fbpx
هل يتحمل أوباما إخفاقات الربيع العربي؟ / جاكسون دايهل
شارك الخبر
هل يتحمل أوباما إخفاقات الربيع العربي؟ / جاكسون دايهل

قبل عام واحد لا غير وصف أوباما موجة الثورات الملحمية التي اندلعت من تونس ومصر بأنها “فرصة تاريخية” بالنسبة للولايات المتحدة لمتابعة أوضاع العالم وجعلها على ما ينبغي أن تكون عليه. قال أن على أميركا أن تشيع ما وصفه “التغيير الذي يعزّز الفرص وحق تقرير المصير.” قال أوباما مشدّداً “اننا – أي الولايات المتحدة – قادرون على إحداث فرق” في النتائج التي ستنتهي إليها تلك الثورات.

غير أن ما أسيئت تسميته بالربيع العربي أخذ اليوم يبدو أقرب شبهاً بفوضى ذات حجم ملحمي. ففي سوريا تدور رحى حرب أهلية ساحقة من السهل عليها أن تنتشر إلى باقي مناطق الشرق. وفي مصر دفع الإنتصار الذي حققه أحد الإسلاميين في انتخابات رئاسية ديمقراطية الأوضاع باتجاه الصراع مع العسكريين. وفي أنحاء أخرى يستمر التصادم السياسي العنيف في اليمن وليبيا والبحرين. تونس وحدها تبدو ماضية صوب عهد جديد تسوده الديمقراطية والنماء الذي وعد أوباما بنشره في العالم.. ولكن حتى هنا يبقى من غير الواضح بعد مدى التسامح الذي ستتحلى به الحكومة الإسلامية الجديدة.
لا نرى حاجة للتذكير بأن شعوب الشرق الأوسط هي القوّة الرئيسة التي أنتجت هذا المستنقع، ولكن بعد كل الآمال والتوقعات التي لوّح بها أوباما من العدل أن نسأل: كم من هذه الفوضى جاء نتيجة خطأ منه؟
لقد أمضيت أسابيع في منطقة الشرق الأوسط وخارجها أسأل الناس طلباً للإجابة على هذا السؤال.. مصريون وإسرائيليون وروس وسعوديون وليبيون. وكما هو متوقع جاءت الأجوبة متفاوتة تفاوتاً شاسعاً، وحتى متناقضة في بعض الأحيان. ولكن ثمة نقطتين أجمعوا كلهم عليها.. الأولى هي أن الولايات المتحدة ورئيسها كان لهم بالطبع تأثير على النتيجة التي آلت إليها الأمور.. والثانية هي أن تلك النتيجة كانت سلبية في معظم الأحوال.
لنبدأ بمصر.. حيث يتفق الإسرائيليون والسعوديون على أنها كانت حماقة من أوباما أن يتخلى عن رجله القوي حسني مبارك حليف أميركا الوفي. فما كان ذلك الرجل العجوز يتنبأ به ويحذّر منه قد تحقق بالفعل، وها هم الإسلاميون المعادون للغرب وإسرائيل يوشكون أن يضعوا أيديهم على هذا البلد.
قال الديمقراطيون المصريون.. كلا.. هذا هو عين الخطأ. لأن غلطة أوباما الحقيقية من وجهة نظرهم هي إحجامه عن الوقوف إلى جانبهم وشدّ أزرهم عندما بدأ العسكريون في مصر بإعادة بناء النظام القديم على نحو منهجي منظم بلغ ذروته في هذا الشهر بحل البرلمان. كانت نقطة التحوّل الأساسية، كما يقول هؤلاء، هي ما حدث في شهر آذار عندما قرّرت الإدارة الأميركية إسقاط الشروط التي يفرضها الكونغرس والتي تربط مواصلة الدعم العسكري بتحقق التقدم على المسار الديمقراطي، وبقائها على قرارها حتى عندما رأت النظام مصمماً على محاكمة المصريين الذين يعملون لصالح منظمات الديمقراطية الأميركية.
يقول بهاء الدين حسن، وهو من معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “لقد كانت الرسالة التي بعثت بها الولايات المتحدة لا أخلاقية بالمرة، إذ كان من الواضح على طول الخط للثوريين المصريين أن الولايات المتحدة لا يعنيها سوى من كان في موقع السلطة وأولئك الذين تعتقد أن بإمكانهم الإحتفاظ بالسلطة.. وهم العسكريون.”
