fbpx
عبدالرزاق قرنح روائي تنزاني جذوره الحضرمية أوقدت جذوة إبداعه
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

استيقظ سكان مدينة الديس الشرقية بمحافظة حضرموت  على خبر فوز أحد أبناء المهاجرين من هذه المدينة بأرفع جائزة أدبية في العالم.

 

قلة من سكان المدينة الساحلية الوادعة من المثقفين كانوا يعرفون شيئا عن ابن سالم قرنح المهاجر الحضرمي الذي شق عباب البحر ضمن إحدى موجات الهجرة من سواحل حضرموت إلى شرق أفريقيا ليستقر في زنجبار أو ما تعرف اليوم بتنزانيا في أربعينات القرن الماضي، حيث ولد عبدالرزاق في العام 1948 من أم حضرمية كذلك هي سلمى عبدالله باسلامة التي أهدى إحدى رواياته إليها لاحقا.

الهارب من العنصرية

لم يطل المقام به في موطنه الجديد، حيث لاحقته كغيره من العرب وخصوصا العمانيين والحضارم في زنجبار نيران العنصرية التي شبت في زنجبار بدءا من العام 1964 وتحولت في بعض فصولها إلى مجازر تصفية ذات أبعاد عرقية، دفعت بابن المهاجر الحضرمي ليواصل مسيرة الهجرة التي بدأها والده، ولكن هذه المرة إلى بريطانيا التي وصل إليها في العام 1966، حيث تشرب الأدب والثقافة الإنجليزيتين وأصبح أحد الأقلام البارزة في التعبير عن معاناة اللاجئين وقضايا الهجرة والعنصرية التي اكتوى بنارها.

 

وفي مزيج من الثقافة السواحلية التي قدم بها قرنح من زنجبار والثقافة البريطانية التي تشربها في محطته الجديدة، بالإضافة إلى ظلال ما تبقى من ذاكرة الأساطير والحكايا الشعبية العتيقة التي ورثها من ذاكرة والديه الحضرميين، تشكلت هوية الشاب المفعمة بالقصص والحكايات الإنسانية التي اكتسبها من محطات حياته المثقلة بالتحولات.

صقل قرنح شغفه بالقراءة والكتابة من خلال الانخراط في العمل الأكاديمي، وتدرج في المناصب العلمية، حيث عمل بين عامي 1980 – 1982 محاضرا في جامعة “بايرو كانو” في نيجيريا، وحصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي ليصبح أستاذا في جامعة كنت البريطانية ورئيسا للدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة، في الوقت الذي حافظ على صلته العميقة بالكتابة الأدبية التي توجها بعشر روايات على الأقل هي على التوالي ”ذاكرة المغادرة“، ”طريق الحج“، ”دوتي“، ”الجنة“ والتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزتي البوكر ووويتبريد، ”الإعجاب بالصمت”، ”عن طريق البحر“، ”الهجر”، ”الهدية الأخيرة“، “القلب الحصى“، ”الحياة بعد الموت“.

وقد توج ابن المهاجر الحضرمي القادم من سواحل حضرموت الجنوبية إلى سواحل بريطانيا مرورا بسواحل أفريقيا، مسيرته في السابع من أكتوبر 2021 بالفوز بجائزة نوبل للآداب التي منحته إياها الأكاديمية السويدية مبررة ذلك ببيان تضمن حيثيات فوزه بهذه الجائزة الرفيعة التي قال بيان اللجنة المانحة إنه استحقها “لتعمقه المتجذر وغير المسبوق في آثار الاستعمار ومصائر اللاجئين في الخليج الواقع بين الثقافات والقارات”.

 

وتدور معظم روايات قرنح حول تجربة المهاجرين التي عايشها منذ قدومه شابا إلى بريطانيا، وهي التجربة التي وثق بعض جوانبها من خلال رواياته الثلاث الأولى “ذاكرة المغادرة”، “طريق الحج” و”دوتي”، بينما تدور أجواء روايته الرابعة “الجنة” في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى. أما رواية “الإعجاب بالصمت“ فتحكي قصة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا، حيث يتزوج ويصبح مدرسا، ثم يتأثر موقفه تجاه نفسه، وتجاه زواجه، في زيارة العودة إلى وطنه الأصلي، بعد 20 عاما.

