fbpx
ورود على فوهات البنادق ( 6-6) الاخيرة
شارك الخبر
ورود على فوهات البنادق  ( 6-6) الاخيرة

ورود على فوهات البنادق  ( 6-6) الاخيرة

* بقلم / إياد علوي فرحان

 بسم الله الرحمن الرحيم
تنامت الحركة التحررية بالبلاد العربية وظلت تزداد بدءا من النصف الثاني من القرن الفائت،فصارت”الأرض” بمرور الوقت”تتكلم عربي”..لقد كان الأمر أشبه بما رأيناه في”الربيع العربي”،بل وما قبله بسنوات “كالحراك الجنوبي”وبعض الانتفاضات التي قمعت بقوة في بعض الدول العربية إنصافا للتاريخ،لقد كانت الأوضاع السيئة بالبلدان العربية متشابهة وهو الذي أدى إلى”ردود فعل متشابهة” فيها كذلك،تماما كما حدث بالربيع العربي مع اختلاف التفاصيل والنهايات،ولكن الفرق الأهم بين الحقبتين أن الأولى أدت لتراجع التيارات الإسلامية وصعود قوى اليسار والقوى الليبرالية فيما بعد، بينما أدت الثانية إلى العكس !

لقد كانت الأمور في عدن والجنوب”حامية”ليس فيها أي مظهر من مظاهر الربيع بالنسبة للبريطانيين مع مطلع العام1967م،وكان صيف ذلك العام ساخنا بالنسبة لهم أكثر من ذي قبل،فعلى اثر معارك حقيقية ومفتوحة في الأرياف استخدمت فيها المدفعية والمروحيات من قبل البريطانيين،استطاع “ثوار” كلا من الجبهتين “القومية”و”التحرير” اللتان كانتا تملكان الآلاف من الفدائيين “حسنو التدريب والتسليح والتنظيم” بفضل الدعم”المصري” عبر الشمال أولا ثم العمق الجنوبي فيما بعد..استطاعوا أن يشددوا الخناق على البريطانيين بعدن.. لقد كانت فرصة سانحة بنظر قوى التحرر العربية بقيادة “مصرعبدالناصر” أن ترد الاعتبار لنفسها ولمشاريعها بعد نكبة حزيران67م من خلال قضية الجنوب العربي،لقد رأت لهذا قيادتا الجبهتين “القومية”و”التحرير” بضرورة القيام بعرض عضلات عسكري ضخم ومدوي في عدن ضد “لندن” يزيد من إحراج الأخيرة ويرهقها ويدفعها للرحيل عن البلاد،وهذا ما حدث فعلا بدءا بسلسلة طويلة من العمليات وصولا إلى معارك يوم”عشرين يوليو الاغر” التي أفقدت القائد البريطاني صوابه بحسب الأغنية الوطنية الذائعة الصيت حينها..وهي بحق معارك طاحنة قاتل فيها الجنوبيين ببسالة وبتكتيك عالي  مستخدمين فيها كل عناصر المفاجأة،ولعل أهمها دور وموقف عناصر الجيش والحرس الاتحاديين”وهو ثاني أعلى جيش بالبلاد العربية من حيث مستوى الأجور والامتيازات”..! إضافة إلى البوليس المسلح وبوليس عدن،وهي الأجهزة العسكرية التي أوجدتها بريطانيا لحساب دولة الاتحاد لتتسلم مقاليد الأمور بعيد جلاء قواتها،لقد أصابت جهود”الجبهتين” نجاحا كبيرا في استمالة أفراد هذه الأجهزة وبعض قادتها الوطنيين،ولم تتعامل معهم كخونة وعملاء للاحتلال كما يفكر البعض منا الآن للأسف اتجاه إخوتنا من الجنوبيين من هم بوضعهم!!

وعندما بدأت بريطانيا الجريحة تلملم متاعها تمهيدا للجلاء عن الجنوب بعد أن رأت أن التصعيد سيدخلها في دوامة،تبخر حلم بناء دولة وطنية جنوبية مستقلة تحترم الحريات والتعددية والتداول السلمي للسلطة وهو لا يزال بمهده،فتلقى الضربة القاسية الأولى بحدوث الصدام الدموي بين”الجبهتين الشقيقتين”والذي كانت نتائجه الأخرى سقوط مئات القتلى والجرحى وإقصاء”التحرير”عن المعادلة،والقيام “بحملة تطهير” لأنصارها حتى في الأجهزة العسكرية والأمنية والمدنية،وهذه”الحملة” ظلت سمة ترافق كل صراع كان يندلع بالجنوب فيما بعد،وهو ما أدى إلى تأكل واضمحلال مقومات ومقدرات الدولة الجنوبية وأوصلها إلى مأزق 22مايو1990م التاريخي، فالخطايا كما يقولون مثل سلة الحجارة اما ان تلقيها عنك او تردمك تحتها في النهاية..

