fbpx
جدل حول الرقابة الشرعية على الفنون والآداب
شارك الخبر

كتب – محروس رسلان:
تثير قضية الرقابة الشرعية على الفنون والآداب جدلا واسعا نظرا لان الكثير من المبدعين يرونها عائقا أمام حرية الابداع والابتكار، في حين يرى نقيض ذلك عدد آخر من الفقهاء أنه لابد من وجود رقابة لكبح جماح الانفلات الأخلاقي والديني للفنون والآداب التي تنال أحيانا من العقائد والمقدسات وترفع لافتات الاضطهاد ضد الإبداع كلما صودرت جريدة أو كتاب أو عمل فني ينال من هيبة المقدسات الدينية التي تعد أوجب الواجبات التي ينبغي أن تحمى، ولايزال الخلاف مستمرا بين من يقول إن المبدع لايستطيع أن ينتج وسط الخوف والحصار وبين من يقول إن مقدسات العقائد وثوابتها خطوط حمراء لا ينبغي أن تمس، الراية الإسلامية تفتح هذه القضية ذات الخلاف المتجدد وتسعى من خلال الآراء المتنوعة أن تصل إلى القواسم المشتركة بين الجانبين.
بداية أكد فضيلة الشيخ أحمد الفرجابي الخبير الشرعي بوزارة الأوقاف أن حياة المسلم من ألفها إلى يائها لا تخرج عن ضوابط هذا الشرع الحنيف، فالاسلام دين جاء لينظم حياة الناس قال تعالى «يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة». أي في جوانب حياتكم كافة، ومن هنا ينبغي أن تحكم الآداب والفنون بآداب الشرع وبأحكام هذا الدين العظيم، والفقيه في هذه المسائل ينظر إلى مقاصد هذه الأعمال وتطابقها مع قواعد الشرع، وأيضا لابد أن يتأكد أن الرسائل المستخدمة في هذه الآداب والفنون خالية من المخالفات الشرعية، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، بل لابد من مشروعية الغاية والوسيلة.
ولذلك لما استمع النبي صلى الله عليه وسلم لجاريتين تغنيان، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم.. قالت إحدى الجاريتين “وفينا نبي يعلم ما في غد”، فقال النبي : “قولي كما كنت تقولين. لا يعلم ما في غد إلا الله».
وقال الفرجابي: لست مع المصادرة بشكل عام، ولكني مع مصادرة ما يخالف الآداب والشريعة الإسلامية، فلا ينبغي أن تشتمل المجلات أو كلمات الأغاني ما يخالف الشريعة، فإن اشتملت على ما يخالف وجبت مصادرتها؛ لأن حماية عقائد الناس وأفكارهم من أهم الواجبات الشرعية.
وعن مصادرات الأزهر لعدد من الأعمال الأدبية، أوضح الفرجابي أن الأزهر له لجان علمية تقوم بقراءة الكتب، وتصادر الأعمال المخالفة لآداب وثوابت الإسلام.
ودعا الفرجابي إلى مصادرة كل ما يخدش العقيدة والثوابت، معللا بقوله: لا نقبل الإساءة للرموز ولا للثوابت الشرعية والأمن الفكري للمجتمع العربي وحصانة العقيدة خطوط حمراء، كما دعا الخبير الشرعي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى مناقشة الكاتب فيما بعد المصادرة ليعدل من أفكاره وأسلوبه.
بدوره شدد فضيلة الداعية الإسلامي الشيخ عبد السلام البسيوني على ضرورة مصادرة أية آداب وفنون تنال من الثوابت والمقدسات الإسلامية، وأشار إلى أنه خلال عمله بالرقابة أتيح له أن يرصد عددا من الأفلام الأجنبية لا يمكن أن تجاز باسم الإبداع، كاشفا أنه رأى بنفسه أفلاما تصور سيدنا عيسى عليه السلام شاذا جنسيا وسيدنا لوط وهو يزني بابنته وسيدنا نوحا وهو سكران في السفينة، وحاشاهم أن يكونوا كذلك.
وقال البسيوني: “نحن بين طرفين: طرف متشدد يضيق على الإبداع تضييقا كبيرا ويدس أنفه في تفاصيل العمل الفني التي بدونها يستحيل أن يكون عملا فنيا والطرف الثاني المستبيح الذي لا سقف لاستباحته، يرى أن من حقه سب الله تبارك وتعالى والأنبياء والأديان والمقدسات لاستحداث قيم مخالفة تماما لقيم المجتمع الذي نعيش فيه، وكلا الطرفين ذميم مرفوض والخير في التوسط الراشد الذي يسمح بهوامش معتبرة للإبداع والتطوير الفني ولا يعد أنفاس المبدع كما يفكر بعض المتدينين.
وأضاف: لا يقول عاقل إنه تحت رؤية فردية لرجل يكتب يسوغ لنا أن نهدم قيم مجتمع أو دينه وثوابته مهما كان هذا الشخص؛ لأن هناك خطوطا حمراء لا تمس ولا يجوز أن يخترقها مبدع وهي المقدسات والثوابت.
