fbpx
ثلاثة خطابات تعكس قلق العاهل السعودي من خطر “الدولة الاسلامية”

عبد الباري عطوان

وجه العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز ثلاثة خطابات الى الشعب السعودي الاول في عيد الفطر، والثاني قبل يومين قرأها نيابة عنه احد المسؤولين، بالصوت ودون صورة، والثالث الاحد بالصوت والصورة نقله التلفزيون السعودي والقاه اثناء استقباله لعدد من العلماء والامراء ورجال الدين ومسؤولين ووزراء في الدولة وضيوف كان على رأسهم السيد سعد الحريري رئيس تيار المستقبل اللبناني.

المحور الرئيسي في الكلمات والخطابات الثلاثة هو التركيز على الجماعات الاسلامية، وخطرها وتوجيه انتقادات حادة الى الدعاة ولرجال الدين وصلت الى حد اتهامهم بالكسل والصمت على تمدد هذه الجماعات واتساع نطاق نفوذها.

العاهل السعودي لم يسم اي منها بالاسم، ولكن من الواضح انه يقصد “الدولة الاسلامية” او ما اطلق عليها “داعش” في الماضي، عندما قال “كيف يذبح انسان آخر كلغنم” في اشارة الى اعدامات وحشية نفذتها عناصر تابعة للدولة الاسلامية في حق خصومها، وتعمدت اتباع “طرق الرحمة” في ذبح هؤلاء وفقا “لتعاليم الشريعة”، ووضع رؤوسهم فوق الحراب في اطار استراتيجية الرعب التي تتبعها لارهاب المملكة.

***

هناك تفسير واحد لهذه الانتقادات وهو وصول معلومات قوية لدى اجهزة الامن السعودية تفيد بأن الدولة الاسلامية تستهدف المملكة ونظام الحكم فيها، وان هناك قطاعا عريضا من الشباب السعودي بات يتبنى، فكرها وينضم الى صفوفها، وهو الفكر الذي ينشره حاليا دعاة من الشباب بطريقة سرية منظمة.

ما يجعلنا نرجح هذا التفسير اربعة امور اساسية:

*الاول: كشف اجهزة الامن السعودي لـ”امارة” اسلامية لها امير ووزراء داخل المملكة قبل بضعة اشهر كانت تجلس  على ترسانة من الاسلحة وملايين الريالات، وتخطط لاعمال تفجير واغتيالات داخل المملكة، ومن بين هؤلاء امراء في الاسرة الحاكمة.

*الثاني: المراسيم الملكية التي صدرت في الفترة نفسها تجرم عدة تنظيمات اسلامية وتضعها على لائحة الارهاب، وتعاقب كل سعودي ينتمي اليها او ينخرط في صفوف التنظيمات الجهادية الاخرى مقاتلا، بعقوبة سجن تصل الى 15 عاما.

*الثالث: اتساع نطاق المناطق التابعة للدولة الاسلامية وسيطرتها على محافظات عراقية مهمة من الانبار ونينوى وصلاح الدين ومعظم المعابر الحدودية مع سورية والاردن، وتعزيز وجودها في الرقة ودير الزور في سورية ومناطق اخرى في حلب وحمص، واقترابها من الحدود السعودية العراقية في عرعر ورفحة بعد انسحاب القوات العراقية من الجانب العراقي من الحدود، وتزامن تحذير العاهل السعودي مع سيطرة قوات “الدولة الاسلامية” على مدينة سنجار في شمال العراق بعد هزيمة قوات البشمرغة الكردية، ومدينة “وانة” ومعظم سكانهما من الاكراد وابناء الطائفة الازيدية، مما يعني انهم على وشك السيطرة على سد الموصل، رابع اكبر سد في الشرق الاوسط.

*الرابع: وصول تقديرات مؤكدة ان عدد السعوديين الذين يقاتلون في صفوف الدولة الاسلامية وصل الى خمسة آلاف والعدد في تزايد معظمهم من الشباب في العشرينات من العمر.

فاذا كانت قوات الدولة هزمت جيش المالكي، وقوات البشمرغة التي تعتبر من اكثر الوحدات العسكرية تدريبا وتسليحا (دربتها اسرائيل)، فان حظ القوات السعودية امامها في حال دخولها الى مناطق في المملكة ربما لن يكون افضل، وهنا تكمن المعضلة، فهي غير مدربة على حرب العصابات، علاوة على انعدام الخبرة العملياتية الميدانية او معظمها.

انتقاد العاهل السعودي لرجال الدين والدعاة واتهامهم بالكسل مفهوم، فمعظم هؤلاء اما يؤيدون الدولة وفكرها في الباطن، ولا يريد خوض المجاهرة واما انهم ، او بعضهم، يخشون بطشها، لا يريدون ان يحسبوا على النظام وهذا ما يفسر صمت علماء كبار على هذه الظاهرة وعدم التصدي لها وتكفيرها مثلما تطالبهم السلطات.

***

لا شك ان “الدولة الاسلامية” تشكل خطرا كبيرا على القيادة السعودية وتتبنى فكرا متشددا تكفر من خلاله الكثير من مخالفيها، وتمارس القتل بطريقة يعتقد الكثيرون انها لا تتماشى مطلقا مع تعاليم الشريعة السمحاء وتتناقض مع شرط “التمكين” لاعلان دولة الخلافة، ومن بين هؤلاء شيوخ في الاردن مثل ابو محمد المقدسي و”ابو قتادة” وهيئة كبار العلماء في السعودية ومشايخ الازهر. ولكن طريقة مواجهة “الدولة الاسلامية” يحتاج الى تبني اصلاحات جذرية واتخاذ مواقف من المملكة غير بعض المواقف التي تتبناها حاليا، مثل الصمت على ذبح الاسرائيليين للاطفال في قطاع غزة وعدم الاقدام على اي خطوات جدية في هذا الصدد، فالذبح هو الذبح سواء كان بالسكين او بطائرات اف 16.

فعندما يخرج علينا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء فيها بفتوى يصف فيها المظاهرات التي انطلقت في اكثر من عاصمة عربية ضد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بانها غوغائية ونوع من “الترهات”، ويقول ان ارسال المساعدات المالية هو الاجدى، فان هذا يصب في مصلحة الاسلام المتشدد، ويدفع بالشباب الغاضب للانضمام الى صفوفه للخروج من حال الاذلال التي تعيشها الامة علي ايدي الاسرائيليين، فارسال المال وليس المجاهدين لنصرة اخوانهم في غزة عملا ناقصا في نظر هؤلاء، خاصة ان ابناء قطاع غزة لا يصلهم هذا المال بسبب السطوة الاسرائيلية وعدم اصرار الحكومات العربية التي تعلن رفضها لمساعدتهم على كسر هذا الحظر الاسرائيلي المهين ولا انساني، ومن هنا تظل اعمال التظاهر والاحتجاج هي اضعف الايمان بالنسبة للشباب العرب المحبط الذي يرى اشقائه يدبحون وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم وتنسف مستشفياتهم، بينما لا تحرك الجيوش العربية المدججة بأسلحة وطائرات حديثة ساكنا.

من حق العاهل السعودي ان يقلق من اتساع رقعة “الدولة الاسلامية” و”انتصاراتها” ولكن خطط المواجهة التي يقترحها، اي حصرها في رجال الدين فقط، ستكون غير فاعلة حتى لة تخلى هؤلاء عن كسلهم وصمتهم، فالامر يحتاج الى عملية تغيير واسعة تشمل اصلاحات وسياسات ترتقي الى مكانة المملكة وواجباتها.

رأي اليوم