fbpx
أوجو تشافيز . . . بصمات تاريخية لا تمحوها الأزمنة

غادر عالمنا الاسبوع الماضي القائد الفانزويلي اليساري الأشهر أوجو تشافيز، الذي عرفه الناس بانحيازه إلى الفقراء واهتمامه بحياتهم، ومحاولته إقامة نظام عادل تتقلص فيه مساحة الظلم والفقر والتمييز ويتساوى فيه الناس في الحقوق والواجبات، مثلما عرف بعدائه السافر للسياسات الأمريكية غير العادلة مع الشعوب ومع أنصار الحرية والعدل والكرامة الانسانية.

تشافيز حاول الوصول إلى الحكم عام 1992م عن طريق انقلاب عسكري فاشل عندما كان ضابطا في الجيش الفانزويلي، حكم عليه بعده بالسجن لعدة سنوات، لكنه وبعد قضاء سنتين من الحكم وحصوله على عفو عن الجزء الباقي من الحكم عاد إلى الحياة السياسية مناضلا ميدانيا ليقود الفقراء في معركة سياسية أوصلته إلى الحكم ولكن هذه المرة عن طرق الانتخابات الديمقراطية.

منذ تسلمه مقاليد الحكم في العام 1999م في واحدة من البلدان المصدرة للنفط، والتي كانت تمتلئ بالفقراء والمتسولين والمهاجرين من أبنائها إلى البلدان الأخرى بحثا عن معيشة أكرم، غير  تشافيز في السياسات الاقتصادية والاجتماعية لبلاده حيث سخر الجزء الأكبر من موارد بلاده لصالح الطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا، عن طريق الكثير من السياسات أهمها: توسيع شبكة الرعاية الاجتماعية، ومحاربة الفقر، وتحسين الخدمات الطبية والتعليمية وإقامة بنية تحتية تخدم الفقراء من مساكن شعبية وكهربا وطرق وشبكة مياه وصرف صحي وغيرها من الخدمات التي وإن لم تحقق كل غاياتها إلا إنها أغضبت الكثيرين من أصحاب المصالح الرأسمالية وراحوا يؤلبون عليه بعض المتضررين من سياساته ويقودون حملة فعاليات احتجاجية تستهدف إسقاط تشافيز، لا بل وصل الأمر إلى القيام بانقلاب عسكري ضد تشافيز في العام 2002م متحججين بالقمع ومصادرة الحريات، لكن انصار تشافيز لم يقبلوا بنتائج هذا الانقلاب، بل راحوا يخوضون فعاليات احتجاجية رافضة للانقلاب في عموم المدن الفانزويلية حتى أفشلوا الانقلاب وأعادوا تشافيز إلى الحكم بعد يومين فقط من إقصائه عنه، وهو الأمر الذي لم يخرس أصوات المعارضين، إذ استمر هؤلاء في مسيرات وفعاليات احتجاجية كانت تتذرع تارة بعدم شرعية الرئيس تشافيز وأخرى بمقاومة الاستبداد، مما جعل تشافيز يقبل بإجراء استفتاء على مشروعيته من عدمها، جرى ذلك في العام 2004 وكانت النتيجة من أغرب النتائج إذ حصل في الاستفتاء على 63% وهو رقم أعلى مما حصل عليه في الانتخابات، مما عزز مكانة تشافيز وسط جماهير شعبه وضاعف من قدرته على قيادة بلاده بتفوق نادر التكرار.

مثلت السياسة الخارجية للحكم في عهد تشافيز حالة متميزة وبالذات في الموقف من القضايا العربية، وقضيتها المركزية ـ القضية الفلسطينية ـ فأوجو تشافيز كان دائم النصرة للقضية الفلسطينية، وفي حرب إسرائل على غزة في العام 2008م قام تشافيز بطرد السفير الإسرائلي لدى بلاده، واستقبل الكثير من الوفود الفلسطينية والعربية المشيدة بهذا الموقف.

في كل المؤتمرات التي حضرها كاتب هذه السطور للاتحاد البرلماني الدولي، كان وفد البرمان الفانزويلي من أوائل من يثيرون قضية الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية وتعرية سياسة الاستيطان الصهيونية وملاحقة واعتقال عشرات البرلمانيين الفلسطينيين، وكان الوفد الفانزويلي دائم الدعوة لدعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وفي الغالب لم تكن الوفود العربية تتناول القضية الفلسطينية إلا بعد حديث الوفد الفانزويلي.

