fbpx
المؤتمر الجنوبي الجامع ( الممكن المستحيل)
شارك الخبر
المؤتمر الجنوبي الجامع ( الممكن المستحيل)

كتب –  المحرر السياسي لصحيفة “يافع نيوز ” الورقية  :

عادة  يوجد في الثورات وفلسفاتها، وسياساتها، هدف واحد وآليات عمل تكتيكية متعددة ، كما يوجد قيادة موحدة وليس قيادي واحد ، ومكونات منسقة فيما بينها وليس مكون واحد .

ويحدثنا التأريخ عن تجارب دمج فاشلة حدثت في الحركات الثورية إبان النضال من اجل تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني منتصف القرن الماضي .

ومؤخراً كثر الحديث عن ( المؤتمر الجنوبي الجامع ) الذي بذلت لجنته التحضيرية جهودا مضنية على مدى ستة أشهر ماضية ، وظهرت أصوات رافضة ومواقف معارضة ومنتقده له بشدة ، وبالمقابل أصوات ومواقف داعمة له بقوة على الساحة الجنوبية وخاصة فيما يخص المكونات المتمترسة خلف ثورة الشعب الجنوبي التحررية.

ومن ذلك تتجلى بوضوح، مؤشرات التمترس خلف البعد السياسي للقضية الجنوبية والثورة الشعبية، دون النظر الى مستويات موازين القوى ضمن المعادلة ( الثوروسياسية الجنوبية ) وتفاصيل البقاء والحركة والفعالية، أي ما يعني وجود خيارات ربما تكون غامضة لا يريد كل طرف التنازل عنها، وبالتالي إهدار الفرص التأريخية وجعل الثورة الجنوبية كقطار يسير دون قائد  .

ويمكن حصر الرفض والقبول لهذا المؤتمر الجامع، بين فئة ( مكونات )  تسير بحيطة وحذر متخوفة من سحب البساط عليها، لصالح حامل سياسي جنوبي جامع، وكذلك خوفها من الانطلاق بالجنوب إلى وجهه غير محددة ، وبين فئة ( مكونات ) تريد ان تقدم ما تستطيع للجنوب، معتمدة على إفرازات المرحلة الثورية الحالية، وضروراتها،  لكنها لم تحدد خارطة طريق مقنعة للجميع .

كما لا ننسى العامل الخارجي السياسي والاستراتيجي، الذي يشكل ايضاً رقما مهماُ في معادلة العمل التكاملي، وخلق التئام سياسي وثوري في الجنوب .

لهذا تتعلق مشكلة المؤتمر الجنوبي الجامع، بمدى الحفاظ على البعد السياسي الداخلي والخارجي للثورة الجنوبية، في ظل وضع خطير ومرحلة باتت تنذر بتغيرات غير متوقعة في المسار والنهج ، أو على أقل تقدير انحدار متدرج الى مراحل قد تجاوزتها الثورة الجنوبية، وذلك نتيجة توسع فجوة ( اللا ثقة ) وانحسار المد الشعبي الثوري وفعله، كمؤثر طبيعي نتيجة انقسامات جديدة ، او فرز جديدة يتمترس خلفه الرافضين والمقتنعين بالمؤتمر الجنوبي الجامع .

وعوضا عن الفشل الذي سطرته مكونات الحراك الجنوبي ” الثورة الجنوبية التحررية ” وعجزها عن خلق الوفاق السياسي، إلا ان الأخطر من ذلك هو استدعاء خصومات سياسية مندثرة، لتطبيقها او وضعها كبراويز حزبية ضمن الثورة الجنوبية، التي باتت تحمل بداخلها، نتيجة غياب العمل التنظيمي والازدواج، متضادات ومتناقضات يبدو ان بعضا منها غير بريئة .

