fbpx
جدل فقهي بسبب صلاة النساء في الحدائق العامة
شارك الخبر

كتب – محروس رسلان:
يسبب افتقاد النساء للمصليات في الحدائق العامة خلال أيام العطلة الأسبوعية خاصة في الحدائق العائلية حرجًا كبيرًا لهن، حيث يفوّت الصلاة على عدد منهن خاصة مع بُعد المساجد أحيانًا عن الحديقة وعدم وجود مكان مخصص للنساء في كثير من المساجد، وهو ما يؤدي بدوره إلى قيام بعض النساء بأداء الصلاة مستترات خلف الأشجار، وغير مستترات في أحيانٍ كثيرة، حيث يؤدين الصلاة في الحديقة على مرأى من الرجال، ما تسبب بدوره في جدل فقهي فور طرح راية الإسلام ذلك الموضوع على عدد من أهل العلم الشرعي، حيث رأى بعضهم أن صلاة المرأة أمام الرجال أمر مثير للفتنة، في حين رأى آخرون أنه أمر عادي طالما كانت محتشمة بزي إسلامي.
في البداية قال الشيخ جعفر الطلحاوي أحد علماء الأزهر الشريف، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الأفضل للمرأة الصلاة في بيتها لما ورد في الصحيح عن عبد الله بن مسعود عن النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “صلاة المرأة في بيتها؛ أفضل من صلاتها في حُجرتها، وصلاتها في مخدعها ؛ أفضل من صلاتها في بيتها”، لهذا الحديث ولِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّةِ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاَةَ مَعَكَ، فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ عَلِمْتُ. وَصَلاَتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاَةٌ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ.” قَالَ: فأمَرَت فبُني لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا وَأَظْلَمِهِ ، فَكَانَتْ تُصْلِي فِيهِ حَتَّى لقيت الله، عز وجل. لم يخرجوه.
وأضاف: لهذه النصوص الصحيحة صلاة النساء في بيوتهن أفضل ؛ وكونها أفضل لأنها تحقق الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة، وفي الحديث (لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر) وقد جاء في تعليل الأمر للمرأة بالستر والمواراة قوله صلى الله عليه وسلم (فإني أخاف أن تصف حجم عظامها).
ولما ورد من الأدلة السابقة يمكن القول بان صلاة المرأة في الحدائق العامة بغير استتار يثير الفتنة، والفتنة غير مأمونة ولا سيما عند ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، ولهذا رأينا الشرع الحنيف يُحدد أماكن صلاة المرأة إذا اجتمعت مع الرجال فتكون خلف الرجال، وتكون صفوفهن كصفوف الرجال، وخير صفوفهن – حينئذ – آخرها وأبعدها عن الرجال.
بدوره أكد الدكتور محمد حسن المريخي أن من السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر الرجال ألا ينصرفوا من صلاتهم حتى تنصرف النساء أولاً ولذلك ينبغي على المرأة الاستتار عن الرجل الذي لا يحل لها حال صلاتها.
وقال المريخي: على المرأة أن تستتر، ونطالب الحدائق العامة بتوفير مصلى خاص بالنساء وآخر للرجل في كل حديقة وإن كانت الصلاة لابد منها لقول الله عز وجل: “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا” فلابد لها أن تبحث عن مكان تستتر فيه عن الرجل حال صلاتها خاصة في ركوعها وسجودها.
وأضاف أن استتار المرأة عن الرجال في صلاتها غاية مقصودة نظرًا لأن الله سبحانه قال في كتابه الكريم: “وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب”، متسائلاً إذا كان هذا هو حال المسلمين مع أمهاتهم “أمهات المؤمنين”، فكيف يكون حالهم مع الأجنبيات عنهم؟ لافتًا إلى أن الله سبحانه ما شرع شيئًا إلا لحكمة بليغة سواء أدركناها أم لم ندركها.
وفي المقابل يرى الدكتور علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن صلاة المرأة في الحدائق العامة صحيحة وأن أداءها للصلاة في تلك الأماكن من باب الأولوية، والعبرة بستر المرأة، لأنه ما دامت المرأة مستورة سترًا شرعيًا فلا مانع من صلاتها في الحدائق العامة ما دامت ترتدي زيًا شرعيًا، وهو رأي جمهور الفقهاء.
وأوضح أن الصلاة فريضة قطعية لا تترك لمجرد سد الذرائع، سواء كان ذلك في الحدائق العامة أو الحدائق أو المطارات أو غيرها من الأماكن العامة.
وأشار إلى أن سد الذرائع من أبسط الأدلة وليس من الأدلة القوية وإن وجدت ذريعة فلا تقف أمام الفريضة.
وشدد على أنه لا يجوز ترك الفريضة لمجرد الذريعة لأنه مخالف لنصوص الشريعة والمرأة مثل الرجل مكلفة بالصلاة في كل وقت وفي كل مكان طالما استطاعت لا يمنعها مانع، لافتًا إلى أن نساء العرب كن يصلين في البادية وقد جرى بذلك العرف والعادة، مطالبًا بأن يفسح المجال نحو إقامة المصليات في الحدائق العامة بقدر الإمكان.
من جانبه أكد الدكتور عبد الحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة الإسلامية الأسبق أن من يفتي بالمنع يتحمل الإثم لتفويته على المرأة فريضة شرعية واجبة الأداء في أوقات محددة وهي الصلاة، مشيرًا نظرة الرجال للمرأة التي تؤدي الصلاة في الحدائق العامة ستكون نظرة تقدير لأنهم يرونها تصلي.
وقال: لا أرى فارقًا في أداء الصلاة في الحدائق أم غيرها من أرض الفضاء، لأن أداء الفرائض مطلوب للرجل والمرأة واختلاف المكان ليس بمانع، ولدينا حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا”، مؤكدًا أن النبي لم يقل للرجال دون النساء، وبالتالي فالتفرقة والتمييز لا دليل عليهما.
وأكد أن عدم جواز صلاة المرأة في الخلاء ليس له سند لأن التحريم لابد أن يكون له سند قاطع من حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أو نص قرآني لا يقبل الجدال.
وأوضح أنه ما دامت المرأة محتشمة وتلبس اللباس الشرعي فلا مشكلة في أن يراها الرجال حتى وإن كانت في المسجد، قائلاً: إن المرأة تصلي في الكعبة وفي المسجد النبوي ويراها الرجال وهي تصلي ولا إشكال في ذلك، وبالتالي لانرى أن هناك حجة في المنع فالمرأة يجوز لها أن تصلى في أي مكان وهذا التضييق لا يتفق مع نهج الإسلام في التيسير، فالدين رفع الحرج عن الناس ومساحة المباحات هي الأوسع في الإسلام.

أخبار ذات صله