fbpx
تقرﻳر ﺍلمصير بين ﺍلحمى ﻭالموﺕ! فيليب هولسأبفيل
شارك الخبر
تقرﻳر ﺍلمصير بين ﺍلحمى ﻭالموﺕ!  فيليب هولسأبفيل

فيليب هولسأبفيل ، نائب السفير الألماني بصنعاء

قبل أﯾاﻡ قليلة  مرت الذكرى  الثامنة عشر لسلسلة أحداث حزينة في تارﻳخ اليمن الموحد. انتهت الحرﺏ الأهلية في 1994  بالحفاظ على الوحدة، ولكن هذه الوحدة التي كان الجنوبيين  طلبوها بحماس قبل سنوات قليلة صارت الان مفروضة علﯿﻴهم ﻭأصبح الكثير من الجنوبيين  في خلال السنوات التالية ﯾﻳكرهونها. فبدواء  ﯾيطلبون استعادة حقوقهم ﻭبعد إنشاء ﺍلحراﻙ ﺍلجنوبي السلمي أﺃشتد النضال من أﺃجل استعادﺓ حق تقرﯾﻳر مصﯿﻴرهم.

ﻳشكل حق تقرﯾﻳر المصير  أحد المبادئ الأساسية في القانون ﺍلدولي.ولكن مماﺭسته ﻳجب ان  تنسجم مع أﺃسس القانون الدولي ﺍلأخرﻯ ﻭما بينها لاحترام بسيادة وسلامة ﺃرﺍضي كل دولة.

لقد مارﺱ شعب جمهورية  اليمن  الديمقراطية  الشعبية  حق تقرﯾﻳر مصيرﻩ عاﻡ 1990 ﻭعبّر عن إرادته  عن طرﯾﻳق مظاهرات من أﺃجل الوحدﺓ مع الجمهورية  اليمنية العربية  واقر عليها في الانتخابات  ﻭالاستفتاء الدستوري. فمن وﻭجهة نظر الدولية قد ﺭبط شعب الجنوب مصيره ( وكذلك حق تقريره) بشعب الشمال بهذه الوحدة .

قد يكون لهذه الواقعة طعم مر اليوم لدى الكثير من الجنوبيين ولكن على الأصدقاء – وألمانيا صديقة لكل اليمن جنوبا وشمالا – ان يكونوا صرحاء مع بعضهم البعض.

 

 وسرعان ما ظهرت اخطأ هذه الوحدة الاندماجية الفورية التي كان قد اتفق عليها الرئيسان علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح ولكن اتفاق الوحدة لم يسمح بلملمة هذه الأخطاء فقرر علي سالم البيض وبعض القادة الجنوبيين الانفصال مخالفين للدستور الجديد وأعلنوا استعادة الدولة الجنوبية ( التي لم تعترف بها إي دولة أخرى حتى اليوم ) واشتدت الحرب الأهلية بنتائجها .

 

و22 عاما بعد اتفاق الوحدة مازالت المشكلة قائمة وتواجه الحكومة اليمنية الجديدة وكذلك المجتمع الدولي تيارا انفصاليا متزايدا في الجنوب وتضاف هذه المطالب إلى المشاكل العديدة الأخرى التي تواجهها الحكومة الانتقالية في هذه الأزمة الخطيرة التي تعيشها اليمن جنوبا وشمالا وشرقا وغربا ومع ذلك ليس هنالك أي شك في ضرورة معالجة القضية الجنوبية ولملمة أخطاء 1990 و1994 .

 

ولذلك نصت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية على حوار وطني يشمل كل الأطراف المعنية بما فيها الحراك الجنوبي وتناقش فيه كل القضايا الوطنية ولاسيما القضية الجنوبية وهو من الطبيعي ايضا ان يكمن جزء كبير من  حل هذه القضية في سياسة الحكومة في صنعاء .

هنالك العديد من الإجراءات التي ينبغي على الحكومة ان تأخذ بها من اجل تصحيح أخطاء سابقة وبناء الثقة لدى الجنوبيين .

 

ولكن على الجميع ان يدرك ان التغيير الذي بدأ بالتوقيع على المبادرة الخليجية والية تنفيذها تشكل فرصة تاريخية فريدة يجب ان تستغل ربما لأنها ربما لن تعود إذا فشلت العملية الانتقالية هذه واستغلال هذه الفرص يعني المشاركة في الحوار الوطني دونما شروط مسبقة .

 

وهنالك أربعة أسباب  تدفع الحراك الجنوبي للمشاركة في الحوار وهي :

1-الرئيس الانتقالي التوافقي عبدربه منصور هادي من الذين يهتمون بشكل خاص بحل القضية الجنوبية ويجب ان يتخذ في عين الاعتبار ان الرئيس قد ورث تحديات هائلة ولكنه لم يرث كافة الوسائل الممكنة للتغلب عليها فعندما وصل للرئاسة كان الجيش اليمني منقسما والوضع الأمني غير مستقر والوضع الاقتصادي كئيب ومخازن الدولة فاضية والفساد مازال منتشرا والأزمة الإنسانية الحرجة تتوسع .

