fbpx
الحوثيون المغدور بهم ..بقلم : أبو هيف الحنشي
شارك الخبر

لقد كنا نعتقد أن شيعة الحوثية الصعداوية أكثر ذكاءً وما حققته من انتصارات على مَنْ سعى إلى إبادتهم في عقر دارهم (صعدة) بستة حروب في أقل من عقد من الزمن بما لديهم من قدرة تنظيمية عالية وثقة مطلقة وطاعة للقيادة وولاء لا يوصف، ولا يوجد له مثيل في أيامنا هذه التي أصبح العالم فيها بأسره شذر مذر، لكن الأيام بدأت تكشف أن هؤلاء قد استغلهم علي عبدالله صالح وجعلهم وسيلةً بيده يبيد بها عدوه الذي أزاحه في 2011م عن السلطة.

فشهادةٌ للتاريخ أن علي عبدالله صالح أكثر السياسيين ذكاء بل دهاءً ومكراً في تاريخ اليمن المعاصر، فهو الرجل الذي لم نعرف عنه سيرة علمية تماماً ومع ذلك اخترق الجنوبيين المثقفين الذي درسوا وتعلموا ونال عدد لاباس به منهم شهادات عليا في علوم السياسة والمجالات الأخرى التي يفترض أنها ستحصنهم من ألاعيب هذا الرجل الخبيثة التي استعملها معهم ونجح في أغلبها ليجعل الجنوبيين مختلفين فيما بينهم ويتكفل بعضهم ببعض في أي عمل قد يحاول مَنْ فاق أو يفوق من سباته ليبحث عن وطنه المسلوب وهويته المطموسة وعرضه المهدور وكرامته المفقودة.

وقد قام هذا الرجل بستة حروب على أبناء صعدة المنتمين للحوثي أو الموالين له، بعد أن كان قد ساعد على تكوينهم ونشأتهم تحت ظروف اضطرته إلى ذلك ليكونوا عصا يستعملها ضد مَنْ شعر أنهم قد يكونوا خطراً عليه لتكوينهم في تلك المحافظة من قبل أيادي خارجية، وقد كانت تلك الحروب أيضاً لإرضاء تلك الأيادي التي اضطرته على تكوين الحوثيين الذين فقدهم وأصبحوا بيد أيادي خارجية هم أيضاً.

ويأتي عام 2011م ليكون كبوة ذلك الفارس(علي عبدالله) بسبب أذرعه وأساطين قبيلته التي جعلها الدولة، وذلك بتنكرها له وتناسيها فضله عليها، وربما كان ذلك لشعورها باتساع دائرته من أبنائه وحلفائه الصناديد الذين قد ينازعونهم ما اعتادوا عليه من كرم سخي بهباته المعطاة لهم مما استباحه من دولة الجنوب، ويركبوا حركة التغيير الشبابية وينجحوا في امتطاء صهوتها بمساندة إقليمية وعربية لا تنطلي على أي متابع حصيف للأحداث.

وعلى الرغم من هذه الكبوة إلا أنه أثبت فيها أنه الأذكى حين خرج بحصانة تشهد له بأنه أفضلهم ولم يحصلوها حين رتب أوراقه واصطاد الطائر المغرد خارج السرب(حوثية صعدة) ليكون الحصان الأسود هذه المرة في طرد أولئك المتنكرين لمعروفه ويمزقهم شر ممزق لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعدها.

فجلب الطائر الصعداوي فرخه المدلل ذات يوم الذي شرده حين نما ريشه وحاول إبادته في جبال مران مرات عديدة ليكون المغول التتاري على حلفاء الأمس أعداء اليوم، فيسهل له النزول إلى صعدة وإيهامه بمكر علي عبدالله بأنه يرتب أوراق بما تبدو له من مساندات وتأييد في مختلف المحافظات الشمالية التي كانت بالأمس ترسل مددها من قبائلها لحربه في عقر داره في صعدة.

فيبسط نفوذه على أجزاء واسعة ويصل إلى مشارف عمران ويفتحها بجناحي المؤتمر جناح علي عبدالله صالح بتواطؤ واتفاق مع جناح عبد ربه منصور هادي إذ الأخير حيد الجيش والأمن وصوَّر المعركة بين مسلحين، وعمل بسلطته في الحكومة على تعيين محافظ من جناح الآخر يسهل الأمر بصورة أكبر حين رأوا استماتة القبيلة الدولة التي بناها علي عبدلله في عمران لاستشعارهم بالخطر الحقيقي الذي بدأ يلف على أعناقهم.

وتفتح صنعاء أيضاً من قبل هذه الأجنحة فضلاً عن فرخ علي عبدالله في عام تسعين الذي فرخه ليكون القنبلة المفخخة لشعب الجنوب المغدور على أمره، الذي ابتلي بقيادة عقيمة التفكير بواقعها وتقوقعها في تنظيرات فلسفية عفا عليه الزمن وأثبتت فشلها الذريع في أوكار منابعها الأساسية.

