fbpx
احذروا ثورة الجياع

 

كتب – د. عيدروس نصر النقيب.
ملامح المجاعة العامة في البلد تتبدى منذ أشهر وربما منذ سنوات، عقب هجرة الشرعية إلى الخارج وتخليها عن أية وظيفة من وظائفها التنفيذية والخدمية والقضائية والنيابية، بل  وحتى الأمنية والدفاعية، دعكم من مسرحيات هنا وهناك ينفذها بعض المسؤولين لالتقاط الثور، وهذا بطبيعة الحال لا ينفي الأدوار البطولية التي يقوم بها المقاومون المتطوعون من أبناء المديريات التي تواجه المشروع الإيراني المقيت في بعض مديريات مأرب والبيضاء والحديدة، إلى جانب المقاومة الجنوبية في مناطق الضالع والمسيمير والصبيحة ولودر والتي تحقق انتصارات يتم السطو عليها وتقديمها على إنها انتصارات لـ”الجيش الوطني” الغائب دوماً.
ليس هذا موضوعنا،
نحن نتحدث عن مجاعة جماعية أخذت في التفاقم خلال الأشهر الأخيرة وتوشك أن تشمل كل الفئات الاجتماعية باستثناء كبار الملاك وأصحاب المداخيل العالية المشروع منها وغالبا غير المشروع، وهؤلاءِ لا يشكلون 5% من المجتمع.
أحد الموظفين الحكوميين من عدن قام بعملية حسابية لخص مضمونها أنه لو قرر اقتصار طعامه وأفراد أسرته على الخبز (الروتي) والماء للوجبات الثلاث يوميا فإنه يحتاج إلى 65 ألف ريالٍ يمني في حين راتبه الشهري ستين ألفاً (ومنقطع من عشرة أشهر)، ما يعني أنه استثنى من الحساب قيمة الدواء ولوازم المدرسة للأولاد والبنات والمواصلات لو أراد التنقل داخل عدن فقط أما لو نزل عليه ضيف من أصدقائه أو أهله فإن الكارثة ستحل عليه بنهاية الشهر، .  .  . ولماذا نهاية الشهر وهو يعيش أصلا حياةً كارثيةً كل يوم!!؟
كنت في عدن منذ أسابيع، وتصادف إنني كنت أطلب من ابني الصعود إلى السيارة، ولا أدري لماذا خاطبته بالإنجليزية رعم إنني أفضل التحدث معه ومعه أخيه بالعربية وهما كذلك يفضلان العربية فسمعت ورائي صوتا نسائيا يقول لمحمد بالإنجليزية Yes Listen  what dad says, Mohammed     ، فالتفتت لأرى متسولة استوقفتني وهي تتحدث الإنجليزية بطلاقة ويسر وعرفت منها أنها موظفة حكومية سابقة أخرجت من عملها منذ 1994م وفقدت مصدر معيشتها.
قالت لي أنا خريجة جامعة عين شمس منتصف السبعينات ، وعملت في عدة مرافق حكومية بين مدرسة ومترجمة، واليوم سدت أمامي أبواب العيش، ولم أجد غير التسول لأعيش.
أمثال هذه الحالة بعشرات الآلاف والعدد في تزايد كلما انهارت قيمة العملة اليمنية وتشامخ أمامها الدولار والريال السعودي وبقية العملات.
المجاعة لم تعد قادمة، بل لقد اكتسحت كل البيوت، وصار من يفوز بلقمة عيش خفيفة في اليوم محظوظاً وعما قريب لن يعود بمقدور الذين يتضورون جوعاً السكوت على حالهم وهم يرون المليارات تتدفق على القلة القليلة ممن يتحكمون في صناعة القرار ونهب الثروات وتقاضي المرتبات المهولة بالعملة الأجنبية، والتعيش والإثراء على حساب جوع ومعانات هؤلاء المعدمين.
قيل قديماً “الجوع يصنع التّمرُّد والثورة” وكان ذلك قبل ثورة المعلومات وموجة التواصل الاجتماعي التي جعلت المعلومة تنقل خلال ثواني من حصول الحدث، وقد تعلم الجوعى في هذا البلد أن طعامهم يأكله قادتهم الذين ينعمون بالرفاه الفائض على التصور، وينفقون عشرات الآلاف من الدولارات وتذاكر السفر والإقامة لعلاج وجع الأسنان أو بدايات البواسير، فهل هناك من مغفل يعتقد أن ملايين الجوعى سيسكتون إلى الأبد.
بالأمس قرأت تغريدة مختصرة لصحفي من أعرق صحافيي عدن المحترمين، يقول فيها إننا نموت جوعاً، لم يشكُ الرجل انقطاع الكهرباء، الذي صار روتينا يومياً، ولا انعدام الدواء الذي صار من علامات البذخ والفخفخة، ولا ارتقاع أسعار الوقود الذي أصبح صداعاً يومياً لأصحاب المركبات وأكثر منهم للركاب المضطرين للتنقل، كل هذه الأمور يمكن للمرء أن يتحمل آلامها وتبعاتها الموجعة، لكن كيف يتحمل انعدام الطعام؟
المظاهرات التي شهدتها بعض المدن الجنوبية منذ أسابيع خلت لم تكن مؤامرةً من أحد، وإن تسلل إلى بعضها قلة من الموتورين وهواة التخريب، لكن المواطن الجائع لا يهمه موضوع التسلل من عدمه فله نظرته وفلسفته التي للأسف لا يفهمها معظم السياسيين الجهلة والمغرورين.
ليس مخيفاً أن ينتفض الجياع سلمياً ويطالبون بحقوقهم ويجبرون من يسرق اللقمة من أفواههم على إعادة هذه اللقمة إلى صاحبها، لكن المخيف، لكل ذي ضمير حي، وما زلنا نفترض أن سياسيينا ما يزال لديهم بقايا ضمير، أقول أن المخيف أن تتحول تلك الانتفاضة إلى حالة من التمرد الخارج عن السيطرة، وهنا سيختلط الحابل بالنابل وقد تقفز إلى الواجهة جماعات منحرفة ومتطرفة وربما فوضوية أو مستخدمة من قبل قوى خارجية لا تريد خيراً لهذا البلد الكريم العفيف الزاهد أهله.
يا صناع القرار
دعو المماحكة وتبادل الاتهامات وتداركوا الأمر قبل أن يفلت من أيدي الجميع، فالطوفان إذا ما انطلق سيجرف الجميع وسيصل إلى قصور النازحين وفنادقهم الراقية وأرصدتهم المودعة في بنوك أوروبا وآسيا وأميريكا.
للتذكير:
لم تكن حركة طالبان إلى كابول وتستلم إدارة حكم أفغانستان من جديد لولا فساد وعجز وشيخوخة حكومة أشرف غني التي ظلت تتغذى على “الدريب” الأمريكي، (مع إنها بقيت داخل كابول ولم تهاجر) وعندما سحب الأمريكيون أنبوب التغذية، خارت على الأرض ميتةً ودخلت طالبان بكل ما ستجلبه على الشعب الأفغاني وعلى العالم من شرور وبلاوي قد لا تخطر على بال الكثيرين من سياسيينا (الفحول).
والله من وراء القصد.