كان إعلان استقلال الجنوب في يوم30نوفمبر1967م تتويجا لثورة 14 أكتوبر المجيدة ونجاحها على صعيد التحرر من المستعمر،لكن على صعيد بناء الدولة كانت الوقائع على الأرض تقول شيئا أخر،لقد أعلنت”الجبهة القومية”قيام “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية”وعاصمتها عدن على كامل التراب الذي سلمته بريطانيا لها باسم”الجنوب العربي”ماعدا جزيرة “كوريا موريا” التي منحتها “لندن” لعمان قبيل انسحابها،لقد واجه “الثوار” بعد أن صاروا “الحكام الجدد” الإشكالية القديمة المتجددة والتي تتمثل بعجز البعض عن استيعاب أبجديات الوضع الجديدة والاختلاف الذي يفرضه  الانتقال من عهد النضال والثوريات والتنظيمات وشؤونها،إلى عهد الدول  والسلطات ومصالح الشعوب وشجونها، والاختلاف كامل وجذري بين العهدين..فلم يمر كثيرا من الوقت حتى بدأ الخلاف يدب من جديد وفي الجبهة القومية نفسها هذه المرة، بين تيار ينادي بالتدرج بالإصلاحات وعدم تفتيت كل شيء لعدم وجود “البديل”الجاهز،وتيار راديكالي كان يريد أن يستمر في”رومانسيته الثورية”ويسحبها على الدولة الوليدة،التي تحولت إلى “نرجسية”صارت بمرور الوقت كابوس لا يقوى احد على وقفه ومن حاول ذلك جرفه!

بعد الاستقلال مباشرة كان هناك”جيش الجنوب العربي”الذي بلغ تعداده اقل قليلا من 10الاف رجل بالإضافة إلى مؤسسات  أمنية أخرى يقارب تعداد افرادها8الاف رجل،راح المزاج الثوري للدولة الجنوبية التي صارت بيد اليسار المتشدد مع مطلع السبعينيات بعد سلسلة من”حملات التطهير”التي كانت دائما ما تأتي على قوى جنوبية خالصة وتحل محلها قوى أخرى تربط الجنوب أكثر بمصائر وقضايا الآخرين،راح ينعكس على هذه المؤسسات وتغيرت عقيدتها العسكرية تماما كما تغيرت مكوناتها بل وحتى الجزء الأكبر من ملاكها البشري بسبب ما طالها من حملات”التطهير”،كما أن العدد الأكبر من آلاف الثوار تم استيعابهم بالجيش والمؤسسة الأمنية الجديدة التي تضخمت جدا وقت لاحق بعد أن ذوب  فيها كل ما تبقى من تكوينات الجنوب العربي العسكرية السابقة.

ومع نهاية السبعينات كانت”عدن”تمتلك واحد من أقوى جيوش المنطقة،رغم كل ظروفها الاقتصادية والعزلة المضروبة حولها “معظم الوقت”،هذا الجيش ذي العقيدة الشرقية والخلفية الثورية الراديكالية،كان يمتلك أكثر من 1170 دبابة قتال رئيسية واقل من ذلك بقليل من عربات القتال والمصفحات،بالإضافة إلى حوالي 700 مدفع ميدان،ولديه سلاح جو امتلك حوالي 113 مقاتلة،ناهييك عن المروحيات وطائرات النقل ،بل وصل الأمر إلى حد إعداد طيارين ليشاركوا في رحلات فضائية في برنامج الفضاء السوفياتي آنذاك،في الوقت الذي كان سلاح الجو السعودي لا يمتلك أكثر من 73 مقاتلة،كما كان لعدن سلاح بحري قوي،ولان الهاجس الأمني ظل يلقي بظلاله على توجهات”عدن” السياسية بسبب تزايد التهديدات حولها منذ البداية كما أوضحنا سابقا،بدلت محاولات حثيثة لامتلاك قدرات صاروخية متنوعة و”مهمة”وتوجت محاولاتها بحصولها فعلا على منصات أطلاق صواريخ”سكود” الإستراتيجية والتي اعتبرت حينها  بمثابة سلاح ردع مهم  بيدها.

والان.. وبعد أن تم تفكيك هذه المنظومة الدفاعية والأمنية “الثورية” الضخمة التي كان يحسب حسابها في المنطقة على اثر غزو الشمال للجنوب واحتلاله في 1994م،تم إرسال مالا يقل عن 150 ألف فرد عسكري وامني إلى البيوت!

هؤلاء هم أنفسهم ممن كانت ثوريتهم تدفعهم إلى حلم الوحدة يوما،تلك الثورية التي نشئوا عليها بصرف النظر عن خطئها من صوابها،هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يرعبون المنطقة بجيشهم،أعلنوا نهضتهم ونهضة شعبهم العظيم الذي لم يسكت يوما على ضيم،بسلمية دون نار وسلاح ومحاربين..استبدلوا الرصاص بالورود وعلقوها على فوهات البنادق،وسيروا في يوم 7/7/2007م الاغر أولى طلائع انتفاضة شعبهم البطل السلمية التي تقدم صفوفها”المقاعدين قسرا من العسكريين”..فأي امة تنهض لابد وان تبدأ نهضتها من بين صفوفهم.. وباستبدال الرصاص بالورود أعلنوا ولادة عهد جديد مفاده “أن قوة الحق أقوى بكثير من حق القوة الذي كانوا يمتلكوها يوما”…وما عجزت الرصاصات والدبابات والصواريخ في إعادته،ستعيده غدا ولا ريب الأيادي المتشابكة الحاملة للورود بعد أن صارت بدلا من الرصاص على فوهات البنادق .

-انتهى-

أخبار ذات صله