fbpx
في معاني مليونيه الحراك السلمي بقلم/ علي صالح محمد
شارك الخبر
في معاني مليونيه  الحراك السلمي بقلم/ علي صالح محمد
قبل عده أعوام كنت قد كتبت مقالا بعنوان (البؤساء ….. الغام موقوته )ونشر في صحيفه ( الايام ) الغراء بتاريخ ٧-٦-٢٠٠٧  وقصدت بالبؤساء طابور المتقاعدين العسكريين والمدنيين  الجنوبيين الذين تعرضوا للتهميش والإقصاء  ، يضاف  اليهم الطابور الكبير من الشباب القادم الى سوق البطالة  ليصبحوا جميعا بسبب سياسات النظام الفاسد الغاما موقوته  ، لم اكن  يومها اتنباء بما سيحدث ، بل كنت بتواضع أقراء منطقيا  النتائج المترتبة على سياسات النظام وما ستؤدي اليه ، وذلك (ببساطه  .. لان الجوع مصدرا للبؤس ، والبؤس  مقدمه عظيمه للغضب ، والغضب عنوانا للرفض والانتفاض .. وان شئت …… الثورات) وبهذه العباره اختتمت  المقالة المذكورة . 
بعد شهر تقريبا وفي ٧-٧-٢٠٠٧ شهدت ساحه العروض بخور مكسر ( ساحه الحريه اليوم )اول مسيره احتجاجية سلميه ضمت الالاف من العسكريين  والأمنيين الذين كانوا ينتمون لجيش وآمن جمهوريه اليمن الديمقراطية الشعبية وأصبحوا منذ عام ١٩٩٤   مقعدين اجباريا في بيوتهم كضحايا للحرب الغادره ، وبذلك تم تدشين الحراك الجنوبي السلمي الذي أعلنه المتقاعدين العسكريين يومها  ، كانوا  في النظام حينها  يصفون ما يجري ( بكونه زوبعة في فنجان )( بسبب فقدان بعض من يحنون الى الى الماضي  بعض من الحقوق)   ، ورغم هذا التسطيح والاستخفاف الذي كان يظهر في الخطاب السياسي والإعلامي للنظام  كتعبير عن مشاعر الغطرسه والكبرياء القادمة من ثقافه الزهو والغرور التي حققتها رماح  العسكره والقبيلة بعد ما اسموه (  أعاده الفرع الى الأصل)  بالقوه ، الا ان مراكز القوى المسيطرة على الثروة والسلطة كانوا يدركون في قراره انفسهم  خطوره  واهميه ما يجري في الجنوب ، بدليل أنها لم تتحمل سماع كلمتين ( التسامح …. والتصالح )  الذي اعلن كمبداء خرج به المجتمعين ي في عام ٢٠٠٦ في جمعيه ردفان  وادى الى اغلاقها في اليوم التالي ، .. لانها  اي هذه القوى تعي جيدا ما يعنيه هذا المبداء حين يتحقق على الواقع  ، لهذا عمدت الى ممارسه كل انواع القمع والعنف وإلاعتقالات والتشويه والاختراق والترهيب والترغيب واسكات منابر التعبير واقلامها كما حصل  لصحيفه( الايام ) الممنوعه حتى اليوم ، باعتبارها صوت الحراك والمعبر عن القضيه الجنوبية ،  وبنتيجه هذه السياسات والاجراءأت  القمعيه استشهد وجرح  المئات والآلاف من أبناء الجنوب ، ليستمر الاعتقاد بان الحل الأمني والعسكري كفيل بوأد الحراك وإسكاته، وهوالاعتقاد الذي لم يزل مستمرا تجاه الجنوب  حتى اليوم  ،رغم ما حصل من تغيير طفيف بعد  انفجار   ، ( اللغم الثاني ) .للبؤساء  حين ثار الشباب الحالمين بالتغيير وبدوله النظام والقانون والعدل التي يمكنها ان تحقق لهم أحلامهم المشروعة ،( ومن زوبعه في الفنجان)  بداءت في عدن في عام٢٠٠٧  الى (ثوره على الطغيان  ) في صنعاء وكل مناطق الشمال في عام ٢٠١١ ، كارتداد طبيعي للثوره الجنوبيه وحراكها السلمي وصموده وتضحياته التي كسرت حاجز الخوف ، والكل يدرك   ما  وصل اليه الحال ونتائج ما حصل في صنعاء بسبب  استماته  القوى التقليديه المتنفذة في الحفاظ على مصالحها ومواقعها  بمساعده  إقليميه ودوليه  .     
 
