fbpx
جدل العصيان بين الاحتلال واللا احتلال

 

بقلم | محمد بن ماضي

تعرِّف المادة الثانية والأربعين من قواعد “لاهاي” لعام 1907 م الاحتلال على النحو التالي:

“تعتبر الأرض محتلة عندما توضع عملياً تحت سيطرة الجيش المعادي , ويشمل الاحتلال فقط الأراضي التي تم فيها تأسيس تلك السيطرة وأمكن مزاولتها”

ساد الجدل مجالس ومنتديات مجتمعنا لأسابيع عدة على أثر العصيان الذي أقرته قوى التحرير والاستقلال كوسيلة من وسائل التصعيد النضالي ضمن الهبة الشعبية والتي للأمانة أصابت نشاطاتها مؤسسات النظام بالشلل وان كان جزئي خصوصا في مجالات عدة اهمها الطاقة .

ولعل العصيان الذي شمِّل المؤسسات التعليمية كان أكثر ما أثار بيزنطية المعترضون ان تسبب بإرجاء العملية التعليمية لأسبوع حرصاً على سلامة الطلاب اثناء تحركاتهم خلال فترة العصيان الذي استمر لأسبوع , وحسب علمي لم تكن هذه المرة الأولى ولا الأطول .. فلقد تم تعليق الدراسة وكامل المصالح الحكومية على أثر صراع صنعاء في 2011م لفترة طويلة جدا ..

وفي الحقيقة ان أمر تعطيل الدراسة او ( تأجيلها ) لأسبوع يستحق النقاش لأهميته .

وفي الراجح ان الأمر لا يخرج عن رأيين ينطلقان من منطقين متناقضين ..

وللإحاطة بهذه الظاهرة البيزنطية التي عصفت بمجتمعنا لأسابيع ومناقشتها مناقشة واقعية ينبغي أولا الإجابة على إحدى أكبر علامات الاستفهام .. التي لا يزال فريق “ضئيل” من نخبنا يتهرب من الإجابة عليها ..

هل أرضنا وشعبنا تحت الاحتلال أم لا ؟

ومتى ما توافقنا على تشخيص حالتنا بشكل سليم وصحيح فأعتقد ان الكثير من الخلافات ستتلاشى ان لم يكن خلف الأمر ما هو أكبر من الجهل البريء بالأمر عند من يريدون أن يصوروا المشهد ليبدو كأنما منقسما الى فريقين ..

الفريق الأول ( الأغلبية الساحقة ) يؤمن بأن بلادنا تحت الاحتلال ويتمسك بحقه في التحرير والاستقلال ولا يرى أن تأجيل الدراسة والعصيان وغيرها من الأساليب النضالية أكثر من مجرد تفاصيل أمام موضوع الاحتلال الهمجي الممنهج وأهدافه التدميرية للتعليم والمجتمع والإنسان والبيئة بشكل عام .. 

أما فريق الأقلية التابعة ( لا إحتلال ) والذي تقوده عناصر حزبية يمنية في الغالب وهم فئة صغيرة كماً ولا يرون ان ما يحدث في مجتمعنا من سلبيات .. جزء من مخطط أو برنامج ممنهج من قبل “المحتل” الذي ينكرون وجوده أصلا .. ويرون ان ما نحن فيه من حالة فوضى ودمار مجتمعي هي حالة فشل تسببت بها أخطاء إما فردية او نظامية وأحيانا يعلقونها على “الظروف” السيئة .. وهم ونظامهم الذي ينتمون اليه لم يكونوا سبباً في تلك الظروف .. حتى “شفط الثروات الطبيعية” يرونها حالات فساد من المجتمع أو افراد منه .. فهم كما أسلفنا لا يعترفون أصلا بوجود “المحتل” ولا أي مخططات ممنهجة كما يدعي الفريق الأول .

في الحقيقة .. لم يكن العصيان هو السبب الرئيسي في الجدل الدائر ولا حتى تأجيل الدراسة كما “ينقنقون” بل هو خلاف مجتمعي أساسي في “مانشيت الموضوع” فلو اتفق كلا الفريقين ان البلاد تحت احتلال عسكري بدأت فصوله عند غزو جيش دولة جاره سيطرت عليها  “عصابة 7 يوليو” لوجب على المجتمع بكامله رمي ما بأيديهم من ادوات وكتب وأقلام وموبايلات وتوحيد الجهود والطاقات لتحرير الوطن من براثن هذا المحتل .. واستعادة الحرية والسيادة .. ورد الفعل هذا يكاد يكون غريزياً عند كل الشعوب الحيّة  ..وهذا الواجب الطبيعي والمحتم الذي يتهرب منه الفريق الثاني الذي وجد في عدم اعترافه بحالة الاحتلال سبيل للهرب من مسئولياته .