بعد سخطهم على ما آلت إليه مصر تغلي مراجل غضب السعوديين الآن على سوريا حيث تنكمش الولايات المتحدة متراجعة عن تحمّل مسؤوليتها في إزاحة نظام بشار الأسد قبل أن يجرّ المنطقة برمتها إلى حرب طائفية.
قال الروس.. كلا.. هذا هو عين الخطأ. لأن أوباما من خلال مطالبته جهاراً بإسقاط النظام في سوريا شجّع معارضي الأسد على حمل السلاح. يقول مسؤول روسي كبير يزور واشنطن مكرراً ما قاله زعيمه فلاديمير بوتين لأوباما في مؤتمر القمة قبل أسبوع: “ها أنتم تكررونها للمرة الثانية.. تشجعون على تغيير النظام من دون أن تعرفوا يقيناً ما الذي سيحدث بعد ذلك.”
يشير الجميع (باستثناء السعوديين) إلى البحرين، وهي أمة صغيرة تعيش فوق جزيرة في الخليج العربي وبقربها يرابط الأسطول الخامس الأميركي. هناك أقدمت عائلة آل خليفة الحاكمة على قمع التظاهرات التي قامت بها الغالبية الشيعية بكل ضراوة ووحشية، في حين بقيت تجرّ الخطى جرّاً في مجال الإصلاحات.. ورغم هذا لم يقل أوباما مطلقاً أن هذه الدكتاتورية يجب أن تزال، بل أنه في الواقع عاد مؤخراً إلى بيع الأسلحة لها.
الليبيون وحدهم بدوا مستعدين لكيل الثناء للرئيس أوباما بعد أن تم تحريرهم من نظام معمّر القذافي بمساعدة الطائرات الأميركية. يقول نائب رئيس الوزراء في الحكومة الليبية الإنتقالية مصطفى أبو شاقور: “لولا اتخاذ أوباما قرار الدفاع عن بنغازي لما تحقّق لثورتنا النجاح.” ولكن الثوّار المنتصرين وجدوا أنفسهم ينوؤن بعبء بناء قوّات الشرطة وتأسيس جيش موحّد، وعن هذا الوضع يقولون أن إدارة أوباما كانت بطيئة غاية البطء في مد يد المساعدة لهم.
عند أخذ الأمر على بعضه نجد أن هذه التعليقات النابعة من شعور باليأس إنما تنتظم مع بعضها في طرح انتقاد مترابط منطقياً. ذلك أن أكبر أخطاء أوباما، فيما يتعلّق بالربيع العربي، لم يكن في سوء اختياره الجانب الذي يقف معه، بل في أنه بقي يتأرجح ما بين إقدام وإحجام. لقد كان طول الوقت مفتقراً إلى إرادة تبنّي موقف حاسم، ليس له قرار محدّد كارهاً لاتخاذ خطوة أو الإتيان بفعل. وكانت نتيجة ذلك هي أنه نفّر منه  النظام والثائرون المنتفضون عليه فتبدّدت بذلك قوّة التأثير التي كانت في يد أميركا.
قبل سقوط نظام مبارك كان أوباما يحتضنه ويتعهده بالرعاية، بينما ينهال مساعدوه اليوم بالنقد والتقريع على محاولات العسكريين للتشبّث بالسلطة – ثم يعودون فيتغاضون عنهم وعن أفعالهم رغم ذلك. ونرى أوباما يصر ويؤكد بأن على الأسد تسليم السلطة ويضع التسهيلات لإمداد المتمردين بالمساعدات العسكرية، ثم إذا به في الوقت نفسه يؤيد إجراء تسوية بين النظام والمعارضة تتوسط فيها الأمم المتحدة. ونعود نراه مرة أخرى يطالب بالتغيير في البحرين بينما هو يواصل مساندة النظام هناك حتى بعد رفضه إجراء الإصلاحات.
مجمل القول أن أوباما أحدث بالفعل فرقاً في نتائج الربيع العربي، ولكن ذلك جاء في أغلب الأحيان نتيجة تقاعسه عن السعي الجاد لإحداث فرق. فبسبب هذا التقاعس عن استخدام المساعدات والمؤثرات الدبلوماسية والقوة العسكرية التي تمتلكها أميركا في مساندة التحرك لإزاحة الطغاة والجبابرة والبدء بالتحولات الديمقراطية كان أوباما عوناً في إمالة كفّة الميزان لصالح الأنظمة القديمة.. أو الفوضى. كلا.. لم تأت الفوضى نتيجة خطأ ارتكبه هو، ولكنه مع هذا يتحمّل قسطه من اللوم.

عن صحيفة واشنطن بوست

أخبار ذات صله