كما يعتبر بقاء مكونات الحراك الجنوبي قابعة خلف أوهام التفرد بالثورة والمسك بزمام قرارها وتوجيهها، وإقصاء أطرافا آخرى ،خطرا ينتج بقوة استمرار التباينات والجمود في تلك المكونات ، ويجعلها أمام حقيقة، ما يمكن وصفه ( انتظار ما تقدمه – صنعاء – من سياسيات وأفعال ، تجاه الجنوب وثورته )، ومن ثم عمل ( لا شيء ) غير الانكفاء على الذات، والاكتفاء بالبيانات الشاجبة والمنددة، أو اللاغية لتحركات هدفها  لملمة الشمل الثوري مثلما يحدث مع ” المؤتمر الجنوبي الجامع ” اليوم  .

صحيح انه من الطبيعي في العمل السياسي أن تختلف وتتباين الأطراف في ظل مناورات يراها كل طرف مجدية، لكن في العمل الثوري وخاصة في مرحلة  مثل التي يمر بها الجنوب اليوم ، يجب ممارسة السياسة من منطلق الممكن والتكتيك، بما يعزز مواقف وصمود الشعب الجنوبي وتنسيق أو التئام مختلف فئاته على قاعدة استعادة دولة الجنوب وهو الهدف الشعبي المنشود .

كما انه من المنطقي القول، أن للظروف الموضوعية التي عاشها ويعيشها الجنوب تبريراتها في أن يقع في مثل هذه الأزمات السياسية الداخلية، لكن ما لا يبرره احد هو جعل تلك التباينات هدف بحد ذاته، او منطلق تبريري للغباء السياسي الحاصل فعلاً، او ما يجدر وصفه بــ( العجز السياسي)، وهو ما أبرز بجلاء انعدام التكتيك السياسي ومن ثم عدم الالتقاء عند خطوط ومسارات واحدة ” قواسم مشتركة ” تستطيع خلق ( قيادة موحدة)، مما يشكل خطرا محدقا بالثورة الجنوبية ويكون سببا رئيسياً لإضعافها ومن ثم تشتيتها، وربما تصفيتها، لا سمح الله – أي ما يعني إضعاف جميع مكونات الثورة منفردة ، والسير نحو إعادة الجنوب وشعبه الى حظيرة جديدة قديمة وقبضة عسكرية غاشمة تجعل الجميع مستهدفون دون التفريق  .

ولهذا فالمؤتمر الجنوبي الجامع، بات منصدماً بعراقيل نخبوية، تحول دون تمكنه من إيجاد حامل سياسي لثورة الجنوب،  لكنه قد يحرك الجهود الدائرة حول الفكرة الساعية الى خلق ( حامل سياسي موحد )، خاصة اذا أتم المؤتمر الجامع مؤتمره، بمن أيدوه من الشخصيات والمكونات في الساحة، غير ان هناك من يتخوف من وجود حالة من الفرز الجديد، والتي ربما قد تدخل في مآلات زيادة تصدع الجبهة الداخلية للثورة الجنوبية ، ونبش الصراع الحزبي الماضوي، وتوسيع فجوة التباعد بين المعارضين والداعمين للمؤتمر الجامع ومن ثم دخوله تحت وصف ( الممكن المستحيل) .

ومع كل ذلك، فإن بعضا من النخب الجنوبية بقيت ممسكة للعصاء من الوسط، فلا وافقت على المؤتمر الجامع، ولا انخرطت ضمن ” الجبهة الوطنية الجنوبية ” التي أنشأت مؤخراً بنفس مكان وقيادة ” المجلس الأعلى للثورة الجنوبية “.

وعلى ما يبدو ان الشعب الجنوبي الذي يملك كلمة الفصل في أي مشروع او حلول تطرح للقضية الجنوبية، او حتى إيجاد من يمثله، بات هو الأهم في مسلسل التطورات، والذي بحت أصواته للمطالبة بحامل سياسي موحد تنخرط فيه كل مكونات وفئات الثورة الجنوبية التحررية، على أساس وفاق سياسي شامل، ليكون صوت الثورة وقيادتها ،وهو ما لن يتحقق إلا بالكف عن تغريد بعض المكونات خارج السرب والتوقف عن خلق العراقيل أمام جهود الالتئام التنسيقي، وليس الدمج .

 

 

أخبار ذات صله