 

وفي نفس الوقت كانت بعض أنحاء البلد تحت سيطرة مجموعات مسلحة يحارب بعضها البعض والكثير في الجنوب يطلب الانفصال ويرفض الحوار.

 

ففي هذه الظروف الصعبة تقدم الرئيس بتحفظ وتصميم وحتى الان نجح في التغلب على محاولات العرقلة وأصر حتى نفذت قراراته .

والكثير من القرارات التي اتخذها كانت تستجيب لمطالب الجنوبيين – على سبيل المثال – إقالة مهدي مقولة من عدن واستبداله باللواء الفقيد سالم قطن ( رحمه الله ) وإقالة محمد علي محسن من حضرموت والإفراج عن بعض القادة الحراكيين او تسهيل عودتهم إلى الوطن او تحرير أبين من الارهاربيين العدميين .

 

وبالإضافة طلب الرئيس من المانيا ودول أخرى المساعدة في بناء أبين والمحافظات الجنوبية الأخرى .

فاستجابت الحكومة الألمانية قبل ايام في المفاوضات الحكومية التنموية (التي تمت في المانيا) لهذا الطلب بتقديم مساعدة فورية لتحسين الوضع في أبين في مجال المياه بمبلغ 12 مليون يورو إضافة إلى المشاريع الأخرى القائمة في كل أنحاء اليمن .

 

2-وفوق ذلك رفعت القيادة اليمنية الجديدة السقف المنصوص عليه في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي تشترط ان حل القضية الجنوبية يحفظ وحدة اليمن  إلا ان الرئيس منصور أكد ان الحوار سيتم  بدون خطوط حمراء ووضح من جانبه رئيس مجلس الوزراء “محمد سالم باسندوه” ان المطالبة بالانفصال لن تكون عائقا للدخول في الحوار الوطني مع ان هذين القائدين يؤمنان بلاشك بالوحدة اليمنية .

 

مع ذلك يجب ان يؤخذ في عين الاعتبار ان مسألة الانفصال مسألة دولية  ايضا  وان هنالك إجماع دولي يلتزم بوحدة اليمن واكد مجلس الأمن للأمم المتحدة على ذلك وبشدة وبتصويت جماعي في قراريه الأخيرين( 2014 – و2051- عام 2012) اللذان يلزمان كافة أعضاء المجتمع  الدولي فلا يوجد شريك دولي لانفصال الجنوب ومع ذلك سيقبل المجتمع الدولي كل مايتفق عليه اليمنيون في الحوار الوطني .

 

3-وإضافة إلى ذلك فالاهتمام الدولي بقضية الجنوب اليوم اكبر مما كان عليه في أي لحظة منذ حرب 1994 ومن يشارك في الحوار الوطني من اجل الوصول إلى حل عادل للقضية الجنوبية وبدون شروط مسبقة سيجد شريكا دوليا وفي المانيا بالذات.

 

وهذه المشاركة تبدأ في اللجنة التحضيرية التي ستشكل خلال الأيام القليلة القادمة فالمشاركة في تحضيرات الحوار ستعطي للحراك الجنوبي فرصة تقديم مطالبه في وقت مبكر ولتشكيل  الحوار نفسه وسيعزز موقفه من الحوار .

4-      ان حالة البلد لاتسمح بتأخير اتخاذ قرارات جريئة من قبل قادة كل الأطراف وقت اللعبة السياسية “انتهى” وإذا كانت المطالبة بالانفصال ورفض الحوار الوطني موقفا تكتيكيا للوصول إلى الأهداف الحقيقية وهي إعادة حقوق الجنوبيين التي فقدت بعد الوحدة حسب المثل العربي القائل (خوفهم بالموت لكي يقبلوا بالحمى ) فألان أتت اللحظة الجدية الكاملة .

ويستحق الشعب الجنوبي الصراحة الكاملة وألا يعده القادة بنتائج غير واقعية  تشدد المواقف وتعرقل إيجاد الحلول وعلى القادة الجنوبيين ان يشرحوا للشعب في الجنوب ان المشاركة في الحوار الوطني هي الوسيلة الصحيحة لحل القضية الجنوبية وان شعب الجنوب سيجد في المجتمع الدولي و- المانيا بالذات – شريكا في  تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي المشروعة ولكن تحتاج هذه الشراكة الحضور إلى طاولة الحوار الوطني دونما شروط مسبقة .

 

بالتأكيد ستكون الفترة القادمة صعبة وسيرفع الحوار الوطني الحرارة لدى كل الأطراف مثل الحمى حينما يكافح الجسم من اجل التغلب على المرض لكن لو فشلت العملية فالبديل هو التصعيد وهذا التصعيد لن يؤدي إلى انفصال الجنوب ولكن قد يؤدي إلى حالة فوضى يعاني منها الجميع ويقتل فيها الكثير فألان على الجنوبيين ان يقرروا مصيرهم بين الحمى والموت  أي بين الحوار والفوضى .

*مقال خاص لصحيفة “عدن الغد”

أخبار ذات صله