fbpx
تقرير: القصة الكاملة لمنحة المشتقات النفطية السعودية لكهرباء اليمن
شارك الخبر

يافع نيوز – سوث24.
في  31 مارس الماضي، أعلنت السعودية عن “منحة مشتقات نفطية جديدة” بقيمة 422 مليون دولار إلى اليمن، لتشغيل محطات الكهرباء بعدد من المحافظات، وبالأخص عدن.
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فإنَّ هذه “المنحة” جاءت بتوجيهات مباشرة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
ورغم تداول مصطلح “منحة” في وسائل الإعلام السعودية واليمنية، والذي يُشير في العادة إلى “الِهبة المجانية”، إلا أنَّ شحنة النفط هذه المُعلن عنها ليست مجانية، ولكنَّها مُخفضة الثمن، تدفع الحكومة اليمنية قيمتها (بسعر التكلفة) إضافة إلى تكاليف الشحن والنقل والضرائب المضافة، من إيرادات المحافظات المُستفيدة.
ويبلغ الرقم الإجمالي لشحنة النفط 1,260,850 طنًا متريًا من الوقود، 909591 منها مادة الديزل، و351304 مادة المازوت. وتشتري الحكومة اليمنية أطنان الوقود هذه بسعر السوق السعودي، مع تحمل المملكة لفرق السعر عن الأسعار العالمية، والذي يُقدّر بـ 422 مليون دولار، ضمن أعمال “البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن”.
وفي 13 إبريل، وقعت الحكومة اليمنية ممُثلة بوزير الكهرباء، أنور كلشات، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ممُثلاً بالسفير السعودي محمد آل جابر، اتفاقية توريد شحنة المشتقات النفطية، “لتشغيل أكثر من 80 محطة كهربائية يمنية”.
وتضمنت الاتفاقية عدداً من البنود التي تحدد آلية توريد المشتقات النفطية، وآلية تسديد السعر المخفض من قِبل الحكومة اليمنية.
ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ “سوث24″، فإنَّ الحكومة اليمنية تشتري طن المشتقات النفطية حالياً بعد تحمل السعودية فرق السعر عن الأسعار العالمية بـ 180 دولار، بعد أن كانت تشتريه سابقاً بما يصل إلى 600 دولار.
آلية الحوكمة
بعد أيام من توقيع اتفاقية توريد المشتقات النفطية بين الحكومة اليمنية وبرنامج الإعمار السعودي، أعلن الأخير عن “آلية حوكمة تعزيزاً للشفافية لمنحة المشتقات النفطية السعودية في اليمن”.
وتضمنت إجراءات الحوكمة تشكيل “لجنة تسيير مشتركة”، برئاسة الأمين العام لمجلس الوزراء اليمني، وعضوية كلاً من البرنامج السعودي لإعمار اليمن، وزارة الكهرباء والمالية والتخطيط اليمنية، الغرف التجارية والصناعية اليمنية، المؤسسة العامة للكهرباء، شركة النفط، الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين وتنفيذ سياسات الإصلاحات، وممثل من منظمات المجتمع المدني, ورئيس لجنة المراقبة.
ووفقاً للمنصة الرسمية لآلية الحوكمة، والتي كانت أيضاً أحد إجراءات الآلية، “تتولى لجنة التسيير المُشتركة وضع برنامج تنفيذي للاستفادة من منحة المشتقات النفطية، ومراجعة تقارير وبيانات لجنة الإشراف والرقابة على منحة الوقود، ورفع ملاحظاتها وتوصياتها الى المجلس الاقتصادي الأعلى، والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية منحة المشتقات النفطية”.
وتضمنت الآلية أيضاً تشكيل “لجنة تشغيلية”، وهي لجنة الإشراف والرقابة على توزيع منحة الوقود، برئاسة أحد المهندسين اليمنيين، يعمل فيها “خبراء” في مجال الكهرباء في عدد من المحافظات. وأيضاً التعاقد مع شركة التفتيش المحايدة سيبولت  (Saybolt- 3rd party inspection company)، بحيث تعمل على “متابعة جميع مراحل انسياب الوقود منذ وصوله عبر السفن الى ميناء عدن حتى يتم صرفه للمستفيد النهائي، وإعداد تقارير المخزون اليومي لكل محطة على مستوى جميع المحافظات المعنية”.