بين الحالتين وجد الإنسان البسيط في الشارع نفسه أمام جدلية لا تنتهي وارتباك ناتج عن شرخ بين النخب الوطنية من جهة والنخب التابعة للنظام من جهة اخرى .. في تعريف الحالة .. وأن كان شارعنا الذي يعد مخزون الثورة وعصب النضال وإمداده بمئات الملتحقين يوميا على أثر القهر والغبن الاستبداد الذي يعانوه عندما يصحون كل يوم على حقيقة ان لا خلاص لهم إلا بالنضال حتى التحرير والاستقلال قد حسم امره بالأغلبية الساحقة لصالح الوطن فشارعنا قد امتاز بوعي فاق بمراحل وعي بعض النخب السياسية التي مازالت مرتهنة لنظام الاحتلال اليمني وتتهرب من واجبها في جدال لن ينتهي حول ماهية الاحتلال بلغ حد النكران .. ان قبلنا بذلك ان يكون وعياً ..

الاحتلال العسكري هو عملية استيلاء “دولة” او “تحالف” على كل او بعض من أراضي دولة أخرى من خلال عمليات حربية وهو شكل من أشكال الاستعمار وأكثرها إثارة لغضب اللشعوب وينتج من هذا الاحتلال .. الاستيلاء .. والانتفاع .. والسيطرة على الموارد الطبيعية .. والمساحات الجغرافية .. والسيطرة على ( الفكر الشعبي ) والتلاعب به .. سواء بالقوة او غير القوة .. مع اشتراط ان يستقر في وجدان ذلك الشعب المسلوب بان ما يحدث هو احتلال .. ويحق للشعب المحتل ان يمارس حق المقاومة ضد من يحتل أرضه بأي “شكل” أو “وقت” وتحت أي ظرف .. وتضمن المواثيق الدولية للمقاومة ان لا تصنف أعمالها من قبيل الارهاب إطلاقاً حتى يحصل الشعب على استقلاله بشكل كامل ..

 

إكذوبة (الجنوبيين يحكمون اليمن) ..

ليس صحيحا ما تدعيه النخب المؤيدة للنظام في صنعاء بأن ثمة تغيير حصل في 27 فبراير 2012  نتيجة تسليم صالح “الشمالي” السلطة إلى هادي “الجنوبي” وهو ما يتشدق به اليوم الكثير من مسوقي السياسة اليمنية بادعائهم ( ان اليمن يحكم اليوم برئيس جنوبي ) إلا ان هذه الصورة مناقضة للحقيقة .. فالمحتل الحقيقي الذي احتل بلادنا في حرب صيف 1994م ليس ( الأخ اليمني الشمالي ) وإنما هو (تحالف 7 يوليو 94 ) او ما كان يطلق على نفسه آنذاك مسمى ( قوات الشرعيه ) وهم مجموعة شركاء ممن غدروا بإعلان الوحدة وانضم اليهم اللصوص والمتطرفون والخونة .. فكونوا تحالف او ائتلاف نستطيع ان نسميه (تحالف 7 يوليو ) وهم لا يزالون يمسكون بالحكم في اليمن حتى اليوم .

ولا احد يستطيع ان ينكر ان الحوار الوطني المزعوم في صنعاء كان حوار بين اطراف سياسية مختصمة ولم يكن للشعب اليمني منها سوى نصيب القطه بين الاسود .. فالحصة العظمى من مقاعد هذا الحوار وزعت بالتحاصص بين المكونات السياسية المتشاركة في حرب صيف 94 والتي تناحرت فيما بينها على الثروة في 2011 .. وجزء آخر من المقاعد أعطي للرئيس الذي هو بدوره جزء من تحالف 7 يوليو .. أما الشعب الجنوبي فقد اتخذ قراره في مليونية مارس 2013 والتي لقيت تغطية إعلامية جيدة برفض المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ..

 

كل الدلائل تشير لوجود احتلال ..

ولا أدّل على هذا من اعتذار الحكومة اليمنية لشعب الجنوب في 21/8/2013م .. التي سبقها اعتراف واعتذار من الجنرال علي محسن الاحمر 27/4/2013م .. كما لا يبدوا ان الاحتلال اليمني ينوي على تغيير شيء في أمر وجوده في عهد الرئيس الحالي (الذي لم يقدم اعتذاره بعد) بل تدخل في إرادة فريق المتحاورين الجنوبيين خلال فترة الحوار عندما غيّر وبدّل الاشخاص لتمرير أجندة مغايرة .. مع الأخذ بالحسبان ان شعب الجنوب قد تبرأ من حوارهم قبل انعقاده بفترة طويلة لإدراكه ان هذا الحوار لا يمكن ان يخدم رغبات وإرادة شعبنا .. واعتبر من ذهبوا للحوار خارجين عن الارادة الشعبية ..

فهل بعد كل هذا يا سادة .. نجد من ينكر وجود الاحتلال ؟

وهل بات هناك من يشك بأن القضية ليست قضية وطن مسلوب تسوّغ كل القوانين والأعراف له مقاومة المحتل وصدّه وهزيمته بكل الوسائل المشروعة بما في ذلك وسيلة العصيان ..

لقد آن الأوان لإخوتنا المنتمين إلى الأحزاب اليمنية أن يعودوا إلى فحوى السؤال ويتأملوا ملياً .. ثم لابد وأن يقرروا الإجابة القاطعة على سؤالنا ..

هل أرضنا وشعبنا تحت الاحتلال أم لا ؟

محمد بن ماضي

30/1/2014

hdrmut.net@gmail.com

تويتر: @mohamme