fbpx
مكونات إفساد الفرحة

يدرك ثوار الجنوب الذين احتشدوا في مليونية رائعة في ساحة الحرية بالعاصمة عدن على مدى ثلاثة أيام 26-28 يناير الجاري، أنهم لم يفعلوا ذلك تلبية لدعوة تلقوها من أحد القيادات أو المكونات، على كثرة الأولى والأخيرة وقلة فاعليتهما.
أولئك الثوار توافدوا من كل حدب وصوب على نفقتهم الخاصة، وليس كما قالها احد الأكاديميين الجنوبيين، مساء أمس (الأحد) وسط الساحة وهو غاضباً في وجهينا (عبد الكريم قاسم و أنا)، إن هذه المليونية وغيرها هي استجابة لدعوة الرئيس “الشرعي” علي سالم البيض وهو الذي يموّلها من حر ماله.
ثوار الجنوب لم ينتظروا دعوة أو مالاً، تنادوا فيما بينهم ولبوا مسرعين، وحمل الكثير منهم طعامه معه، كما فعل ثوار “شبوة” الذين شاركتهم في الساحة أكل أقراص “المسيبلي” (الدخن)، المطبوخ بأيادي حرائر شبوة في منازلهن. وقد ذكر لي الناشط في الحراك الجنوبي “علي بن ناجي” أنهم في شبوة قاموا بحملة جمع تبرعات، واشتروا حبوب “المسيبلي” وقاموا بتوزيعها على البيوت حتى يتم طباخته، فتفاجأ برفض امرأة مسنة لما جلبوه لها من حبوب لتطبخها، وأخبرتهم بأنها ليس اقل منهم وفاءً ونضالاً، وعليهم أن يأتوا في الغد ليأخذوا أقراص “المسيبلي” جاهزة من عندها.
ثوار الجنوب يُتهمون بالحصول على أموال إيرانية وغيرها، بينما هم يقتسمون المعاناة ويتضورون جوعاً ويحتسون الألم من أجل قضيتهم ووطنهم، وإن كان هناك من يستثمر تضحياتهم ويستغلها للاتجار بها فذلك شأن آخر!.
تلك اتهامات تأتي من قوى معادية للثورة الجنوبية، وفعل كهذا تتعرض له كل الثورات والحركات التحررية في شتى بقاع الأرض، وهي أمور لن تنال من عزيمة الثوار أينما وجدوا، بل ستزيدهم إصرارا وثباتاً على المضي قدماً نحو تحقيق الأهداف التي يناضلوا من أجلها، ومن هؤلاء قطعاً ثوار الجنوب.
يقيني أن الخطر على الثورة الجنوبية ينبع من داخلها، وهو ما بتنا نلحظه في سلوكيات البعض الذي يعمد للتأسيس لثقافة الإقصاء التي انتفض الشارع ضدها، ويعرف سلبياتها وخطرها من قراءة بسيطة يقوم بها كل يوم للماضي الجنوبي المليء بسلوكيات كتلك أوصلت الجنوب إلى ما يعيشه اليوم.
ساحة الحرية بمليونياتها تمثل كل الطيف الجنوبي المؤمن بعدالة القضية وحق استعادة الدولة. هؤلاء لا يتبعون احداً، ولا يعرفون كثيراً عن المكونات بل ومنهم من لا يحفظ أسماءها، فلماذا إذن الإصرار على تجيير جهد هذه الجماهير الثائرة لمصلحة تيار معين فقط، وتغييب آخرين كانوا حاضرين بقوة، ولعمري هم الأغلبية، التي لا تنتمي لتلك المكونات التي لا تتجاوز عضويتها مؤسسيها فحسب؟.
من ابسط حقوق أولئك الثوار أن يخرج بيان سياسي عن الفعالية يُعبر عنهم، ويحمل أسمهم، لا أن يحولوا كـ”شقاة” لمصلحة هذا أو ذاك.
البيان الصادر عن المليونية جيّرها لمصلحة مكونات معينة فقط، هي التي يُراد لها أن تمثل الجنوب وتُعبر عن إرادته، لعمري أن هؤلاء قد وضعوا أنفسهم في خانة “سُرّاق الثورات”، لأن “الأنا” لديهم قد تضخمت وأوشكت على الانفجار.
البيان الصادر ذُيل بأسماء المكونات التالية فقط:(المجلس الأعلى للحراك السلمي للتحرير الجنوب- المجلس الوطني الأعلى للتحرير واستعادة دولة الجنوب- التجمع الديمقراطي (تاج)- مجلس التنسيق للنقابات العمالية والمهنية- الحركة الشبابية والطلابية لتحرير واستقلال الجنوب- اتحاد نساء الجنوب- اتحاد شباب الجنوب م / عدن- قطاع المرأة – الأكاديميين الجنوبيين- المركز العلمي لصيانة الثورة الجنوبية- ملتقى أبين للتصالح والتسامح و التضامن).
هل كل من حضر للساحة ينتمي إلى هذه المكونات فقط؟ إنه السخف بعينه، والاستخفاف بالآخر المشابه، وليس المختلف الذي ما زال مصيره مع هؤلاء في علم الغيب، وان كان الإقصاء اقل ما سيناله، وفق مؤشرات الواقع.
ثوار الجنوب أوصلوا رسالتهم، وعادوا إلى قراهم ومناطقهم مزهوين بما صنعوا، وفخورين بثورتهم، غير مكترثين بمكونات تبحث عن ذاتها وذات صاحبها. وعلى مكونات إفساد الفرحة إعادة النظر في طريقة تعاملها مع ذاتها المتضخمة، أما الجنوب فله شعب يعبر عنه ويحميه.

*(نقلاً عن صحيفة الشارع- عدد اليوم الثلاثاء الموافق 29 يناير 2013)