وجاءت آلية الحوكمة، بحسب مراقبين، نتيجة للمخاوف السعودية من “الفساد والنهب” الذي طال ودائع سعودية للبنك المركزي اليمني، وشحنات مشتقات نفطية مُخفضة القيمة ممُاثلة، سابقاً.
الدُفعات
في 8 مايو، وصلت أولى دفعات شحنة النفط السعودية إلى ميناء عدن، بإجمالي 53 ألف طن من وقود الديزل، و24 ألف طن من مادة المازوت.
وفي 4 يونيو، وصلت ثاني دفعة، بإجمالي 70 ألف طن من وقود الديزل، و40 ألف طن من مادة المازوت. ووصلت ثالث دفعة في 25 يوليو. بإجمالي 75 ألف طن من الديزل، و40 ألف طن من مادة المازوت، ليكون إجمالي ما وصل من المشتقات النفطية 302 ألف طن متري، ويتبقى 958 ألف طن. (4)
ووفقاً لـ “لجنة التسيير”، فإنَّ المحافظات المستفيدة من دُفعات شحنة الوقود هي: عدن، حضرموت، شبوة، لحج، أبين، والمهرة. إلا أنّ المنسق العام للسلطة المحلية بعدن، فهد الخليفي، في حديث خاص مع “سوث24″، شكك بصحة النسب التي أوردتها اللجنة وقال إن “حصة محافظة عدن من هذه الدفعات بلغت 48% فقط، فيما لجنة التسيير تتحدث عن نسبة 61%.”
وأشار الخليفي إلى أنَّ هذه النسبة “ليست خاصة بكهرباء محافظة عدن وحدها، فالجميع يعلم أن هذه المحطات تُغذي محافظات مجاورة مثل الضالع ،لحج وأبين”.
وتأتي حضرموت ثانياً بـ 25%، فيما تتوزع باقي النسبة على بقية المحافظات، بحسب لجنة التسيير.
من المسؤول؟
بسبب نفاد الدفعة الثالثة من الشحنة النفطية قبل أكثر من أسبوعين على موعد وصول الدفعة الرابعة في منتصف سبتمبر الجاري، تشهد كهرباء عدن أزمة وقود خانقة تسببت بخروج القدرة التوليدية لمعظم المحطات الحكومية العاملة بالديزل. ووفقاً لمسؤول إعلام الكهرباء، فإنَّ 80% من المحطات الحكومية تعمل بمادة الديزل، وباقي النسبة بمادة المازوت.
ووصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من 14 ساعات، مقابل أقل من ساعة ونصف تشغيل، اليوم، وسط موجة حر غير مسبوقة تشهدها المحافظة، مع زيادة مرشحة لساعات الانقطاع.
وكانت هناك محاولات لتوفير كميات إسعافية من الديزل، بذلتها سلطة عدن المحلية، ونتج عنها ضخ ما يُقرب من 2500 طن من المادة، كانت هي الأخيرة قبل دخول المحطات مرحلة النفاد الكلي للوقود، فيما لم تُفلح تعهدات رئاسة الحكومة اليمنية بسداد قيمة 10 ألف طن من الديزل في اقناع التجار في عدن بتقديم سلفة من مخزونهم، حتى موعد وصول الدفعة الرابعة، بحسب مصادر لـ “سوث24”.
وصرّح سكرتير محافظ عدن، محمد الجنيدي، بأنَّ ألفي طن من مادة الديزل سيتم ضخها الليلة من المصافي إلى خزانات شركة النفط، استعداداً لتزويد محطات التوليد.