ربما يؤخذ على تشافيز وحكومته موقفهما من ثورات الربيع العربي وبالذات في ليبيا وسوريا، حيث ظلت السلطات الفانزويلية تعتبر الثورتين من صناعة أمريكا ومؤامرة ضد نظامين  “تقدميين” معاديين لـ”لإمبريالية” دون الالتفات إلى ما تعانيه الشعوب العربية من قمع وحرمان وكبت على أيدي الحكام (تقدمييهم ورجعييهم) وفي هذا يمكن أن تدخل الكثر من الاعتبارات منها طريقة تسويق هذه الأنظمة الديكتارتورية لنفسها على إنها حارسة الحريات والأمينة على حقوق الإنسان والمعادية للإمبريالية بينما هي تمارس عكس ما تعلنه في علاقتها بشعوبها، وفي الغالب فإن زعيم مثل هوجو تشافيز الذي وصل إلى كرسي الحكم عن طريق انتخابات حرة وديمقراطية تنافسية لا يمكن مقارنته مع طغاة لم يقدموا لشعوبهم إلا الخراب والدمار والفساد، والتبعية للخارج.

من بين ما تميزت به الاشتراكية البوليفارية في أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها التجربة الفانزويلية بزعامة أوجو تشافيز ربط السياسة القائمة على العدالة الاجتماعية  بالممارسة الديمقراطية المقترنة بالتنافس الحزبي والانتخابات الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير والتفكير والملكية، مع محاربة الفساد وتحريم الإثراء غير المشروع على حساب المال العام وتجريم استغلال الانسان للانسان.

سيظل أوجو تشافيز علامة مميزة في تاريخ أمريكا اللاتينية، وستظل بصماته قائمة يتذكرها الذين انتقلوا في ظل حكمه من خانة العبودية إلى خانة السيادة ومن قائمة الفقراء إلى قائمة المنتفعين من ثروات الشعب الفانزويلي والذين شكلوا دائما رصيده الاحتياطي الذي تصدى لكل أعدائه وأفشل محاولاتهم الإطاحة به حتى يتسنى لهم العودة إلى الاستيلاء على ثروات الشعب الفانزويلي، ويمكن لتجربة هوجو تشافيز أن تقدم نموذجا رائعا لعلاقة القائد الناجح بشعبه، حيث ظل هذا الزعيم الجماهيري على التحام بأبناء شعبه يلتقي بهم ويستمع إليهم ويستمعون إليه، وقد كان يطل كل أسبوع على شاشة التلفاز ليتحدث إلى الجماهير ويجري معهم اتصالات مباشرة ويستمع إلى انتقاداتهم ويأخذ بالكثير منها عند إعادة رسم السياسات المختلفة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل سينجح رفاق تشافيز في مواصلة السير على خطاه وتجنب ما وقع فيه من أخطاء مع الحفاظ على الطابع الديمقراطي الملازم للتحولات الاجتماعية التي اتخذها تشافيز نهجا له منذ وصوله إلى السلطة ؟ ذلك ما ستبينه الأيام والأشهر القليلة القادمة من مسيرة الحياة السياسية في فانزويلا بعد أن غاب عن مسرحها السياسي الزعيم الاستثنائي أوجو تشافيز، وإن كان من المؤكد أنه سيبقى لفترة زمنية طويلة في حاضرا في قلوب ومشاعر الملايين من الفانزويليين.

برقيات:

*    يعاني الراغبون الجدد في السفر من اليمن من تذرع العاملين في الجوازات بعدم وجود جوازات سفر جديدة، لكن ما يتردد هو أن بعض القائمين على الجوازات يطلبون من كل طالب جواز خمسمائة دولار نظير الحصول على جواز، رسالة موجهة إلى وزير الداخلية ومدير عام دائرة  الهجرة والجوازات والجنسية، عسى أن يؤكدوا صدق هذه الإشاعة من كذبها.

*    سأل أحد الصحفيين رئيس الوزراء الياباني عن سر التقدم التكنولوجي الذي حققته اليابان فرد قائلا: لقد أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة برلماني وقداسة الامبراطور.

*    يقول الشاعر العربي الأديب الغزي:

حبل المنى مثل حبل الشمس متصلا       يرى وإن كان عند اللمس مبتوتا