fbpx
ثلاث محطات يمنية

 

من المعروف بأن أي ثورة من الثورات تقوم على أهداف ومبادئ وفي مقدمة أهدافها الإطاحة بالنظام الاستبدادي أو رحيل الاحتلال وقيام النظام السياسي الجديد وفقاً للتوجه الإيديولوجي للنظام الثوري وتطهير جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة العسكرية والأمنية والمدنية من جميع العناصر القيادية في النظام السابق التي تشكل خطراً على النظام الثوري الجديد إذا راءوا ذلك ضرورياً وهذا ما نتناوله في ثلاث محطات يمنية حسب التالي أدناه.

المحطة الأولى: تتمثل في ثورة 26 سبتمبر 1962م الانقلابية بأهدافها الستة والتي أطاحت بنظام الحكم الملكي الأمامي في صنعاء وقيام النظام الجمهوري في العربية اليمنية حيث مر النظام الجمهوري في صنعاء بعدت منعطفات مليئة بالانقلابات والأبعاد القسري لبعض الرؤساء من الحكم والتصفيات الجسدية للبعض الآخر ومن أبرزهم الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كان بدأ السير في طريق بناء نظام جمهوري عادل ودولة مدنية في اليمن إلا أنهم سارعوا إلى اغتياله قبل أن يتحقق ذلك الحلم وفي العام 1978م تولي علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية العربية اليمنية ومن حينها حول النظام الجمهوري إلى نظام ملكي بشعار جمهوري وهومابات يعرفه الجميع بالنظام العائلي القبلي الاستبدادي والذي دام 33 عام أفسد فيه البلاد والعباد وحول الدولة إلى ملكية خاصة وسوق مزاد هكذا ذبح ثورة 26 سبتمبر 19962م كما ذبح الوحدة بعد ذلك في العام 1994م فمن صفاته نكث العهود وعدم الوفاء بالوعود والظلم إلى أبعد الحدود.

المحطة الثانية: وتتمثل في ثورة الشباب في 11 فبراير 2011م ضد نظام علي عبد الله صالح أنف الذكر في الجمهورية العربية اليمنية تلكم الثورة التي قادها وضحا فيها الشباب الابريا المندفعين بحماس ثوري عفوي والطامحين إلى إسقاط النظام العائلي القبلي الاستبدادي من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل يتحقق فيه العدل والنظام والقانون وتحسين المستوى المعيشي للشعب اليمني إلا أن تلك الثورة قد تم اختطافها من قبل عصابة الفيد وتجار الحروب وهي ما زالت في بداية الطريق ثم حلت محلها المبادرة الخليجية التي تم تصميمها بناءاً على طلب علي عبد الله صالح آنذاك والذي تم بموجبها تسليم منصب الرئاسة من علي عبد الله صالح إلى الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي ومنح علي عبد الله صالح حصانة وتشكيل حكومة وفاق وطني كما يسمونها وبالمناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة المخلوع صالح وبين التجمع اليمني للإصلاح (أخوان المسلمين) وهم من خطفوا ثورة الشباب في فبراير 2011م وباعها مقابل سبعة عشر مقعد في حكومة الوفاق وفي هذا المشهد الذي يسمونه الانتقال السلمي للسلطة انتهت ثورة 11 فبراير 2011م دون تحقيق أي هدف من أهدافها ونجحة المؤامرة على الثورة الداخلية منها والخارجية وبهذه الحالة بقي نظام المخلوع صالح في جميع مؤسسات الدولة واجهزتها وسلطاتها السياسية والتشريعية والتنفيذية والعسكرية ورحم الله شهدا الثورة المخطوفة.