وأثار نفاد الدفعة الثالثة تساؤلات عديدة حول الأسباب، واتهامات متبادلة بين “لجنة التسيير” والسلطة المحلية في عدن، عقب إصدار اللجنة بياناً أوردته وكالة الأنباء التابعة للحكومة اليمنية (سبأ)، حمّل فيه السلطة المحلية والمواطنين في عدن مسؤولية تأخر وصول الدفعة الرابعة، موضحاً أنَّ “عدم تسديد الفواتير من قِبل المواطنين وتوريد المبالغ إلى الحساب المالي المشترك، والربط العشوائي”، هي الأسباب وراء هذا التأخير.
واتهم مصدر مسؤول في سلطة عدن المحلية، لصحيفة الأيام العدنية، لجنة التسيير، بـ “الفشل”، مضيفاً “كان هناك تأخير في وصول دفعات منحة المشتقات النفطية السعودية منذ الإعلان عنها، ولجنة التنسيق هي المسؤول المباشر عن هذا التأخير، وأما بخصوص عدم التزام المواطنين بالسداد، والربط العشوائي، فإنَّنا لم نرَ أو نسمع أي اجتماعات لأعضاء اللجنة”.
وفي معرض رده على ما أوردته لجنة التسيير، أوضح منسق السلطة المحلية، فهد الخليفي، لـ “سوث24” أنَّ “هنالك فعلاً خلل في تحصيل إيرادات الكهرباء في كل المحافظات المحررة، خصوصاً وأنَّ هناك حساب مشترك توضع فيه مبالغ إيرادات الكهرباء التي تزداد عن نفقات الصيانة ومرتبات العاملين”.
ولفت الخليفي إلى وجود دراسة لرفع سعر الكهرباء بحدود معقولة”، مُشيراً إلى “الفجوة الواسعة” بين السعر الأصلي للكيلو واط والمُقدر بـ ١٧٠ – ٢٠٠ ريال يمني، والسعر الذي تبيع فيه الحكومة للمواطنين والمُقدّر بـ 7 ريالات فقط.
ونصت المادة 4 من اتفاق توريد المشتقات النفطية على “وضع برنامج تنفيذي لمدة سنة يضمن الوصول الاعتماد الذاتي لتأمين المشتقات النفطية لمحطات توليد الكهرباء، ووضع الإجراءات اللازمة لتعزيز تحصيل إيرادات مبيعات الطاقة الكهربائية.”
ومن المفترض أن تؤمّن شحنة النفط احتياجات كهرباء عدن والمحافظات المذكورة لمدة عام، وهي الفترة المحددة لعمل معالجات واتخاذ إجراءات من شأنها الوصول للاكتفاء الذاتي لقطاع الكهرباء، وذلك عبر رفع نسبة التحصيل بإلزام المواطنين بسداد الفواتير، وتقليل الفاقد والعشوائي، وهي من مهام لجنة التنسيق، والتي لم تقم بها حتّى الآن.
وحول نفاد مخزون الدفعة الثالثة، أوضح المسؤول الإعلامي لكهرباء عدن، نوار أبكر، لـ “سوث24″، إنَّ هنالك عدة أسباب منها “التأخير بتوريد سعر دفعات المشتقات النفطية من قبل الحكومة، حيث أنَّ كل دفعة يجب توريد قيمتها المخفضة قبل 35 يوماً من طلبها، وفقاً للمادة 3 من اتفاقية التوريد”.
ولفت أبكر إلى أنَّ هذه الإشكالية “واجهتنا أيضاً في الدفعة الثانية”.
ويؤكد الخليفي، إن تأخير وصول الدفعة الرابعة من منحة المشتقات النفطية السعودية يعود إلى “تأخر الجهات المختصة في الحكومة اليمنية في إتمام المعاملة المالية الخاصة بكل دفعة”، مستبعداً أن يكون لـ “الأشقاء” في السعودية “أي دور في ذلك”.
وكانت لجنة التسيير قد أشارت في بيانها إلى أنَّ “إجمالي المبالغ التي سددتها الحكومة في الدفعات الثلاث السابقة والدفعة الرابعة من منحة المشتقات النفطية بلغ 52 مليون و 844 ألف و517 دولار”، مشيرة إلى أنَّ “أكثر محافظة ملتزمة بالتسديد هي شبوة”.