ويصبح الحوثيون أصحاب الصوت الأول في العاصمة ذات المنظر الجميل والمضمون الهش، ويعمل جناح علي عبدالله على الأرض ببسط السيطرة والانتقام من الإصلاحيين متنكري الجميل ويعمل جناح عبد ربه في السياسة ليعطي الحوثيين الشرعية، ولا يعني هذا أن هناك أتفاق مباشر بين الجناحين أبداً وإنما كل جناح يعمل لحساب خاص جمعهم الهدف المباشر وهو القضاء على القبيلة الدولة(سنحان) التي انفرد بها أولاد الأحمر وأداتها السياسية حزب الإصلاح، أما بعد ذلك فكل جناح سيحاول القضاء على الآخر بهذه الوسيلة(الحوثيين).

وفي نشوة النصر بفتح صنعاء الموهوم تندفع جماعات الحوثي إلى صنعاء لنهب ترسانة عسكرية لدولة وهنا تشعر بأنها أصبحت دولة تحتاج إلى فرض الأمن وتأمين حياة الناس كي تكسب رضاهم.

ولكن دهاء علي عبدالله سارع إلى مغازلة الحوثيين في أماكن عدة من المحافظات الشمالية ليظهر لهم بأن الوقت قد حان للتمدد ويسارع الحوثي من دون حساب لقوّته لاسيما البشرية وطبيعة التضاريس التي تعود على القتال فيها ويرمي بجماعاته بين عدة محافظات وتتحصل على الترحيب من قبل جناحي المؤتمر اللذين جمعهما عداء الإصلاح وهما في الأصل متناحرين وكل منهما يسعى إلى إزاحة الآخر. وتظهر القبيلة في أماكن لم يكن لها أثر في أيام علي عبدالله صالح لتكون الحاجز المنيع أمام هذا التمدد الحوثي فيغري ذلك الترحيب الرسمي الحوثيين في الصمود والمواجهة. وهنا مكمن الخطورة والفخ الذي نُصِبَ للحوثيين لاسيما من قبل علي عبدالله إذ تثبت هذه المواجهات الخسائر الفادحة التي يتعرض لها الحوثيون، فلا نسمع عن معركة إلا كان أغلب القتلى من صف الحوثيين.

وبهذا الفخ الذي وقع فيه الحوثي ويبدو أنه لم يستوعبه بعد، ولم يفق منه إلا حين لات مندم، تتكشف الأمور وتثبت الأيام أن علي عبدالله هو الأذكى والأدهى، إذ سيعمل بهذا الأسلوب على التخلص من الحوثيين على أيدي غيره من خصومه ورفقائه في المحافظات الشمالية بعد أن عجز عن التخلص منهم في عقر دارهم في صعدة، وذلك بعد أن تخلص بهم من حزب الإصلاح برموزه القبلية والسياسية الذين تنكروا لفضله الكبير عليهم في عام 2011م. وذلك بعد أن يكون قد أضعف جناح عبد ربه الذي أصبح منبوذاً لهذا التواطؤ الفاضح مع الحوثيين بعدَّه صاحب القرار السياسي في البلاد الذي منحهم الشرعية السياسية.

وبهذا ستصبح كلّ تلك الأطراف بين مشرد وضعيف ومتهالك وهنا ستسنح الفرصة لانقضاض صاحب الذكاء الفطري علي عبدالله صالح والعودة إلى الحكم من جديد ولو بجلباب آخر، بل وسيعمل بذكائه على جعل تلك العودة مطلباً شعبياً في المحافظات الشمالية بوصف فترة حكمه أفضل مرحلة عاشوا فيها يسرحون ويمرحون في بلاد الجنوب ويمتصون أقوات أهلها الذين عملوا على إفقارهم وتجويعهم ونافسوهم في معيشتهم في كلِّ شارع وحارة بل وفي أزقة الحواري والقرى النائية.

برقيات جنوبية من واقع هذه التصفيات

الأولى: أثبتت القيادات الجنوبية عقمها وعدم قدرتها على التعاطي المسؤول الذي ينبغي أن يكونوا عليه، لذا نراهم بين طرفين متناقضين أولهما متشنج ويعمل على معاداة شريك الظلم في الأمس القريب وكأنه يريد أن يعجل بالمواجهة مع احتلال جديد. وآخر مرحب وكأنه مسلم بهذا الوضع الجديد الذي قد سيعمل الطرف الأول المتشنج على بسطه وفرضه على أرض الواقع إذا ما استتبت له الأمور وهو أمر مستبعد لما تمّ شرحه وتوضيحه أعلاه.

الثانية: أثبت الشعب الجنوبي أنه الأفضل والأروع في التعاطي بعدم انزلاقه في هذه المعمعة وبقائه مطالباً بهدفه في التحرير والاستقلال وإدراكه أنه ما زال تحت احتلال منذ 1994م والدليل اعتصامه في ساحة العروض في 14 أكتوبر الذي شكل صدمة غير متوقعه لتلك القيادات المدعية القيادة للمكونات ولهذا الشعب الذي ابتلي بها.

الثالثة: لتلك القيادات المبتلى بها من هذا الشعب الجنوبي الطيب أما أن تكونوا على قدر المسؤولية وتستغفروا بما عبثتم به في نضال هذا الشعب وتصلحوا بعض مما أفسدتموه وهو كثير وأما أن تنسحبوا قبل أن تدور الدائرة عليكم من هذا الشعب الحليم(فاحذر الحليم إذا غضب) فثورة الشعب الجنوبي حُبلى بل صارت على مشارف المخاض وحينها لا ينفعكم ندماً أو اعتذار.

أخبار ذات صله