fbpx
روسيا ورقة ابتزاز أردوغان للأميركيين: لكن إلى متى؟
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

مرّت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في الفترة الأخيرة بمنعطفات وعمليات شدّ وجذب لعدة أسباب، لكنّ رغم ذلك فإن البلدين تجمعهما أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لحل مشكلات الماضي والانطلاق في بداية جديدة.

 

وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية بين البلدين تضررت بشكل كبير بسبب القرارات التي اتخذها الجانبان خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن الاجتماع المزمع إجراؤه في الرابع عشر من يونيو الجاري يمثل فرصة لإصلاح بعض الأضرار. وينبغي على الرئيسين ألا يبددا هذه الفرصة حسب استنتاجات المتابعين والمحللين نظرا لتقاطع مصالحهما في قضايا عدة.

 

وتتباين القراءات الخاصة بالقمة المرتقبة، ففيما أبدى متابعون تفاؤلهم بقدرة الطرفين على إبداء المرونة وإذابة الجليد بينهما بسبب الحاجة إلى التعاون الوثيق خاصة في ما يتعلق بمستقبل حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، يستبعد آخرون أي تقدم في العلاقات نتيجة مأخذ الإدارة الجديدة على السياسية التركية وسيرها في نهج معارض لتوجهات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث لا تشكل المظالم التركية أولوية أميركية بالنسبة إلى فريق الرئيس جو بايدن، أمام توقعات بتمادي أردوغان في مساومة واشنطن بالورقة الروسية.

 

ولكل جانب أسباب قوية لإعادة بناء هذا التحالف المهم، ولكن كل رئيس يواجه أيضا معارضة سياسية داخلية تدفعه نحو مواجهة مطولة، ما بين المشاعر المعادية لتركيا بين الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس ومعاداة “الأمركة” المنتشرة على نطاق واسع بين الناخبين الأتراك.

 

وكسر هذا الجمود سوف يتطلب الكثير من الدبلوماسية والقيادة، والأهم من ذلك اتخاذ خطوات حقيقية من جانب بايدن وأردوغان على حد سواء، ولكن الأمر يعود في المقام الأول إلى بايدن للتواصل مع أردوغان لاتخاذ الخطوة الأولى والمضي في العلاقات إلى الأمام بشكل مثمر.

 

ياوز بيدر: نتجه بلا شك نحو مواجهة حاسمة ولحظة فاصلة

 

وتوقع ياوز بيدر رئيس تحرير موقع “أحوال تركية”، أن “تكون الجلسة المرتقبة متوترة بسبب الخيارات السياسية التي اتخذها الرئيس التركي وحلفاؤه ودوائره على مدى سنوات.”

 

ووصف بيدر “التراجعات المحدودة” الأخيرة التي أطلقها أردوغان في بعض مجالات السياسة الخارجية، و”حملات الإطراء” تجاه اليونان ومصر وفرنسا بالتكتيكية وبالتالي وهمية.

 

وبصفته مفاوضا تقليديا وخبيرا في التزلج على سلسلة الأزمات التي أثارها، سيهدف أردوغان، حسب بيدر، الحصول على أكبر عدد ممكن من أوراق المساومة.

 

ويخلص إلى أنه مع بدء العد التنازلي حتى الاثنين المقبل، فإننا نتجه بلا شك نحو مواجهة حاسمة ولحظة فاصلة.

 

وترتبط الولايات المتحدة مع تركيا كحليفين تحت مظلة الناتو، وتشتركان في تاريخ طويل من التعاون ومصالحهما الاستراتيجية متوائمة بشأن النقاط الرئيسية، وخاصة في مواجهة روسيا التي تعتبر حلف الناتو أمرا حيويا بالنسبة إليها. ومع ذلك، فإن قوة الحلف ستكون أمرا مستحيلا من دون تعاون حقيقي بين واشنطن وأنقرة.

 

فتركيا ليست ثاني أكبر جيش في الحلف فحسب، أي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، بل إن حلف الناتو نفسه يواجه شكوكا من أعضاء أوروبيين رئيسيين. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي “ميّت سريريا”، كما أن تردد ألمانيا في المساهمة بشكل متناسب في الدفاع الجماعي معروف جيدا.

 

ويلفت الباحثان راسل بيرمان، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد، ودانية قليلات الخطيب، المتخصّصة في العلاقات العربية الأميركية ورئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات بلبنان، في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنتريست” الأميركية إلى أنه نظرا للرؤية الغامضة للدول الأوروبية الكبرى تجاه الأمن، ينبغي على بايدن أن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار تركيا داخل حلف شمال الأطلسي.

 

ويعتقد متابعون أنه ما يحفّز بايدن على إذابة الجليد في العلاقات مع أنقرة، هو خشيته من توظيف أردوغان لعلاقته وتعاونه العسكري مع موسكو لابتزاز واشنطن والناتو.

 

وأشار والتر راسل ميد الزميل البارز في معهد هدسون وكاتب عمود في صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن “بايدن يحتاج إلى إعادة رسم التحالف مع تركيا، ذلك أنّ تركيا العضو في حلف الناتو ليست حليفا علمانيا قويا وغربيا في الحرب الباردة كما كانت في السابق، فهي الآن يديرها إسلامي شعبوي يشتري أسلحة من روسيا ويتدخل عسكريا في المنطقة ويبتعد عن الأعراف والقيم الديمقراطية الأوروبية”.