وعلّق الخليفي على هذا الأمر “المقارنة بين شبوة وعدن غير صحيحة، لأنَّ ما يتم توليده من الكهرباء في شبوة لا يتعدّى 18 ميجاوات، وهي نسبة أقل بعشرات المرات من عدن، وحتّى حضرموت والمهرة”.
وأصدر مجلس الوزراء اليمني “توجيهاً” إلى السلطات المحلية بالمحافظات “بالالتزام بشروط المنحة الواردة في الاتفاقية الموقعة مع الأشقاء في المملكة، بما يحافظ على استمراريتها”، وهو ما اعتبره مراقبون تنصلاً من المسؤولية، ورمياً للمسؤولية على السلطات المحلية، وتهديداً بوقف الدفعات القادمة من الشحنة النفطية.
وترأس معين عبد الملك، رئيس الحكومة اليمنية، الاثنين، اجتماعاً عبر الاتصال المرئي، ضم وزيري المالية والكهرباء، ومحافظي عدن وحضرموت والمهرة ولحج، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ولجنة التسيير، “لمناقشة وتقييم سير منحة المشتقات النفطية السعودية لمحطات الكهرباء في اليمن، ومدى الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية الموقّعة في هذا الجانب”.
كهرباء الجنوب
تجدر الإشارة إلى أنَّ كهرباء عدن تعاني من أزمات متعددة إلى جانب الوقود، أبرزها مشكلة محطات الطاقة المستأجرة، حيث تتأخر الحكومة اليمنية بدفع مستحقاتها مما يدفعها لوقف قدرتها التوليدية. وتعيش محافظة لحج المجاورة انقطاعا تاما منذ أكثر من أسبوع، وكذلك محافظة أبين التي تصل فيها الانقطاعات إلى 10 ساعات مقابل ساعة يومياً، فيما ساعات التشغيل بمحافظة الضالع لا تتجاوز 4 ساعات يومياً، في أفضل الأحوال.
أما محافظة شبوة، ورغم احتياجها الأقل من الكهرباء مقارنة بعدن وحضرموت، فلا زالت تعاني من انقطاعات تستمر لنصف يوم في أغلب الأحيان. وتسببت الحالة المتدهورة لخدمة الكهرباء في حضرموت أيضاً بموجات احتجاجات شعبية غاضبة طيلة الأسابيع الماضية.
ورغم كون المحافظتان غنيتان بالنفط، إلا أنَّ وضع الخدمة فيهما لا يزال مُتردياً، مقارنة بمحافظة مأرب المجاورة لشبوة، والتي تعيش استقراراً في الكهرباء معظم فترات اليوم، نتيجة تخصيص المحافظة مواردها النفطية للاحتياجات الداخلية، ومن ضمنها احتياجات الكهرباء.
ويبدو أنَّ قطاع الكهرباء في المحافظات الجنوبية، وبالذات عدن وما جاورها، لن يشهد تحسناً على المدى القريب، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الوقود. ومع استهلاك ما يُقدر بربع شحنة النفط السعودية حتّى الآن، مع عدم إحراز تقدم في خطة الاكتفاء الذاتي، من المؤكّد أنَّ الظلام سيظل مخيماً على هذه المحافظات التي “تحررت” قبل أكثر من 6 أعوام من سيطرة الحوثيين، ما لم تكن هناك حلول جذرية استراتيجية.
ويلقي بعض الأهالي باللوم على الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي والمملكة العربية السعودية وبرنامجها للإعمار، جراء المعاناة التي يعيشونها، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وغياب وجود معالجات حقيقية طويلة الأمد لإنهاء ذلك، في حين يتهم آخرون أطراف داخل “الشرعية”، باستغلال ملف الكهرباء والنفط والخدمات بعدن، لممارسة تصفية حسابات سياسية، يدفع ثمنها المواطنون، بهدف تحقيق ضغط على المجلس الذي يطالب باستقلال جنوب اليمن.
أخبار ذات صله