fbpx
ليبيا العقدة الرئيسية في تسوية الأزمة بين مصر وتركيا
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

أنهت الجولة الثانية من المحادثات التشاورية بين مصر وتركيا اجتماعاتها في أنقرة يومي الثلاثاء والأربعاء ببيان فضفاض وتعليقات توحي بأن الحوارات تسير بوتيرة جيدة على المستوى الثنائي وأنها دخلت في تفاصيل عميقة جرى تفكيك الكثير من حلقاتها المتعلقة بجماعة الإخوان المصرية، وأن الخلافات على المستوى الإقليمي لا تزال بحاجة إلى المزيد من المناقشات.

 

لم يكن معروفا متى سيتم التطبيع، وما المقصود بقضايا المستوى الإقليمي الأكثر صعوبة، وهي متعددة ومتشعبة، إلى أن أدلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بحوار لوكالة بلومبرغ الأميركية بثته الجمعة، وقال إن عودة العلاقات، حال تسوية المسائل العالقة بين البلدين، “قد يكون قبل نهاية العام الحالي.. وأن القضية الرئيسية لمصر تتعلق بالتدخل التركي في ليبيا”.

 

إذن تكمن العقدة في الوجود الكثيف لتركيا في ليبيا والإصرار على بقاء قواتها العسكرية هناك وعدم سحب المرتزقة من طرابلس ما يعني أن ثمة جولات ممتدة من المحادثات بين الجانبين قد تستغرق وقتا طويلا، لأن ربط التطبيع الكامل بممارسات أنقرة في ليبيا يشي بأن موعد “قبل نهاية العام” الذي ألمح إليه مدبولي غير مقدس.

 

وقد تشكل لدى تركيا اعتقاد بأن تضييق الخناق على إخوان مصر في أراضيها سياسيا وإعلاميا سيكون مرضيا في الوقت الحالي، باعتبار أن هذا الوجود كان يمثل منغصا دائما للنظام المصري، وأن ليبيا يمكن أن تكون قضية هامشية، لأن التمركزات العسكرية التركية تقتصر على طرابلس وغرب ليبيا، أي بعيدة عن التهديدات المباشرة للأمن القومي لمصر والذي يعتبر شرق ليبيا مجالا حيويا له لا يمكن التفريط فيه.

 

أشارت المحادثات الاستكشافية بالقاهرة في مايو الماضي ثم بأنقرة في سبتمبر الجاري إلى أن حل إشكالية الوجود التركي في ليبيا لن يقبل القسمة أو المساومة بالنسبة إلى مصر، فإذا كانت أنقرة تعتقد أن تقديم تنازلات في ملف الإخوان غاية المطاف فهي مخطئة لأن استقرار تركيا في ليبيا وامتلاكها للكثير من مفاصل الحل والعقد يجعل القاهرة غير مطمئنة تماما للمستقبل في دولة عربية مجاورة.

 

عبّرت مصر عن موقفها الحاسم في قضية التدخلات في اليوم التالي لانتهاء الجولة الثانية من المحادثات في أنقرة من خلال اللجنة الوزارية العربية المعنية بالتدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، التي أكدت “عدم شرعية الوجود العسكري لتركيا في الدول العربية، وضرورة سحب جميع قواتها من دون قيود أو شروط”.

 

وأدانت اللجنة التي تضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين والعراق في اجتماعها الخميس برئاسة وزير الخارجية المصري سامح شكري “جميع أشكال التدخلات التركية في الدول العربية، خاصة في العراق وليبيا وسوريا”، في إشارة تعزز رؤية القاهرة الصارمة حيال الإجراءات التي تتخذها أنقرة في ليبيا تحديدا.

ينطوي موقف اللجنة على “فيتو” عربي واضح ومستمر على الإجراءات التي تقوم بها تركيا في المنطقة، وأن تقاربها السياسي الأخير مع كل من مصر والسعودية والإمارات لن يؤدي إلى التهاون معها، وإذا كانت تعتقد إمكانية التطبيع قبل وضع حد لهذا التدخلات فهي لم تفهم السياق العام الذي تتحرك فيه الدول الثلاث، ولعل وضع اللجنة حدا مبكرا لهذه التصورات يكون كفيلا بحثّ أنقرة على مراجعتها.

 

تحتفظ القيادة المصرية باقتناع يقول إن إنهاء الوجود العسكري التركي في ليبيا باعتباره التدخل الأخير في سلسلة من التدخلات الخشنة والسافرة في المنطقة يمكن أن يقود إلى حلحلة في وجودها الطويل والكثيف في أراضي كل من العراق وسوريا، لذلك تحاول أنقرة المماطلة والمراوغة لعدم التفريط في حضورها داخل ليبيا قبل أن تضمن تحقيق أهدافها كاملة بحكم الأمر الواقع مع أيّ حكومة جديدة في طرابلس.

 

أبدت تركيا تجاوبا ظاهرا مع مصر عندما جرى التطرق إلى الأزمة في ليبيا في الجولتين السياسيتين المعلنتين وفي الجولات الأمنية السرية غير أن مؤشرات التصرفات العملية تسير في اتجاه آخر، وتراهن فيها أنقرة على أن تشابك الأوضاع في ليبيا يجعل من تسوية أزمتها عملية صعبة ما يمنح تركيا مبررات للاستمرار.

 

تقف الأزمة الليبية على المحك حاليا، فإما أن تواصل دورانها في الحلقة المفرغة المقيتة، أو تمضي السلطة التنفيذية في طرابلس ومعها المكونات المؤثرة في البلاد، مثل مجلس النواب ومجلس الدولة وملتقى الحوار، في طريق تمهيد الأرض لإجراء الانتخابات قبل نهاية العام وفقا لما حدده مؤتمر برلين الثاني وأيده المجتمع الدولي.

 

يبدو أن رئيس الوزراء المصري ربط عن قصد استئناف العلاقات مع تركيا بإجراء الانتخابات في ليبيا عندما حدد سقفا زمنيا “قبل نهاية العام”، وهو الوقت الذي تكون تكشفت فيه ملامح تحركات أنقرة وهل ستستجيب لرغبة العديد من القوى الإقليمية والدولية التي تريد إجراء الانتخابات أم تصر على تعطيلها من خلال رفض الانسحاب وتحريض العصابات المسلحة على توسيع نطاق الفوضى.

 

مُنح النظام التركي الوسيلة التي يستطيع استخدامها لفتح مجال رحب لتطبيع العلاقات مع مصر، وأضحى موقفه النهائي من الأزمة في ليبيا هو الاختبار الذي بموجبه تمكن إعادة تقييم الموقف بين البلدين، في وقت تدرك فيه مصر أن الطريق لن يكون ممهدا أمام تركيا لتكريس وجودها على المدى الطويل في ليبيا.

 

أصبحت القاهرة على ثقة لتقويض ورقة الإخوان في إدارة العلاقات مع تركيا ولم تعد المساومة بهذه الورقة لها قيمة كبيرة، حيث فقدت زخمها المصري ثم الإقليمي بعد ما جرى في كل من تونس والمغرب والسودان، وقبلهم مصر ذاتها، وبات الدور غير مستبعد في ليبيا لتواجه نتيجة مماثلة ما يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في حساباتها مع التيار الإسلامي في هذه الدولة كفرس عوّلت عليه كثيرا لكسب رهانها في المنطقة العربية.

أخبار ذات صله