تزامن تحرك الجيش الليبي ناحية الجنوب مع زيارة عباس كامل أنه حصل على دعم من مصر وفرنسا، وهما القوتان اللتان ساندتاه في الجولة الأولى في الشرق الليبي، بما مكنه من القضاء على تمركز المتشددين.

 

وذكرت مصادر مصرية لـ”العرب” أن التحرك ناحية الجنوب هذه المرة حصل على مباركة أميركية بعد أن بدأت إدارة الرئيس جو بايدن تضاعف من اهتمامها بالأزمة الليبية وتنخرط في كثير من تفاصيلها لإيجاد تسوية سياسية.

 

وأضافت المصادر ذاتها أن لقاء كامل مع كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في طرابلس، ثم الذهاب إلى بنغازي ولقاء حفتر، معناه أن التحرك هذه المرة يتم بالتنسيق بين السلطة التنفيذية وقائد الجيش الليبي، وهو ما افتقرت إليه الجولة السابقة التي خاضها حفتر ضد المتطرفين بدون تنسيق مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.

 

وتنطوي هذه الخطوة على أن الهوة الظاهرة بين الدبيبة وحفتر يمكن تضييقها على أساس التفاهم حول ملف مكافحة الإرهاب الذي يحظى باهتمام دولي، بما يعيد فتح الطريق أمام توحيد المؤسسة العسكرية الذي تعطل الأيام الماضية، وهي الزاوية التي عملت تركيا على تخريبها لأن وجودها يتغذى على استمرار الصراع وتوسيع نطاقه وعدم وجود مؤسسات وطنية متماسكة.

 

نجاح مصر في تبريد الخلاف بين الدبيبة وحفتر سوف تكون له مردودات إيجابية في الشارع الليبي، وهو ما ينعكس في المحصلة النهائية على رفض الوجود التركي.

 

وإذا كانت أنقرة تمارس دورها في ليبيا استنادا على سياسة الأمر الواقع، فالقاهرة تعمل على تغيير هذا الواقع تدريجيا، حيث يتم تفريغ الخطاب التركي من مضمونه المادي والمعنوي، ولا يجد من صاغوه أمامهم سوى العودة إلى التقارب مع مصر والتفاهم معها وفقا لما حددته سلفا، خاصة أنها أعلنت احترامها للمصالح التركية في ليبيا.

 

وأخذ الخط الأحمر المصري الأول (سرت – الجفرة) مسارا عسكريا وحقق أهدافه سريعا، بينما يأخذ المسار الثاني (طرابلس) مسارا سياسيا ويمكن أن يحقق أهدافه بسرعة أكبر، لأن الأوضاع تتحرك تحت أقدام تركيا في المنطقة بشكل يجبرها على التخلي عن أجزاء مهمة في تصوراتها حيال ليبيا والعودة إلى دائرة التفاهم مع مصر.

وسوم