fbpx
لا حلول الا بإنهاء الثأر السياسي في اليمن بقلم / علي صالح محمد
شارك الخبر

تنويه :

 

(( كتبت هذه المقالة في 11-5—2009  وكنت قد وعدت القراء في مقالي الأخير ( في موضوع الحوار )  بإعادة نشر الموضوع لأهميته في أطار الحديث اليوم عن الحوار الوطني في صنعاء ، وأيضا من اجل المقارنة بما جرى  خلال الأربعة الأعوام في صنعاء،وما يجري حتى اليوم في الجنوب .))

علي صالح محمد

من السهولة  للمتابع  للشأن السياسي اليمني ان يستنتج بوضوح بالغ بان نظام الحكم في اليمن بداء مرحلة الحصاد المر لكل ما زرعه في الواقع  جراء انتهاج خيارات الحروب الدامية   كحرب عام 1994 ضد الجنوب و حروب صعده واستخدام العنف والقوة المفرطة لقمع  الحراك السلمي  الجنوبي ،  ولعل الاجراءآت الأخيرة في نشر القوات المسلحة في مناطق ردفان والضالع واستخدام الأسلحة الثقيلة ضد المواطنين العزل ، و تشكيل هيئات غير نظامية مدعومة للدفاع عن ما سميت بالثوابت الوطنية ، والتعبئة والتحريض  ، واجراءآت المصادرة  غير القانونية لحق التعبير كما حصل مع  صحيفة الأيام وهي الصحيفة  المستقلة  الاوسع انتشارا والأولى تداولا وشعبية ومهنيه وقراء وحضور ومعها عدد من الصحف المستقلة ، بما في ذلك محاولة الحصار والاقتحام العسكري المسلح لمقر الصحيفة وسكن الناشرين بهدف اعتقال رئيس تحريرها وآخرين   وما نتج عنها من مقتل مواطن وإصابة ثلاثة أحرين،  مع ما  مثله ذلك من إرهاب وإقلاق لسكينة  الطلاب والسكان الآمنين في المنطقة، وممارسة  التضليل بتوظيف ما يسمى  بالثوابت الوطنية والحديث عنها بديماغوجية عالية وهستيريا غير مسبوقة وكأنها مقدسات ربانية   مع انها مشاريع إنسانية تقوم على التراضي والتوافق وقابلة للاختلاف حين لا تستجيب لمصالح الجميع و توظف لصالح قلة في المجتمع، وتصاعد الحملة الإعلامية الشرسة ضد الحراك  السلمي الجنوبي حد نعته بالإرهابي وعلاقته بتنظيم القاعدة  لتبرير العنف  والقمع  المتبع،    كل ذلك يؤكد عجز النظام وفشله في إيجاد الحلول الوطنية للمشاكل التي أنتجها الفساد وسياساته الخاطئة ، وتؤكد ان النظام  قد نفذ صبره  وضاق صدره  بالشعارات التي كان يتبناها كالديمقراطية والتعددية ليظهر حقيقة الطابع القمعي للنظام ، الأمر الذي يضعف كثيرا من مصداقيتة  وصورته الخارجية التي لطالما سعى الى  تجميلها بزعمه تبني هذه الخيارات  ، ويوسع من الهوة ومساحة عدم الثقة بينه وبين الناس في الداخل لممارسته التطرف والعنف والإرهاب بعيدا عن الحكمة والحوار وعدم القدرة على تحمل استحقاقات الديمقراطية  ومتطلباتها في احترام الأخر والاعتراف به ، ليبرز  المأزق الكبير الذي أدت اليه  سياسات وخيارات العنف ، بل انه بقدر ما يرتكب النظام  من أخطاء يكون قد منح الآخرين من حيث لا يدري الشرعية اللازمة لانتهاج الخيارات المناسبة السلمية  او المسلحة لمقاومة الواقع الذي أنتجته سياسات وخيارات الحروب ، كحق يلجا اليه الناس في الدفاع عن وجودهم ومصالحهم عند الضرورة  كما حصل في مناطق صعده وما يحصل الان في الجنوب.

 

وبالنظر الى الوحدة موضوع الصراع فهناك في الواقع نظرتين متباينتين منها الوحدة التي يتحدث عنها النظام ويستخدمها كوسيلة للسيطرة والاستحواذ  وسيف لقمع الآخرين  ،  و يقصد بها  وحدة الفيد  والضم والإلحاق والمصالح التي تحققت بنتيجة حرب 1994  لتستفيد  منها بعض القوى التقليديه المتنفذه  من واقع   (منتصر ومستفيد)،  وطبيعي ان تستميت هذه القوى في الدفاع عن رؤيتها بكل السبل والوسائل بما فيها غير الشرعية  ، لان ذلك يعني الدفاع عن المصالح والمنافع المادية التي تحققت  لها جراء الحروب.

