fbpx
الصيام والمناعة وخطر كوفيد – 19
شارك الخبر

يافع نيوز – صحة

حينما اجتاح وباء كوفيد – 19 العالم في بداية العام الماضي شرع بانتقاء ضحاياه انتقاء، فسار بنحو غير محسوس عند البعض ومر مرور الكرام عند البعض الآخر، بينما قسى وتجبّر وأمعن بالأذى عند شريحة مختارة من الناس، عانت من قهره وألمه حد الخطر.

 

فسّر الباحثون هذا التباين في تأثيرات هذا الفايروس الغريب على البشر على أنه يهاجم بقسوة من ضعفت مناعتهم ويصد عمّن يمتلك مناعة أقوى، ما هي المناعة إذن ولماذا تختلف بين شخص وآخر؟

 

خطوط دفاعية

المناعة هي حصن الإنسان وخطوط دفاعه ضد العدو المهاجم من جراثيم الفايروسات والبكتيريا وكذلك الفطريات وغيرها من أجسام غريبة تهاجم الجسم وتخترق أركانه. فكما يحمي الجيش الوطن تحمي المناعة الإنسان من المهاجمين وبخطوط دفاعية أولى وثانية وثالثة. ففي التهابات الجهاز التنفسي، على سبيل المثال وليس الحصر، تكون الشعيرات المتواجدة في داخل الأنف والمواد المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي هي الخط الدفاعي الأول أمام الجراثيم. بينما تكون كريات الدم البيضاء المختصة في مهاجمة الجراثيم هي الخط الدفاعي الثاني. أما الخط الدفاعي الثالث فهو الخلايا المناعية وهي خلايا لمفية تقع بنوعين أساسيين وهما الخلية اللمفية البائية التي تنتج المضادات الجسمية التي تلتف حول الجرثومة وتحيدها عن مهاجمة خلايا الجسم و”الخلية اللمفية التائية” التي تقوم بدور مباشر بمهاجمة الجراثيم وكذلك الخلايا الموبوءة بهذه الجراثيم وتخلص الجسم منها.

 

مناعة الإنسان تضعف بسوء التغذية أو بتقدم العمر وبالسمنة المفرطة وبتناول أدوية مهبطة للمناعة مثل مركبات الكورتيزون أو لدى المرضى الذين يعالجون بالأشعة أو الكيمياوي أو من لديهم أمراض مزمنة كالالتهابات المزمنة وداء السكري والسرطانات أو من يعانون من أمراض الجهاز المناعي نفسه وغيرها.

السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كان سوء التغذية هو أحد عوامل نقص المناعة، فما هو حكم الصيام الذي يجعل الإنسان ممتنعا عن الطعام لفترة طويلة من يومه، وما الذي يحصل لمناعته جراء الصيام؟ هل يجوز صوم شهر رمضان في ظل جائحة كورونا التي يعتمد مصير الإنسان فيها على درجة مناعته المعتمدة قطعا على حالته الغذائية؟

 

أجابت على هذه التساؤلات الهامة الكثير من البحوث والمقالات الطبية المنشورة في المجلات الطبية العالمية التي تناولت أثر الصيام على مناعة الإنسان وبالتالي حكم الصيام في ظل جائحة كورونا. من بين هذه المقالات والبحوث هي المقالة المنشورة في المجلة العالمية المعروفة باسم “حدود التغذية” الصادرة في سويسرا وفي عددها الصادر في الثالث عشر من يناير عام 2021، وكذلك المقالة الطبية التي نشرت في مجلة طبية أوروبية هي “مجلة رسائل علم المناعة” في شهر أكتوبر من عام 2020، إضافة إلى التوجيهات المؤقتة التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية والتي بينت فيها أن الصوم آمن لدى الأصحاء أثناء جائحة كورونا وذلك في أبريل عام 2020.

 

واتفقت كل هذه الأبحاث والمقالات على أن الصوم المتقطع له منافع صحيّة كثيرة لدى الإنسان تطيل من خلالها عمر الإنسان من جهة، وتمنع أو تخفف من الإصابات بأمراض القلب والأوعية الدموية والالتهابات وداء السكري والإصابة بالخرف من جهة أخرى. كما بينت أيضا أثر الصيام على تقوية الجهاز المناعي عند الإنسان وذلك من خلال الميكانيكيات التالية:

 

أولا: الصوم يقلل من أثر الالتهابات على الجسم وخصوصا عند الذين يعانون من مرض الربو والسمنة المفرطة والروماتيزم. ذلك من خلال تقليل مستويات المؤشرات الحيوية الالتهابية. وهكذا يقل أيضا مستوى الكريات البيضاء في الدم بينما يتحفز الالتهام الذاتي والحيوية الخلوية للجهاز المناعي.

