fbpx
75 عاما على الأمم المتحدة.. الانقسام مستمر والإصلاح مستبعد
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

بينما تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين على تأسيسها، في ظل التنافس الجغرافي السياسي المتزايد، والانقسامات بين الشمال والجنوب، باتت المنظمة وهياكلها المتفرعة عنها غير قادرة على مواجهة أزمة انتشار فايروس كورونا، وحتى قضية المناخ لا تزال محل أخذ وجذب بين القوى الكبرى.

 

ويرى باحثون أنه من المستبعد أن تحقق المنظمة في دورتها الحالية اختراقا هاما في معظم الملفات الحساسة وفي مقدمتها التغيرات المناخية وأزمة جائحة كورونا التي أضرت بدول العالم جميعا.

 

ويقول سام داوز الباحث المعني بأبحاث وسياسات الأمم المتحدة والتابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس، إنّ على المنظمة العمل على إعادة بناء ثقة المواطنين المشككين فيها بسبب تداعيات العولمة.

 

سام داوز: المنظمة تواجه تحدي توجيه الموارد للوقاية من الأزمات

 

وطيلة سنوات، انتقد مراقبون منظمة الأمم المتحدة لأنها التزمت بمواكبة مجريات الأحداث على جبهات مختلفة، مكتفية بالتنديد، وعاجزة عن اتخاذ قرار جماعي يحل المشكلات، ورغم أنها أنفقت قرابة نصف تريليون دولار أميركي منذ إنشائها، لإحلال السلام، إلا أنها تقف كمتفرج أمام التغيرات المتسارعة مكتفية بمواكبة الحروب والنزاعات ومتغاضية عن مخاطر كبرى فجائية مثل جائحة كورونا التي قلبت العالم رأسا على عقب لأكثر من عام.

 

انقسامات مزمنة

يرى داوز في تقرير نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية، أنه من الواضح أن المجتمع الدولي قلل من استثماره في مجالي المرونة المؤسسية والوقاية، موضحا أن هناك حاجة إلى توفير شراكات أفضل مع القطاع الخاص، وأشكال مبتكرة من التعاون بين الأقاليم.

 

وفي الوقت نفسه، هناك مؤشرات إيجابية على أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ترغب في تغيير الأمور. فقد وافقت الدول الأعضاء بالإجماع في سبتمبر الماضي على إعلان سياسي يعيد التأكيد على التعددية بقوة، ومنحت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عاما واحدا لتقديم خارطة طريق بشأن كيفية الاستجابة لـ“إعادة البناء على نحو أفضل” في مواجهة تغير المناخ ومكافحة تفشي جائحة فايروس كورونا المسبب لمرض كوفيد – 19.

 

وأوضح الباحث الأميركي أن أحد التحديات الرئيسية يتمثل في توجيه عمليات التفويض والموارد نحو الوقاية من الأزمات.

 

وقد استثمرت الصين بصورة كبيرة على مدار العقد الماضي في النظام المتعدد الأطراف في المنظمات الرسمية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وفي تعزيز مجموعة من المنتديات “الصغيرة الجانبية” المعنية بالشأن الصيني. كما عززت علاقاتها مع روسيا في مجلس الأمن الأممي.

 

ويقول الباحث إن الدول الغربية لديها إعجاب، رغما عنها، وتشكك قوي بحنكة الصين في النهوض بمصالحها وتعزيز قيمها بهذه الطريقة، إلا أنها منقسمة بشأن كيفية الرد.

 

وأعادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التزامها بالعمليات المتعددة الأطراف، إلا أنه من المرجح أن تظل العلاقات الثنائية للولايات المتحدة هي المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية.

 

الحكومات لا تهتم بالتحركات الاجتماعية الجماعية للتنديد بالخطر الذي يهدد الجميع على حدّ السواء

 

وفي الوقت نفسه، سعت المملكة المتحدة إلى تحويل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى اجتماع موسع على مستوى القمة للديمقراطيات، ولكن أوروبا منقسمة بشأن الحكمة وراء إضفاء الطابع الرسمي على مجموعة قد تزيد الانقسامات مع الصين. كما أن بعض الديمقراطيات الكبرى، كالهند على سبيل المثال، لديها مناهج متباينة بشأن قضايا مثل حماية التجارة.

 

ويرى برتراند باديي وهو متخصص في العلاقات الدولية بجامعة ساينس بو الفرنسية، أنه في مواجهة الأحادية والهيمنة، يجب أن تلتزم جميع الدول بالتعددية من خلال التمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولي مع وجود الأمم المتحدة في جوهره.

 

ويقول المحلل السياسي الفرنسي إن التخلي عن عقلية الحرب الباردة والهيمنة وبناء علاقة دولية أكثر عدلا ومساواة هو الطريق الأسلم، ولكن الخلافات لا تزال قائمة حول العديد من القضايا وخاصة في الشرق الأوسط ما كبل عمل الأمم المتحدة.

 

ويرى محللون آخرون أنه في ظلّ الأزمة الصحية العالمية والمتغيرات التي تفرضها على السياسات الصحية العالمية، من المحتمل حدوث زيادة في الاجتماعات التنظيمية غير الرسمية عبر الأقاليم داخل منظمة الأمم المتحدة، للنهوض بالمعايير وإحراز تقدم حول أهداف مشتركة محددة.