 

وهناك الوحدة الوطنية الحقيقة التي كان يمثلها قوى التحديث عبرالمشروع الوحدوي الكبير الذي تحقق في 1990سلميا   و تم تدميره بقوة السلاح في حرب 1994 لينتج عن ذلك إلغاء الشراكة الوطنية والإقصاء والتهميش والإلحاق  والمصادرة والسيطرة الإدارية والعسكرية والاقتصادية  على مناطق الجنوب ونشاء بنتيجتها في الجانب الأخر واقع (مهزوم وخاسر) ، وبالتالي فشل مشروع الوحدة الوطني الكبير بين الشمال والجنوب ، وبهذا  استطاع النظام وعلى قاعدة  الثأر والانتقام ان يعمق من الثأر السياسي ليستمر كأهم  مشكل يعاني منه اليمن منذ 1962 وحتى اليوم  ،تشكل عبر السنين  في اطار الصراع بين القوى التقليديه  المختلفة في الشمال او الجنوب او بين الشمال والجنوب ، وهو اليوم في ذروة تعبيراته لان حرب 1994 وحروب صعده وقمع الحراك السلمي الجنوبي، أعادت إنتاجه بقوة  بين جميع القوى المتصارعة في الشمال والجنوب و بين الشمال والجنوب لتعود الأوضاع الى مربع  ما قبل عام 1990 في اسواء صورها بين (منتصر ومهزوم ، ومستفيد وخاسر ) ليس في كل شطر بل على مستوى اليمن هذه المرة ، مع ان مشروع الوحدة الوطني الكبير في عام 1990 كاد  ان يوفر الفرصة التاريخية المثلى و الظروف الملائمة لإنهاء هذا الثأر  وكل أسباب الصراعات ، ولعل واحدة من أسباب فشل مشروع  22مايو1990 انه لم توفر له الأرضية المناسبة  لنجاحه مسبقا عبر  عمليات مصالحه( شماليه – شماليه )، و(جنوبيه- جنوبيه ) ،و (شماليه- جنوبية )تنهي  أسباب الصراعات   ومنها الثأر السياسي بين كافة القوى المتصارعة في عموم  اليمن، باعتبار هذا الثأر مصدر كل المشاكل وكل الصراعات وكل مظاهر التخلف وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي واستنزاف وتدمير الموارد المادية والبشرية خلال العقود الخمسة الاخيرة .

اما وقد انتصر الخيار المعتمد على القوة في 7-7-1994 ليتجدد في حروب صعدة ويستمر ضد الحراك السلمي الجنوبي  فمن الواضح ان على  قوى النظام  المستفيدة من هذا الوضع والتي اختارت ولازالت  خيار الحروب والعنف  ،ان تستعد لحصد نتائج هذا النهج والتي بدأت تبرز في مناطق صعده ومناطق الجنوب ، والمسالة هنا  ليست محكومة بالرغبات بل محكومة بقانونية ان لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه ، وان القوى المستضعفة في إطار تبادل الأدوار تتحول الى مشروع قوة قادم  ، وطالما الثأر السياسي وأسباب الصراعات  باقية فستظل كل الأبواب وكل الاحتمالات مفتوحة لاستمرار الصراع والانتقام ، وبالتحديد بين القوى في الشمال وبين الشمال والجنوب ، اما  المناطق الجنوبية التي تشهد استمرار حرب وحالة طوارئ غير معلنه و مواجهة عسكرية لخيار الناس السلمي ،فقد أدرك الناس فيها مرارة الحال وحجم المعاناة  الناجمتين عن الصراعات والحروب ، ليجدوا في المصالحة من خلال  التسامح   والتصالح بين الجنوبيين على اختلافهم المدخل الطبيعي لوحدتهم  ومن ثم استعادة  الحقوق المهدورة والحق المغتصب وخروجهم من واقع (الهزيمة والخسارة)،وهو المشروع السياسي  للحراك الذي  فاجئ وأربك  النظام ، وتقدم على مشاريع المعارضة باستيعابه لمداخل الأزمة لتصبح القضية الجنوبية في مضمونها  ونهج التسامح والتصالح المدخل الحقيقي لتصحيح كامل الوضع في اليمن ، ولهذا لا يستغرب ذعر وتطرف السلطة ولجوؤها الى خيارات العنف والقمع وعسكرة الحياة ومصادرة الحريات  وإسكات منابر التعبير بالقوة ، لانها في الأصل  لا تملك خيارات وحلولا  وطنية سلمية بديلة ،  بخاصة وهي  من تسبب في إنتاج و توسيع وتعميق واستمرار  الثأر السياسي   في عموم اليمن ، وبكون  استمرار بقاءها مرتبط باستمرار شتات وتمزق القوى الأخرى .

ومن هذه الحلول التوجه الوطني الجاد لمعالجة الثأر السياسي الذي أنتجته الحروب في الشمال وفي الجنوب وبين الشمال والجنوب من خلال المصالحة الوطنية والتسامح والتصالح لإنهاء الثأر السياسي ومسببات الصراع في اليمن  وإعادة تسمية الأمور بمجملها على ضؤ نتائج المصالحات وما ينبثق عنها من رؤى وخيارات لإشكال الحكم الملائمة والصالحة لليمن بجنوبه وشماله وبما يضمن حقوق الجميع وفقا لمتطلبات وخصوصيات التطور والتنوع في جميع المناطق   ، والمؤكد انه بدون إنهاء الثأر السياسي في اليمن فان اليمن لن يشهد استقرارا حقيقيا ولا تنمية منشودة  ولا تطورا ولا حلا لمشاكله المتعددة المستديمة والمتراكمة منذ عقود  ، لان لعنة الدم  ستظل  تلقي بظلالها  على كل شيء،وروح الانتقام والثأر ستظل جذوتهما مشتعلة و  مغروسة في الواقع والنفوس وكلاهما يغذي ويتحكم  بكل الصراعات التي لم تنتهي أسبابها من الواقع بعد، فكل حرب انما تؤسس لحرب لاحقه في العادة ، وسيكون التشظي والانقسام  والتمزق هو عنوان المرحلة القادم كنتاج طبيعي للفساد المستشري في منظومة الحكم و لسياسات الحروب والعنف المتبعة من قبل النظام  .         عدن 11-5-2009

أخبار ذات صله