وأشار إلى أنه لا يوجد بلد يعطي حرية مطلقة لأي مبدع؛ لافتا إلى أن هناك كتبا صودرت في أمريكا وأوروبا لمخالفاتها لثوابت المجتمع، وإن كانت أقل عددا مما يصادر في بلادنا.
وأكد البسيوني أنه مع مصادرة رواية حيدر حيدر وعلاء حامد وسلمان رشدي لأنهم يعتدون على ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مشيرا إلى أننا رأينا من هؤلاء المبدعين من يستبيح الفجور علنا تحت مسمى الإبداع.
من جانبه أكد المبدع والقاص القطري المعروف جمال فايز أن غياب الرقابة أدى إلى تشويه صورتي الدين والفن الجميل، مشيرا إلى أن الفن لا يعني الابتذال وأنه بكل أطيافة سواء الدراما الإذاعية والمتلفزة والمرئية والسينما والكتابة الأدبية بكل أطيافها من قصة وشعر ورواية رسالة وليست ابتذالا، مشددا على ضرورة أن يكون هناك حضور للجانب الشرعي؛ لأن غيابه أدى إلى مفسدة وتشويه الفن.
وأوضح أن الرافضين للرقابة الشرعية على الفنون والآداب نسبتهم قليلة وخلفياتهم تتبنى بعض المدارس المخالفة للفطرة مثل الحداثيين أصحاب الصوت العالي المسموع أكثر ولكنه ليس الصحيح.
وقال: إذا حصرنا نسبة وتناسب ما صودر من قبل الرقابة الشرعية للفنون والآداب فسنجد أنها النسبة الأقل بين إنتاج المبدعين.
وأضاف فايز: إن الضبطية جزء من قانون الحياة، ولا ينبغي ترك الأمور على عواهنها، لأنه لابد من ضبط الوجهة الإبداعية للإنسان تجاه دينه وقيمه.
وفي المقابل رفض الدكتور عبد الحميد الأنصاري، عميد كلية الشريعة الأسبق، الرقابة الشرعية على الفنون والآداب، قائلا: أنا ضد الرقابة الدينية وضد أي رقابة على الفنون والآداب بكافة صورها وأشكالها، لأنها في النهاية وجهة نظر شخص أو موظف تابع لجهة رقابية أو شرعية في قضية فنية أو ثقافية لذا أنا ضد ذلك لأني أرى أن هذه الممارسة قمع لحرية التعبير وهي أم الحريات ولا يعني ذلك أن حرية المثقف والفنان لابد أن تتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بالثوابت الدينية أوالوطنية أو النيل من الأشخاص.
وأوضح أن المعيار الذي ينبغي أن يحتكم إليه هو قانون المطبوعات والقضاء العادل، وليس أي جهة أخرى شرعية أو غير شرعية، لأن الرقابة تقتل الإبداع وتخنق الابتكار وتصيب المبدع بالخوف، مؤكدا أن الرقابة على مدى 50 سنة كان ضررها أكبر من نفعها لأنها تتجسد في موظف يفرض رأيه في قضية تتحمل وجهات نظر مختلفة خاصة في النصوص الدينية التي تتحمل التأويل.
وقال الأنصاري: إن الحديث عن المصادرة يذكرني بمقولة الإمام محمد عبده “إذا صدر من قائلٍ رأيٌ يحتمل من الكفر 99 وجها ويحتمل من الإيمان وجها واحدا وجب حمله على ذلك الوجه”.
وأَضاف: إن الرقابة تعني المصادرة، والمصادرة تخلق رواجا للعمل وبالتالي يصير مطلوبا ويكسب من وراء ذلك مؤلفه الكثير ويصير مشهورا بعد ذلك.
وتابع: هناك بعض الإسلاميين المنصفين الذين اعتبروا أعمال نجيب محفوظ أعمالا فنية تحقق أهدافا نبيلة وإنسانية ومنها رواية “أولاد حارتنا” وهي رواية رمزية، مستنكرا الطعن عليها، باسم أنها تهاجم الدين، معللا بأن الطعن يكون بالتصريح وليس بالرمزية والشك؛ لذا فهو ضد مصادرة الرواية أو أي عمل فني وأدبي بشكل عام.
ولفت الأنصاري إلى أن أهل الاختصاص من أهل الفن والأدب لهم مناط الحكم وليس رجال الدين، مؤكدا أنه يجوز أن نفتح مجالا للشك في عقيدة إنسان لمجرد رواية، مشيرا إلى أن الأصل في الإسلام هو إحسان الظن بالمسلم، مشددا على أن إخراج الناس من دائرة الإيمان ليس بالأمر السهل.
وعن حملات الأزهر التي أدت إلى مصادرة بعض الأعمال الأدبية وعلى رأسها كتاب “في الشعر الجاهلي” لطه حسين، قال الأنصاري: لا أتفق مع رأي الأزهر في مصادرة كتاب الدكتور طه حسين، ويكفي أن النائب العام الذي درس الكتاب بعناية برأ طه حسين مما تم اتهامه به، داعيا إلى أن يكون للقضاء في مرحلته الأخيرة الكلمة الفاصلة بين الأديب والطاعنين عليه، قائلا: نحترم حكم القضاء النهائي البات الذي مر بجميع المراحل القضائية بغض النظر عن وجهات نظرنا وليس لنا التدخل في حكم القضاء سواء كان لنا أو علينا.

” الراية “

أخبار ذات صله