fbpx
هل من سبب لخطاب الشيخ الزنداني الناعم؟

محمود السالمي

لاشك في أن نبرة الشيخ الزنداني الناعمة هذه المرة تجاه الحوثيين، وإقراره بانهم تعرضوا للظلم والتهميش في الماضي، وانه يجب منحهم الخمس من المكاسب، وكذلك اعترافه بالظلم الذي وقع بالجنوب ودعوته للفصل السريع في تلك الظالم، تحتاج لتتأمل والتفكير، فاذا افترضنا فيها حسن النية فلا ريب في أنها تستحق التشجيع التقدير، لكنها مع ذلك لن تغلق عليه  الباب من توجيه النقد والتشكيك بمواقفة السابقة بسبب صمته الطويل على تلك المظالم، وخصوصا أنه رجل دين، وزعيم أكبر هيئة دينية لورثة الانبياء والرسل في اليمن، الذين يفترض بهم ان لا يسكتون عن الظلم والمنكر، وأن لا يخشون في قول كلمة الحق لومة لأئم. ومع ذلك كيف لنا أن نصدق أن تلك النبرة التصالحية مع صعدة والجنوب فعلا صحوة ضمير متأخرة، وأنها لوجه الله، ومجردة من أي مآرب أو نوايا غير حسنة.

وعموما فالخوض في مواقف الشيخ الزنداني، وخصوصا فيما له علاقة بسياسة السلطة السابقة، لا يحتاج لمهارات خاصة، ولا حتى لذاكرة قوية، فمعظمها مواقف معروفه وواضحة حتى وأن زينها البعض أو أضاف لها قليل أو كثير من الرتوش. فموقفه من الرئيس السابق الذي حمله المسئولية عن تلك السياسات الظالمة، كان معروف للجميع ولا يستطيع مهما فعل أن يعيد رسمه من جديد بالشكل الذي يريده، فالحقيقة هي انه كان داعم له بقوة، ومشرع له كل سياساته، وتعديلاته المتعددة للدستور، ولعل أوضح مظاهر ذلك الدعم تجلت بمساندته له في الانتخابات الرئاسية في 2006م، بصورة عكست مخالفته حتى لحزبه، الذي وقف حينها ضد الرئيس، وقدم منافس له في تلك الانتخابات. ولذلك من الصعب على أي عاقل أن يهضم فكرة أن الشيخ الزنداني كان غير راض عن سياسات الرئيس الذي ظل يدعمه بكل قوه.

 كما أن موقف الشيخ من حروب صعدة كانت واضحة أيضا، ولا تحتاج لمجهر خاص لتكبيرها، فقد كان له ولبعض المحسوبين عليه دور في ذلك الشحن والعداء الطائفي الذي شهدته صعدة وغيرها من المناطق ضد الجماعات الدينية التي كانت تخالف فكرهم، وعندما اندلعت حروب صعدة كان من اشد المحرضين عليها، ومن أشد المعترضين حتى على وقفها، ولعب من خلال الهيئة التي اسسها حينها بدعم من الرئيس السابق لذلك الغرض والتي عرفت باسم ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) دور كبير في صب مزيد من الزيت فوق نار ذلك الحريق المذهبي الذي كانت تشتوي به صعدة، وبلغ النقد والسخرية ببعض الساسة والكتاب من موقف تلك الهيئة من الحرب حد وصفوها بهيئة ((الأمر بالحرب والنهي عن السلم)).ولا يستطيع أي مدافع عن الشيخ الزنداني مهما بلغت حذاقته أن يداري مواقفه تجاه الجنوب التي بدأت منذ اللحظات الأولى للوحدة، والتي مازالت تحتفظ بها بعض أشرطة الكاسيت، وصفحات الصحف، ومع أنه قد التبس على الكثير في ذلك الوقت، وفي الجنوب قبل الشمال، التمييز بين الأهداف الدينة والسياسية لتلك الحملات المختلفة التي وجهت نحو كل شيء كان قائم الجنوب، وخصوصا وأن الحزب الاشتراكي الذي كان يحكمه، والذي كان له أعداء كثر، كان يتهم بالشيوعية ومعادات الدين، غير أن نتائج حرب 94 التي ساهم الشيخ الزنداني في توفير غطائها الديني، وفي التحريض لها في معظم معسكرات الشمال، قدمت توضيح جلي لمن كان مخدوع بدوافعها، فلم يدفع ثمنها ولم يتجرع مرارتها لا الكفار والمرتدين ولا حتى الحزب الاشتراكي الذي يفترض أن الحرب قامت ضده، والذي تحول بعد وقت قصير منها إلى حليف استراتيجي لحزب الشيخ الزنداني، وانما الجنوب كله، بكل أرضه ومناطقه وفئاته وقواه وموظفيه ومؤسساته ووكالاته العامة والخاصة، وحتى اكشاك وصنادق البسطاء فيه.

وطبعا في وسط كل تلك المعاناة والتعسف والنهب والسلب الذي تعرض له الجنوب عقب تلك الحرب، لم ينطق الشيخ الزنداني حتى بكلمة حق واحدة تجاه كل ذلك الجور الذي كان يطحن الناس في الجنوب، وكأنهم من كفار المجوس أو من يهود بني غريضة، بينما كان هو وحزبه يقودون الحملات ويجمعون التبرعات ويخرجون المسيرات للتضامن مع العراق وفلسطين والبوسنة وكوسوفو وغيرها، والأكثر من ذلك أنه كان واحد ممن حصل على نصيبه من غنائم الفاتحين الجدد، التي أسس بها شركته البحرية المعروفة. وحتى لا نطيل الحديث في أمور نعتقد أنها واضحة للجميع فإننا نكتفي بالإشارة إلى آخر مواقفه غير المنصفة من قضية الجنوب وهي تلك الفتوى التي أصدرها العام الماضي والتي ربط بها الوحدة بالدين وحرم بها حتى الفدرالية بوصفها تنتقص من الوحدة، وذلك في محاولة منه لقطع الطريق على الحلول التي بدأت تطرحها حينها بعض القوى السياسية المتمسكة بالوحدة، لقضية الجنوب.

 والخلاصة هي أن مواقف الشيخ الزنداني تتأثر بدرجة رئيسية بطبيعة المناخ السياسي السائد، وقوة اللاعبين فيه، فقد كان مع الأمام أحمد عندما كان يسيطر على الجن قبل الأنس في الشمال، وله قصيده طنانة رنانة في مدحه، ما زالت تحتفظ بها صحف ذلك الوقت، وعندما تهاوى نظامه ترك الأئمة وترك مذهبها. وكان مع الرئيس السابق عندما كان قوي وممسك بخيوط لعبة السياسة والسلطة، وعندما شعر أن نجمه شارف على الغروب، وقف ضده بنفس القوة التي كان قد وقفها  معه، حتى يضمن مكانته وتأثيره في العهد الجديد. وهو الآن يغازل الحوثيين ليس لأنهم على حق، وإنما لأنهم أصبحوا يمثلون قوة صاعدة تهدد مستقبل القبيلة والجماعة التي ينتمي لها بعد أن أصبحوا على مشارف عمران. ويحاول أن يتصالح مع الجنوب ليس لتعزيز الوحدة الوطنية، وإنما لأن فيها حراك شعبي قوي أصبح يشكل خطر على مصالح مراكز النفوذ الشمالية فيه التي ينتمي لأحداها.