fbpx
يناير الجنوب .. حين تمتزج الحرية بثورة التسامح والأخلاق

يناير الجنوب .. حين تمتزج الحرية بثورة التسامح والأخلاق

كتب / أديب السيد

قد لا يعي العالم السياسي المختلط بكل أنواع وأساليب السياسة المتلونة ما معنى التصالح والتسامح حينما يكون منطلقاً لثورة شعبية جبارة ، وهذا لا يعني أن العالم الإنساني لا يعي ذلك ، فكم من سياسي لم يعد إنساناً ولا روحاً طيبة ولا شيئاً من النفس البشرية العظيمة وهذه مرحلة يصل إليها كل من تلخطت إياديه بالعداء للإنسانية بفعل السياسة الحقيرة والمصالح الذاتية التي يسلكها بعض السياسيين هنا وهناك. لكن ما يزال هناك عالم إنساني يعرف قيمة الإنسان وروحه وتكويناته البشرية ويتفهم ما معنى التصالح والتسامح وإحترام الإنسان كأساس لهذه البشرية والحياة .

ومن هنا يجب معرفة أن الثورة عندما تكون ثورة شعبية لها منطلق ثوري ومبادئ وطنية وأهداف ثورية فهي ثورة عظيمة ، لكن ان تكن هناك ثورة شعبية لها منطلق قيمي وذات دوافع روحية ثورية أخلاقية ومبداء وطني إجتماعي سياسي ثقافي شامل بالإظافة للأهداف الثورية فهي ثورة أعظم وأجمل وأشمل وأكثر رسوخاً وبلوغاً ورشداً عن غيرها من الثورات الشعبية الأخرى ، فهي الثورة الجنوبية التحررية التي أولها تصالح وتسامح ووسطها تلاحم وتآزر وآخرها نصر وتمكين ، هي الثورة الجنوبية إذاً.. والتي تنبع من مؤثرات داخلية للفرد الثائر قبل أن تكون نتيجة لمؤثرات خارجية تمسه .

كل ذلك ويكون أيضاً “التصالح والتسامح” هو المبداء العظيم لديننا الحنيف وأحد الدعائم المتينة التي رسى عليها الإسلام وحثت عليه الأديان السماوية الأخرى .

وهنا فقط يمكن للثورة الجنوبية أن تسمى ” ثورة تحررية شاملة ” لم يسبق ان شهد التأريخ مثيلاً لها بإعتمادها على إرساء دعائم السلام والمحبة والأخوة والتلاحم من خلال تحقق مبداء” التصالح والتسامح ” وتوحيد قلوب وأرواح الشعب الجنوبي لتحقيق غرض سياسي إجتماعي ثقافي وإصلاح مسار تأريخي ومرحلة ماضية كان الجنوب فيها أداة لصراع سياسي أدى إلى ضياع وغياب الجنوب وأبناءه في دهاليز ومتاهات أفخاخ السياسة الحقيرة لأطراف دولية مستعمرة بنت ذواتها على وقع معاناة شعب الجنوب وتدمير قيمه ودولته ومحاولة إلغاء وطمس هويته التأريخية الضاربة في أعماق التأريخ وإنهاء كيانه السياسي الدولي العريق .

إن الثورة الجنوبية الشاملة بجسدها العملاق المتمثل بالشعب الجنوبي الثائر والذي يجب أن ينير طريقه فكر يمتد بجذوره وينتفض ليبني مستقبل جنوبي يتآلف مع الإنسانية في خطواتها لبناء إنساني مشترك يتعايش فيه الكل مع الجميع ، ويعمل على إعادة ترتيب الفكر وترتيب التنظيمات وبلورة عمليات التطور والتقدم الذي يتسع ويسمح بإعادة قراءة التأريخ ورؤية الحاضر وبناء المستقبل بمنهجية دون قطيعة معرفية مع الأمس واليوم من أجل تواصل وتأصيل واستمرارية التمازج مع النسيج التركيبي الفسيولوجي الحي للفكر الجنوبي التقدمي الشامل وفي كل الإتجاهات المختلفة لكي ينال الجنوب حريته واستقلاله ويستطيع بناء دولته الجديدة بأسس وقوائم تتواكب مع العصر الراهن .

