مقالات للكاتب
د عيدروس نصر ناصر
البلاد هذه الأيام أشبه بمستودع متفجرات قابل للانفجار بمجرد ملامسة البوابة ومحاولة فتحه، كما إن الإبقاء عليه مقفلا يضاعف من مخاطر اندلاع حريق وحصول دمار لا يبقي ولا يذر، ويبقى الأمل في العثور على خبير متفجرات ماهر يمتلك القدرة على تفكيك المواد القابلة للانفجار قبل الولوج الى داخل المستودع للسيطرة على محتوياته.
لست ضد الاحتجاجات السلمية حتى لو كانت بمبررات واهية، ومبررات الاحتجاجات الجارية هذه الأيام ليست واهية أبدا لكن السلطة قد استجابت للجزء الكبير منها، وسأتناولها في سياق هذا الحديث، كما إنني لست معارضا لأن تناور الحكومة اليمنية لتحسين موقفها التفاوضي وهي قد ناورت كثيرا حتى تجاوزت الأمور حدها المعقول وكنت من أوائل الذين دعوا الى تغيير الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، . . . لكن ما تشهده البلد هذه الأيام يمثل تصعيدا مجنونا يصعب التصور بان اللاعبين فيه قادرون على التحكم بأدوات اللعبة حتى النهاية.
الحكومة عاجزة وفاشلة ومكامن الفساد فيها عديدة ومتنوعة وليت الرئيس والاحزاب المكونة لها فوتت على الحوثيين فرصة الدعوة لإسقاطها واستبدلوها قبل ان يفوز الحوثي بهذه الفضيلة لكن ها قد استجابت السلطة للحوثيين وانصارهم وقبلت بتشكيل حكومة جديدة وإن كنت أتمنى أن تكون حكومة كفاءات غير حزبية وليس تغيير صيغة المحاصصة وتعديل الحصص بما يشبع نهم الحوثيين لقضم نصيبهم من الكعكة المنتهية الصلاحية، ومع ذلك لا يعلم أحد بميعاد يوم ميلاد هذه الحكومة ولا شكل المولود المرتقب.
الاستجابة لإلغاء الجرعة وإن بتعديل أسعار المشتقات النفطية بما يتواكب والسعر العالمي، يمثل موقفا لينا من الحكومة وينبغي على أنصار الله التقاط الفرصة فالناس يسجلون الفضل في هذا التعديل لهم (اي لانصار الله) أما إصرارهم على إعادة الأسعار الى ما كانت عليه قبل الجرعة فإنه قد ينقلهم من خانة الربح الى خانة الخسارة، وهو ما سيكشف أن ادعاء الدفاع عن مصالح الفقراء ليس إلا شعارا سياسيا يخفي وراءه ما يخفي، أما الاصرار على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني قبل رفع الاعتصامات فهو أقرب إلى الكلام المخيط بصميل، كما يقول العامة، لأن تنفيذ بعض مخرجات الحوار يستدعي أشهرا وبعضها سنوات وربما قد يحتاج البعض الآخر إلى أكثر من سنوات, وقد يكون الحوثيون محقين في اتهام السلطة بالتباطؤ في التعاطي مع عناصر الأزمات المستفحلة، بما في ذلك تنفيذ القرارات والتعهدات التي تقطعها السلطة على نفسها ونحن نعرف ان مرد ذلك هو المكينة المعطوبة التي تعمل بها السلطات اليمنية، لكن الاستمرار في التصعيد إلى ما لا نهاية له من المخاطر ما قد يصعب السيطرة عليه من قبل أي من أطراف الأزمة.
لا احد يعلم ماذا يدور في كواليس المفاوضات والغرف المغلقة للوساطات التي تجري بين رئاسة الجمهورية وعبد الملك الحوثي، لكن السؤال الذي يطرحه معظم اليمنيين هو: هل يعتقد الحوثيون ان الفوائد التي سيحققونها من إسقاط العاصمة تستحق الثمن الباهظ الذي سيستدعي دفعه إشعال الحرب وما سيرافقها من حمامات دم وإزهاق أرواح ودمار مادي ونفسي وبشري يصعب التصور بحجمه؟ وهل يعتقد الحوثيون إنهم إذا ما أسقطوا العاصمة، وهم قادرون على ذلك، انهم سيستطيعون السيطرة على زمام الأمور كما فعلوا في صعدة وبعض مناطق عمران؟
طوال كل المسيرات والاعتصامات الاحتجاجية التي نظمها أنصار الله كنت أقول للزملاء والزميلات: هذه الملايين التي تحتشد في أكثر من ميدان على بوابات صنعا لا تحتشد حبا في عبد الملك الحوثي، ولكن كرها في الحكومة التي أثبتت أنها لا تختلف كثير عن كل الحكومات السابقة التي صنعها وأدارها وتحكم في سيرتها “الزعيم الرمز”.
H
إذا لم يطرأ انفراج على الأزمة الراهنة خلال الساعات القليلة القادمة فإن اليمن قادم على مجاهيل مخيفة، نسأل الله ان يجنب الجميع عواقبها الوخيمة.
برقيات:
* كنت أتابع جلسة اللقاء الذي قدمت فيه مبادرة اللجنة الرئاسية، وقد شاهدت أحد المتهمين بتهريب المشتقات النفطية المدعومة، وعندما وصلت المبادرة إلى نقطة تعديل أسعار المشتقات النفطية نط الرجل من مكانه وألهب كفيه بالتصفيق، وهو معذور في ذلك.
* صادق المواساة للإعلامي الأديب الشاعر عبد الله با كدادة الذي تعرض منزله في عدن للحريق وتعرض هو وابنته لبعض الأضرار الجسدية، نسأل الله له ولابنته السلامة، وندعو السلطة المحلية في عدن إلى رعاية الرجل فخدماته لها ليست بقليلة.
* قال الشاعر العربي أحمد مطر:
لم يكن معجزةً لكن صدق الكلمة
يبعث الخوف بقلب الأنظمة
فتظن الهمس رعدة
كان وحده
شاعراً مدَّ السموات لحافا
وطوى الأرض مخدة
فغدت تهفو الى نعليه تيجان الرؤوس المستبدة
والأذى يخطب وده