وهنا اود الحديث  عن تلك اللوحة المدهشة المتتالية التي ظل يرسمها  الحراك السلمي وقواه الخيره بصبره وصموده وإرادته ليصبح حراكا مليونيا شهدته مناطق الجنوب وعاصمتها عدن ، التي شهدت في ١٧ و١٨ مارس المليونيه الخامسة بعنوان ( القرار قرارنا ) ، في ساحه الحريه  بخور مكسر  وهي نفس  الساحه  التي  شهدت اول مسيره للحراك السلمي ضمت المئات والآلاف من المتقاعدين العسكريين والأمنيين قبل سته اعوام  ،  المليونيه الخامسه اشترك فيها   النساء والرجال والمسنين  وحتى الأطفال  ، اما الشباب الرائع (اللغم الأعظم) فقد كان  حضورهم طاغ  ومشرف  ، وازاء هذا الحشد  اعترف أنني عاجز عن التعبيرالمناسب لوصف المشاعر التي تكونت  وأنا انظر لهذه اللوحة الجنوبية المميزة ،  ولهذا الحضور الذي رسم هذه اللوحة  الانسانيه البديعه وتشكل من كل مناطق الجنوب ،   الذين قطعوا  مئات الأميال   وتحملوا عنا السفر والمنع  المتعمد  في مداخل عدن بمواكب وبحضور لم يشهده الجنوب في تاريخه على الإطلاق ،  ولا شك في ان ذلك يحمل الكثير من المعاني والدلالات الكثيره والمتنوعه ، اتناول هنا  بعض منها باختصار: 
 
 –  ان المعاناه عبر المراحل المختلفه  هي اساس وحده واصطفاف  هذه الجموع ،ومن صلبها نشاء الحراك السلمي  كحامل  سياسي للقضيه الجنوبيه ،وتجاوز بذلك الحاجه الى بقاء الاشكال والمكونات الحزبيه على اختلافها التي عجزت  ان تكون حاملا سياسيا حقيقيا للقضيه   ، لان مقتضيات ومهام المرحلة فرضت واقعا وشروطا جديده تستدعي انصهار الجميع وكل القوى التي عانت منذ عام ١٩٦٧ في بوتقه الحامل الجديد على قاعده ( التصالح والتسامح والاعتراف بالاخر والتنوع والتعايش  ) ليتشكل  واقعا وثقافه تؤسسا   لمرحله ما بعد تحقيق الهدف  ، في اطار المراجعه و الاستفادة  من تجربه الماضي.
– ان  الحلول الامنية والعسكرية وكافه  اشكال القمع التي  مورست ضد قوى الحراك السلمي الجنوبي  قد ادت الى نتائج عكسيه الامر الذي مكن  الحراك وساعد  على  ان يتصلب عوده وتتسع جماهيريته خصوصا بين الشباب ، لتتصلب  مقاومته وارادته وصبره  وصموده بعد ان كسر حاجز الخوف ، لتصبح الدماء التي سالت في كل مره  هي الوقود الذي تغذى  روح الصمود ومواجهة  كافه  صنوف القمع ، والاصرارعلى بلوغ الهدف  وتحمل المشاق  وتنامي  مشاعر الحماسه   والاستعداد للتضحيه والبذل الذاتي  ، و تعميق مشاعر الموده والاحترام والتضامن بين هذه الجموع.
-استطاعت هذه المليونيه وما سبقها ان تؤكد  حقيقه النهج السلمي للحراك اذ لم تسجل حادثه واحده  بل اكدت واثبتت  ان كافه الحوادث المتسمه بممارسه العنف مصدرها الاجهزه الامنيه والعسكريه  والقائمين عليها، واخرها مجزره ٢١ فبراير ٢٠١٣ ، وبهذا تكون قوى الحراك قد اسقطت بالملموس كل دعاوى النظام وكافه الاوصاف التي دأب على نعت الحراك السلمي بها بدأ من ( الخارجين عن القانون) مرورا ( بالحراك القاعدي ) واخيرا ( بالحراك المسلح الايراني ) بهدف التشويه وخلق المبررات لممارسه  القمع  وارهاب الدوله ، وحجه جبل على مارستها للمزيد من التكسب والابتزاز لدول الاقليم والعالم . 
-ولعل اهم صور النجاح الذي عبرت عنها هذه المليونيه وما سبقها هي تلك الطوعيه والاستجابه  الفريده للمشاركين وتحملهم للمشاق باراده عاليه واصرار عظيم   بلا مقابل ينتظروه من احد   مما يعكس الايمان الصادق لهذه الجموع بعداله قضيتهم ،وبالمقابل تبرز صور التضامن وروح الاستقبال ومظاهر الضيافه الطوعيه كل حسب قدرته التي عبر عنها سكان عدن تجاه اخوتهم القادمين من كل مناطق الجنوب الامر الذي يعكس مدى التلاحم الحقيقي بين الناس كبشر تعرضوا معا للاذى ويحلمون باستعاده وطنهم الجميل الذي سلب منهم في لحظه غدر وخيانه ، كما تعكس ثقافه التعايش واحترام الاخر وروح التسامح والتصالح التي يتمتع بها الجنوبيين، رغم تنوعهم الجغرافي  السياسي والقبلي  وهو ما يشكل احدى مصادر قوتهم من اجل  انتصار قضيتهم المرهون بوحده قوى نضالهم  ،بعد  ان علمتهم التجربه ان الهزيمه مرهون استمرارها  باستمرار الفرقه بين هذه القوى.  
 