 

ومن الممكن أيضا أن يبني غوتيريش على اتفاقيات السلام التي عقدت مؤخرا بين إسرائيل ودول عربية بينها الإمارات، برعاية الولايات المتحدة، لتشجيع العلاقات الثقافية والسياسية والأمنية عبر الأقاليم، على خلفية التجارة والاستثمار، ورسم خارطة للفرص العملية للتعاون الاستراتيجي بين الصين والغرب في قطاعات الصحة والأمن الغذائي والمناخ والتنوع البيولوجي، وإدارة الاقتصاد الكلي العالمي، في الوقت الذي يتم فيه تعزيز الأطر المعيارية الجديدة لإدارة المنافسة الاستراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والمرونة الإلكترونية وتحرير الجينات والأتمتة.

 

ثقة مفقودة

منظمة الأمم المتحدة تحتاج إلى إعادة البناء على مستوى المواطن بصفته فردا بالإضافة إلى استعادة ثقة الحكومات

تضع التغيرات المناخية العالم في حالة طوارئ مستمرة منذ سنوات، غير أن الحكومات لا تهتم بالتحركات الاجتماعية الجماعية للتنديد بالخطر الذي يهدد الجميع على حدّ السواء، وتشكّل هذه التغيرات تهديدا يطال الأمن الغذائي لسكان يزداد عددهم مع الوقت ويقدّر حاليا بنحو 7 مليارات نسمة.

 

ويقول داوز إن “تحقيق أهداف التنمية المستدامة” وأهداف المناخ، بصورة جزئية، يعتمد على جمع خبرات وموارد الجهات الفاعلة شبه الحكومية، مثل سلطات الأعمال ومجالس المدن والسلطات الإقليمية.

 

ومع ذلك، مازالت الدول النامية تتحفظ بشأن منح الأمين العام للأمم المتحدة دورا أكبر في ما يتعلق بتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وجمع التمويل الخاص، خوفا من أن يلقي ذلك بظلاله على وعود دول شمال العالم بتقديم المساعدات وتوفير شروط أكثر إنصافا للتبادل التجاري والديون.

 

وبالإضافة إلى ذلك، تعرب الحكومات الأفريقية عن خيبة أملها المتزايدة بشأن استمرار افتقارها إلى “المشاركة” في ما يتعلق بصنع القرار في الأمم المتحدة، وتراجع الدول الواقعة في شمال العالم عن وعودها المتعلقة بتمويل قضايا المناخ، وما تشهده الدول النامية من تطبيق بطيء لحملات التطعيم الخاصة بمبادرة “كوفاكس” العالمية المعنية بتوفير اللقاحات للدول الفقيرة.

 

هناك مؤشرات إيجابية على أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ترغب في تغيير الأمور

 

كما أن معظم زعماء العالم بينهم الرئيسان الصيني شي جين بينغ والفرنسي إيمانويل ماكرون، وأيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحتى المراقبون يرون أن مجلس الأمن، المؤسسة الأقوى والأكثر نفوذا، والتي تم إنشاؤها في أربعينات القرن الماضي، لم تعد مناسبة بشكلها الحالي في ظل المتغيرات الراهنة.

 

وبحسب داوز، بالإضافة إلى استعادة ثقة الحكومات، تحتاج منظمة الأمم المتحدة إلى إعادة البناء على مستوى المواطن بصفته فردا، والثقة في الحكم أيضا.

 

وكان الأمين العام للمنظمة غوتيريش دعا إلى ”عقد اجتماعي” جديد بين الحكومات ومواطنيها وإلى التعددية لإظهار المصلحة العملية، بالإضافة إلى قضية “القيم” التي تفسر السبب وراء فائدة التعاون الدولي على الأفراد والدول.

 

ورغم أن المنظمة تدرك جيدا أن الناس باتوا يفقدون إيمانهم بالكيانات السياسية القائمة، فيما يتنامى الاستقطاب والشعبوية، وأصبح التعاون بين الدول أكثر صعوبة والانقسامات في مجلس الأمن صارخة، إلا أنها تأمل منذ سنوات في استرداد الثقة.

 

وكان عمل دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام خلال العشرين سنة الماضية مدفوعا دوما باحتياجات المتضررين، حيث أُعد لمواجهة تهديد مخاطر المتفجرات التي يواجهها المدنيون وحفظة السلام والعاملون في المجال الإنساني.

 

في ظلّ الأزمة الصحية العالمية والمتغيرات التي تفرضها على السياسات الصحية العالمية، من المحتمل حدوث زيادة في الاجتماعات التنظيمية غير الرسمية عبر الأقاليم داخل منظمة الأمم المتحدة

لكن الوقائع عكس انتظارات المنظمة الأممية، فرغم تدخلها على سبيل المثال في سوريا لإحلال السلام إلا أن العديد من السوريين “فقدوا الثقة” بقدرتها والمجتمع الدولي على مساعدتهم في إنهاء الصراع الدائر ببلادهم، وفق تصريحات لغوتيريش.

 

وهذا يعد جزءا بسيطا فقط من أزمات أعمق لا تقدر الأمم المتحدة على إيجاد حلول جذرية لها، حيث أن القضايا العربية المزمنة تجد نفسها في متاهة ضخمة بين القوى الدولية الفاعلة التي لم تخرج مقارباتها عن النمط القديم الذي لا يواكب التغيرات المتسارعة.

أخبار ذات صله