خيوط  رفيعة

لا يربط قرنح اليوم بمسقط رأس والده في مدينة الديس بمحافظة حضرموت الجنوبية، إلا بقايا منزل والده القديم وبعض الذكريات العائلية التي يحتفظ بها أقارب المهاجر الحضرمي، إلى جانب بعض من الخيوط الرفيعة التي مازال يحتفظ بها قرنح من أحاديث والديه عن البلاد التي قدما منها، والتي أشار إليها في حوار مع صحيفة ”المدى“ العراقية في العام 2008 عندما ذكر جذور والده الجنوبية، وحفظه للقرآن من دون إجادته للغة العربية، وبالرغم من ذلك كله، يبدو أن ثمة رابطا أقوى مما يبدو بين قصة قرنح منذ هجرة والديه من حضرموت وحتى حصوله في العام 2021 على جائزة نوبل للآداب، بفضل نتاجه الأدبي الذي يدور حول مفاهيم الهجرة التي كانت ولازالت شقا أصيلا في حياة وثقافة الجنوبيين عموما والحضارم على وجه الخصوص، والذين خاضوا غمار البحار في رحلات متتالية شرقا باتجاه الأرخبيل الهندي وغربا نحو سواحل أفريقيا الشرقية والجنوبية منذ مطلع القرن الماضي وقبل ذلك.

 

ولا يبرز قرنح حالة فريدة في مسيرة التغريبة  الحضرمية على وجه الخصوص، حيث سبقه كتاب وأدباء بارزون تنازعهم الحنين للوطن أو عبروا بشكل غير مباشر عن معاناة المهاجرين وهو المفهوم الذي تدور حوله معظم نصوص قرنح وإن لم تتحدث عن الوطن الأم بقدر ما جسدت آلام الهجرة في مفهومها الإنساني الأوسع والأشمل.

وعند الحديث عن قرنح الروائي ابن المهاجر الحضرمي، تحضر نماذج مشابهة بعض الشيء لأدباء خرجوا من ذات البيئة الثقافية الطاردة والمنتجة في آن معا، ومن ذلك الأديب الكبير علي أحمد باكثير الحضرمي الأصل والهوى، الإندونيسي المولد، والمصري الجنسية.

 

كما يحضر في هذا السياق الأديب أحمد عبدالله السقاف المهاجر الحضرمي في إندونيسيا صاحب رواية “فتاة قاروت” الصادرة في العام 1927 والتي تعد أول رواية عربية في الجزيرة العربية صدرت في إندونيسيا لمهاجر جنوبي من حضرموت مات غرقا وهو في رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر إلى موطنه الأم.

 

 

 

وقد ورد في بيان الجائزة أن اختيار قرنح للتتويج بجائزة نوبل للآداب 2021 يأتي “تقديرا لسرده المتعاطف والخالي من أي مساومة ﻵثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”، كما أشاد البيان “بتمسكه المتفاني بالحقيقة وإحجامه المذهل عن التبسيط… حيث تتجنب رواياته الوصف النمطي، وتفتح أنظارنا على شرق أفريقيا المتنوع ثقافيا وغير المألوف للكثيرين في أنحاء أخرى من العالم”.

 

وإذا ما قاربنا التجربة الإبداعية لقرنح، مع تجارب أدباء جنوبيين وحضارم خاضوا مكابدة إنسانية زمنية ومكانية شبيهة، نجد قاسما مشتركا ينبع من فكرة الهجرة ومعاناتها وأعبائها الأخلاقية والنفسية، غير أن حالة قرنح تتخذ منحى إنسانيا وعالميا مغايرا في نهاية المطاف، بسبب انقطاع صلته العائلية بمسقط رأسه، مع انقطاع مواز لعلاقته بثقافته العربية، بعد أن طغت عليه الثقافة السواحلية ثم الإنجليزية التي اختارها لغة للكتابة والتعبير.

وسوم