المحطة الثالثة: وتتمثل في ثورة 21 سبتمبر الانقلابية والتي قادها الحوثيين ومن ذلك الحين شهدت البلاد جملة من التطورات السياسية الدراميكية المتسارعة وغير المتوقعة بتلكم السرعة الفائقة ومنها الإطاحة المفاجئة والسقوط المدوي لجماعة من طغاة العصر في نظام صنعاء القديم الجديد وعلى رأسهم الأحمرين الجنرال علي محسن والشيخ حميد بن عبد الله ومن في حكمهم في حزب الإصلاح اليمني ومروراً بالسيطرة على صنعاء ووصولاً إلى القصر الرئاسي والسيطرة عليه ومحاصرة منزل الرئيس هادي وفرض الإقامة الجبرية عليه وعلى منزل رئيس الوزراء خالد بحاح بعد تقديم استقالتهما وكان أخر تلك التطورات هوالإعلان الدستوري بتاريخ 1 فبراير 2015م وبذلك استطاعة جماعة الحوثي الوصول من كهوف مران إلى القصر الرئاسي بصنعاء وخلال فترة زمنية وجيزة وبهذا يكون الحوثيين قد استطاعوا تحقيق ما لم يحققه أسلافهم طيلت أربعة وخمسون عاماً وهي فرصة سانحة لم تتوفر لهم من قبل ولم تتكرر ثانياً كما هي اليوم ولو بعد مائة عام وهم يدركون ذلك جيداً وها هم اليوم يعيشون في نشوة ذلك الانتصار الغير متوقع عند الكثير من الناس وبالرغم من سيطرة الحوثيين اليوم على كافة مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء إلا أنهم يحاجة إلى مشاركة الأحزاب السياسية أو بعضها لفرض شرعنة شرعيتهم الثورية كما يسمونها هذا من جانب ولغرض كسب التأييد الخارجي من جانب أخر ومن المعروف بأن العديد من الدول قد سحبت سفاراتها  من صنعاء احتجاجاً على ما يسمونه انقلاب الحوثي وعلى الصعيد الداخلي ما زالت القوى السياسية تواصل مشاوراتها في موفمبيك بصنعاء ولم تصل إلى أي اتفاق حتى يومنا هذا 17 فبراير 2015م وهذا ما يقودنا إلى طرح السؤال التالي هل يستطيع الحوثيين الاستمرار والثبات على ما هم عليه اليوم من السيطرة والنفوذ لتسيير شئون البلاد بمفردهم لوقت أطول في ظل بعض المقاطعات الخارجية والاحتجاجات الداخلية ؟ الجواب في اعتقادي أنهم سيتثبثون بموقفهم الحالي حتى الانتخابات القادمة أن تمت مهما كانت الضغوطات الداخلية والخارجية باعتبارهم يمثلون الطرف الأقوى من أطراف الصراع في صنعاء والشمال عموما وباعتبارهم أيضا يمثلون قوى صاعدة جديدة ولها حاضنة شعبية كبيرة وبالذات في المناطق الزيدية وهي بالنسبة لهم فرصة سانحة لا تعوض أن ضاعت من ايديه اليوم وهذا ما يتناقم مع الموقف الإيراني الداعم لهم ومن ورائها روسيا والصين إلا إذا اغتروا الحوثيين بنشوة نصرهم كثيرا وخدعوا من قبل المخلوع صالح ودفع بهم في اتجاه الجنوب فهنا سيكون الفخ الذي سيعجل بهزيمتهم ونهايتهم السريعة وهو ما يريده لهم المخلوع للتخلص منهم ولكن لا اعتقدا أنهم سذج إلى هذه الدرجة باعتبار دخولهم الجنوب يعني الانتخار بعينه لكون الجنوب يعيش تحت احتلال نظام صنعاء من العام 1994م وحتى يومنا هذا والاحتلال اليمني هو الاحتلال أكان بوجه سنحاني أو بوجه حوثي أو بوجه تهامي فلا فرق بين هذا وذاك إلا من اعترف بحق شعب الجنوب في التحرير والاستقلال واستعادة دولته وطالما والوقت ما زال مبكراً دعونا ننتظر والأيام القادمة هي كفيلة بتوضيح الصورة أكثر وضوحاً ولكل حدث حديث وبالله التوفيق إلى ما فيه الخير والسداد.

 

بقلم/ محمد سعيد الزعبلي