 

وشدّد على أنّ مهمة بايدن في لقائه مع أردوغان ليست إنقاذ التحالف القديم بين الولايات المتحدة وتركيا، ولكن لوضع الأساس لتحالف جديد.

 

وأظهرت الأحداث الأخيرة أن تركيا تريد الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، حسبما أفاد وزير الخارجية التركي السابق يسار ياكيش الأحد.

 

وقال ياكيش في تصريحات صحافية إن علاقات أنقرة مع واشنطن وموسكو كانت “لعبة محصلتها صفر لعقود، مع تحسن العلاقات التركية – الروسية تحسنت العلاقات التركية – الأميركية، والعلاقات بين تركيا والناتو تراجعت، والعكس صحيح”.

 

ورغم أن ثمة اتفاقا بين جدول الأعمال التركي والأميركي إلى حد كبير في ما يتعلق بمواجهة موسكو، سواء في البحر الأسود أو سوريا أو ليبيا، فإن هناك قائمة طويلة من نقاط الخلاف الأخرى.

 

Thumbnail

وقد انتقدت واشنطن القرار التركي بشراء منظومة الصواريخ الروسية “أس – 400″، كما أن هناك استياء من التدابير القمعية المحلية التي تعامل على أنها انتهاكات لحقوق الإنسان.

 

وأشار سينان أولغن رئيس مركز أبحاث إدام بإسطنبول في مقال بموقع بلومبرغ إلى أن “البيت الأبيض يسير على موجة مختلفة، ذلك أن النظرة العالمية المهيمنة لإدارة بايدن لم تعد ترى مظالم أنقرة أولوية أميركية”.

 

ويلفت أولغن أن هناك مسألة أردوغان نفسه، إذ أن علاقته الوثيقة مع ترامب تجعله موضع شكوك في أعين الإدارة الديمقراطية. وما يعقّد الأمور أن بايدن الذي يحرص على تعزيز الحريات الديمقراطية في الداخل والخارج، صرح في الماضي عن نيته في دعم المعارضة في تركيا.

 

وعلى نحو مماثل، فإن تصريح بايدن الأخير حول المسؤولية العثمانية عن الإبادة الجماعية الأرمنية قد وضع ضغوطا على صورة الولايات المتحدة في تركيا. وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان وقطاع كبير من الرأي العام التركي أن الولايات المتحدة توفر الحماية عمدا لفتح الله غولن، الذي ينظر إليه على أنه القوة الكامنة وراء محاولة الانقلاب في عام 2016.

 

وحسب إدوارد جي ستافورد الأكاديمي الأميركي المتخصص في الشأن التركي، يبرز استخدام التصريحات العلنية من قبل كل جانب بدلا من المحادثات الخاصة والسرية بشكل واضح التدهور في العلاقات الأميركية – التركية التي تسارعت منذ تنصيب بايدن.

 

يمكن للولايات المتحدة أن تعمل على نزع الطابع السياسي عن الخلاف حول الحدود البحرية في شرق المتوسط وتشجيع التوصل إلى حل تعاوني وتقني، إلا أنه في غياب القيادة الأميركية، فإن هذه المشكلة سوف تزداد سوءا

 

لكن، مع ذلك لن يكون للتصريحات الأميركية الرسمية ضد أردوغان تأثير يذكر على سلوكه أو في تغيير مسار العمل الذي يتبعه. ويرجح ستافورد أن يستخدم أردوغان هذه التصريحات لحشد قاعدته ضد التدخل الأجنبي، وحلفاء إسرائيل “الصليبيين”، و”الدول الإمبريالية الجديدة” التي تسعى إلى تفكيك تركيا، والغربيين المعادين للإسلام، وما إلى ذلك، كما فعل من قبل.

 

وعلى غرار ذلك، هناك عدة نقاط خلافية يمكن السعي إلى إيجاد حل لها من أجل تحسين العلاقات بين الجانبين. فالخلاف الذي يثير الانقسام بين تركيا والولايات المتحدة يدور حول الصراع في شمال شرق سوريا والشراكة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع القوات الكردية لوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني.

 

وتنظر تركيا إلى الجماعتين على أنهما تهديد وجودي. ومن شأن خطوة جريئة من بايدن بشأن هذه النقطة أن تحسن العلاقات الثنائية بشكل كبير. أما الخلاف بشأن صواريخ أس – 400، فإنه يحتاج إلى حل سريع.

 

ويتعيّن على الولايات المتحدة أن تعرض على تركيا صواريخ باتريوت كبديل وأن تعيد تركيا إلى برنامج أف – 35. ومع ذلك، ينبغي ربط هذا العرض بالتزام تركيا بعدم السعي للحصول على أسلحة أخرى يمكن أن تعرض حلف الناتو للخطر.

 

ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل على نزع الطابع السياسي عن الخلاف حول الحدود البحرية في شرق المتوسط وتشجيع التوصل إلى حل تعاوني وتقني، إلا أنه في غياب القيادة الأميركية، فإن هذه المشكلة سوف تزداد سوءا.

 

ويستنتج المتابعون أنه ما لم تبدأ الولايات المتحدة استراتيجية مصالحة واسعة النطاق، سوف تتفاقم هذه المشاكل وتنفجر في نهاية المطاف، وذلك نظرا للخطر الذي تمثله القطيعة المحتملة بين أنقرة وواشنطن، فإن الأمر ملح.

وسوم