-اما الشيء الاكثر مدعاه للاعجاب هو ذلك الحضور الجميل للاطفال  وحماستهم التي اظهروها  في المشاركه  وكنت قد سجلت بالصدفه حديثا مصورا لفتى وفتاه لا تتجاوز اعمارهما العشر سنوات ، في البدء كان الحديث للطفله التي لم اتمكن  وللاسف من تسجيل اسمها حيث طلبت مني تصويرها وتسجيل حديثها وهنا انقل بعض من هذا الحديث المرتجل ( نحن نحلم بان يطلع العلم الجنوبي فوق  ،نحن نريد هذا العلم يطلع من جديد ،اي يوم سيطلع واكيد  سيبرد قلبي من الفرح ، من الصباح واني  هنا في الساحه  لم ادخل البيت حتى اني ما اتقرعتش  واني بلا نوم حتى الان،  الجنوب شحب من الصياح ،نريد ان نرفع صوتنا ليسمعونا لانهم   دمروا  بلادنا  ، وقتلوا  امهاتناواخواننا  واباءنا وكلهم في قلوبنا )
 
والمدلول العميق  لحديث هذه الطفله   هو ان القضيه الجنوبيه قد وصلت الى عقولهم وهذا له معانيه ودلالاته  في  عمليه استمرار نضال الجميع لبلوغ هدفهم وتحقيق احلامهم المشروعه . 
 
– المؤكد ان مثل هذا الحضور المليوني وبمثل هذه الروح والسمات  هو ما سيفرض  التغيير ويفرض معادله جديده تتفق وخيارات الشعب الجنوبي   ، وحقه في تقرير مصيره لتصبح القضيه الجنوبيه فعلا المفتاح الاساس لحل مشاكل اليمن برمته ، وبديهي ان  الوصول الى الاهداف المرجوه  ليس مفروشا بالورود بل قد يتطلب تضحيات جسيمه، لان ذلك  ياتي في اطار الصراع من اجل الوجود والمصالح الماديه التي لا يمكن للاطراف المستفيده التنازل  عنها بسهوله  ،كما   يتطلب المزيد من التنظيم والترشيد والتوعيه وتطويرواستخدام القدرات  المعرفيه والعلميه، وتنويع اشكال النضال السلميه ومن ذلك العصيان المدني الذي يجب ان يخدم القضيه ولا يتحول الى ضدا لها ،  لان اهم شروطه الاستجابه  الطوعيه الواعيه للناس لتحقيق هدف نجاحه بلا اكراه او تعطيل لحاجاتهم ومقتضياتهم اليوميه .
وختاما يقول الشاعر اللكبير شائف الخالدي في عام ١٩٩٤:  
-اياك ياشعب الجنوب ان ترتبش 
شفها مراحل مثلما عابر سبيل 
،ما حد بها دايم على حيله وغش
لول رحل واخر مراعي للرحيل
 
كما قال في عام  ١٩٩٨
ضاعت تقارين الوعول المرجبه 
والشعب ضائع كما ضاعت حنيش
واقروا على شعب الجنوب الفاتحه 
لو ما حزمها عبدربه والقفيش
عدن ٢٠-٣-٢٠١٣

 

أخبار ذات صله