وإنطلاقاً من كون التصالح والتسامح هو الحاضن للجميع ومبداء يجب ترسيخه على مستوى الشعب والقيادة الجنوبية فهاهو الجنوب يشهد بعد يومين قادمين مليونية ضخمة تمتزج فيه الروح الثورية بالروح التسامحيه والجسد الجنوبي الواحد الذي لا يمكن إلا أن يكون كذلك تواقاً نحو الإنعتاق من نير الإستعمار اليمني الذي عبثت أياديه الآثمة بالجنوب الوطن والشعب منذ خروجه منذ إستقلاله الأول ليتم تطويعه عبر أساليب مختلفة كي يصل إلى مرحلة الخنوع والإستسلام لصنعاء ، لكن الشعب الجنوبي الحي الذي لا ينقطع نسله من حياة وكرامة وشموخ أبى ان يكون ذليلاً صاغراً ، وأشعل ثورته المباركة لينتصر فقط وليس ليساوم بحلول ناقصة وصغيرة عبر دهاليز السياسية الملتوية والغير موثوقة النتائج .

فشعب الجنوب يعرف ما يريد ، وقد إنتفض بثورته الجبارة لأنه يعرف ما يريد وما هي أهدافه ، وليس تقليداً لثورات إستبدل الدكتاتوريين بآخرين من الفاشيين والأكثر هتلريه .

إن الشعب الجنوبي وهو يحتفل بيوم عظيم كالتصالح والتسامح لا يعني إلا أنه يرسي قيماً فاضلة ويحيى مبداء إسلامي طالما أفلتته الشعوب والحكومات فتحولت إلى ركام وزكام للتأريخ وبات نكات سوداء في جبين التأريخ الإنساني حينما صنعت التخلف والجهالة والغلو وغرست الأحقاد والفتن والبلايا في أوساط الشعوب العربية والإسلامية والعالمية .

ومن هنا يمكننا ان نؤكد أن ما يشهده شعب الجنوب اليوم هو إصلاح شامل ومراجعة كاملة للأخطاء والإندفاعات التي أرغمت قيادة دولة الجنوب في غفلة على الوقوع فيها ، وها هو أول شعب في العالم يعلن وبشجاعة عن مراجعة أخطاء قياداته ويسامحهم أمام العلن ليبدأوا مرحلة جديدة من التأريخ المواكب للتطورات العالمية الحديثة بدء من الممارسات وما إليها وحولها من إحترام الأراء وحقوق الإنسان والحفاظ على كينونته من الضياع في دهاليز أسواق العابثين بالذمم والضمائر الإنسانية .

فليكن يوم التصالح والتسامح هو يوم عظيم يذكر كل جنوبي بما يجب ان يكون عليه في الحاضر والمستقبل بأخذ الدروس من الماضي البغيض ولا يجوز ان يكون يوماً لنبش رفاة ماضية من زمن بائد لا أعادة الله ولا أبقى بيننا في الجنوب من يسعى لإعادته أو تكرار ممارساته .

وبعيداً  عن المغردين خارج السرب بنفوس يائسة وغير واعية او مواكبة لمستوى التفاعل مع هذا الحدث العظيم والمتأثرين بموقف مفرد وشاذ من هنا او هناك ، أقول وكأنني أحسبني وأنا أرى تلك الحشود المليونية وهي تأوي بأرواحها لله وحدة رافعة رأية التسامح والتصالح والتسامي والمجد الخالد للروح البشرية السموحة والألفة الإنسانية والأخلاق الرفيعة ، وكأنني أرى فتحاً مبيناً وقريباً جداً.

وفي الختام أقول لكل أبناء الجنوب أن ثورتنا أخلاقية تبداء من التسامح والتصالح كما ثورة حرية ، وكرامة، لكن الحرية النابعة من داخل الذات ومن قيم أخلاقية أكثر قدراً وقيمة من الحرية النابعة من خارج الذات ، وها نحن نخوض ثورة شاملة ونجسدها كل عام أكثر بيوم التصالح والتسامح العظيم .

فليشهد العالم والتأريخ الحديث بأن جيلنا الشاب قد تأصلت فيه هذه القيمة ولا يمكن أن يكون جيلاً ناضجاً وماجداً بدونها ، ومنها نسامح قياداتنا ونترك لهم فرصاً تلو آخرى ليكون مثل جلنا الشاب وليعفي الله عما سلف ويعوض الله الجنوب وأهله وهو الله وحدة خير الشاهد والمعين وهو خير الناصرين .