ثانيا: في الصوم ينقص الوزن وتقل الكتل الدهنية المتجمعة داخل الجسم فتنخفض نسبة الشحوم والكولسترول في الدم وهي مثبطات مناعية معروفة.

ثالثا: في الصيام ينقلب النظام الغذائي وتنتظم عملية التمثيل الغذائي وتتحفز التغيرات الفسلجية التي تؤول إلى إصلاح الحمض النووي DNA وبالتالي يستجد التنظيم المناعي عند الإنسان.

رابعا: في الصيام يقل الإجهاد التأكسدي وتزداد حساسية الأنسولين مما يحفظ الجهد المناعي عند الإنسان.

خامسا: عند الصوم يقل مستوى السيتوكينات في الدم أمثال أنترفيرون ألفاوأنترليوكين -1 – 2 – 3 – و6 حيث قد يمنع الصيام من خلال ذلك حصول “عاصفة السيتوكين” القاتلة التي قد تحصل كردة فعل مناعية ضد الفايروس أو على الأقل يخفف من درجتها. هذه العاصفة السيتوكينية قد تحصل في كل الأعمار خلال الإصابة بكوفيد – 19 وقد تسبب الموت.

كل هذه الأمور تشير إلى أن الصيام المتقطع مفيد مناعيا للإنسان مما يجعله أكثر حصانة أمام كوفيد – 19 وليس العكس، على شرط أن يكون المرء متمتعا بصحة جيدة ولا يوجد لديه مرض أو علة أخرى تتعارض مع الصيام.

 

الصيام وكورونا

Thumbnail

كما أنه يجب أن يكون مفهوما بأن الصيام ممنوع طبيّا عند المرضى بكوفيد – 19، بمعنى آخر أن الشخص المصاب بكوفيد – 19 لا يجوز طبيّا له الصيام، والسبب في ذلك أنه يعاني على الأغلب من الحمى التي تخلق عنده حالة من الجفاف تحتم عليه تناول الماء مرارا في اليوم لتجنب جفاف الجسم من جهة، ومن جهة أخرى يجب تناول بعض العقاقير أثناء المرض خصوصا مسكنات الوجع والحرارة وكذلك الفيتامينات والعناصر مثل فيتامين دي وفيتامين سي والزنك، ومميعات الدم التي يحتاجها المصاب بالفايروس أثناء مرضه. فوق هذا وذاك يكون المصاب في حالة حرجة أثناء مرضه تتطلب تغذية ضمن نظام غذائي متوازن وكامل لمد نظامه المناعي المتحفز بما يلزم ومن دون انقطاع.

 

من الضروري الفهم بأن الصائم يجب ألاّ يبالغ في كمية الغذاء عند الإفطار كي تتم الفائدة ولا يحصل الضرر، إذ لا فائدة من الصيام صحيّا إن كان الإفطار مبالغا فيه، ويحتوي على الكثير من المواد الدهنية والسكرية المضرة في صحة الإنسان.

 

الإفطار يجب أن يكون نظاما غذائيا صحيا متوازنا بالنوعية والكمية إذ يحتوي على مواد ضرورية مضادة للأكسدة وللالتهابات ومستوفية لشروط بناء المناعة مثل البطاطا الحلوة، والبروكولي والسبانخ والفطر والأسماك والدواجن والثوم والكركم والفلفل الأحمر والعسل والشكولاته الداكنة والحمضيات والتوت والمكسرات مثل اللوز، واللبن والشاي الأخضر والزنجبيل، وغيرها. كما أن الصائم يجب أن يشرب الكمية الكافية من الماء أثناء الليل كي يضمن حاجة جسمه له خصوصا في الأيام الحارة. تقوية المناعة في الصيام لا تعني أبدا أن الشخص أصبح في حصانة كافية من الجراثيم تجعله لا يلتزم بأصول توقي الإصابة بالفايروس، بل على العكس عليه الالتزام بأصول الوقاية من الوباء التي تتضمن مبدأ التباعد الاجتماعي وتجنب الأماكن المزدحمة، لبس الكمامات، غسل اليدين والوجه، ممارسة الرياضة والتمارين الرياضية والمشي وغيرها من النصائح المعروفة لتجنب المرض.

 

والملخص لما ورد فإنه طبقا للأبحاث العلميــة الطبية قد تبين أن الصوم المتقطع يعيد تجديد نظام المناعة عند الأشخاص الأصحاء مما يتيح لهم الصيام شريطة الالتزام بنوعية وكمية الغذاء المتناول في الإفطار الذي يجب أن يكون بمواصفات مفيدة للصحة وغير ضارة.

أخبار ذات صله