fbpx
أس – 400 تفصيل صغير في ابتعاد تركيا عن فلك الأميركيين
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

تعد الأزمة القائمة بين الولايات المتحدة وتركيا نتاج إحباط الأميركيين المتزايد تجاه الأتراك، والذي اتضحت معالمه بوجه خاص في مطلع القرن الحالي، عندما بدأت أنقرة في اتباع سياسة خارجية مستقلة، لم تكن بالضرورة متوافقة مع المصالح الأميركية المحددة.

 

ويفسر المراقبون طبيعة العلاقات الحالية بين البلدين بشكل أبسط بحيث كلما قاومت أنقرة مطالب واشنطن بصورة متزايدة كلما زادت الولايات المتحدة الضغط على تركيا.

 

ويرى علي ديمرداش أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساوث كارولينا الأميركية أن أزمة منظومة الصواريخ الروسية أس- 400 مجرد أحدث ملامح هذه الدائرة المفرغة كما أنها دليل واضح على أن الولايات المتحدة على حافة فقدان قبضتها على تركيا تماما، كما يتضح من تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مؤخرا بأن شراء منظومة الصواريخ “صفقة منتهية”.

 

علي ديمرداش: الولايات المتحدة على حافة فقدان قبضتها على تركيا تماما

 

وأشار ديمرداش الباحث في برنامج فولبرايت، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية إلى أن تحدي أنقرة المتزايد لواشنطن بدأ يتصاعد مع تولي حكومة حزب العدالة والتنمية السلطة، في الوقت الذي كانت تستعد فيه الولايات المتحدة لغزو العراق في عام 2003.

 

ونظرا لأن أنقرة كانت قد عانت بالفعل من التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحرب الخليج بقيادة الأميركيين في عام 1991 بعد غزو العراق للكويت، رفضت الحكومة التركية التي كان يرأسها آنذاك رجب طيب أردوغان في مارس 2003 طلب واشنطن استخدام الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية باتجاه العراق للإطاحة بصدام حسين.

 

وأدى ذلك إلى غضب إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، التي قررت حينئذ اتباع سياسة خارجية أكثر تركيزا على المجال العسكري. وكانت هذه السياسة سببا في زرع بذور الشقاق الذي شكل إلى حد كبير العلاقات الثنائية حتى يومنا هذا.

 

وزاد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 من تعميق الانقسام المتزايد بين الدولتين الحليفتين؛ مما أظهر تماما عدم كفاءة واشنطن في التعامل مع الأزمة. وكانت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مضطربة للغاية في ما يتعلق بسوريا إلى درجة أن مختلف الأجهزة الأميركية بدأت في دعم جماعات معارضة مختلفة، لكل منها أجندات مختلفة.

 

فبينما بدأت وكالة المخابرات المركزية في تدريب وتجهيز الجيش السوري الحر، وهو جماعة معارضة سنية حليفة لتركيا، لم تتردد وزارة الدفاع (البنتاغون) في اتخاذ خطوات من شأنها أن تثير غضب تركيا من خلال دعم وحدات حماية الشعب الكردية، التي أعلنت تركيا مرارا أنها فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبره البلدان منظمة إرهابية. ولم تستجب واشنطن لطلبات أنقرة المتكررة بالعدول عن دعم تلك الوحدات.

 

وفي نظر ديمرداش أن ما زاد الأمر سوءا بالنسبة لتركيا قرار واشنطن في ذروة الحرب السورية بسحب منظومات الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت من حدود تركيا مع سوريا، مما أدى إلى أن تصبح تركيا معرضة للهجوم. كما أن واشنطن لم تستجب سريعا لمطلب تركيا المتكرر لشراء صواريخ باتريوت، وعندما وافقت بعد مرور 17 شهرا رفضت السماح بنقل التكنولوجيا العسكرية لتركيا لتولي أمر الصواريخ التي تريد شراءها.

 

وعندما شعرت تركيا بتخلي واشنطن عنها، لم تجد أمامها خيارا سوى الاتجاه لروسيا طلبا للمساعدة، التي قدمها الرئيس فلاديمير بوتين بكل سرور، منتهزا الفرصة لتقويض حلف شمال الأطلسي (ناتو).

 

وبعدما تدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية وفتحت المجال الجوي السوري، استطاعت تركيا أن تقيم منطقة آمنة في جزء كبير من المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، وبذلك تحقق لتركيا مطلب رفضته واشنطن مرارا.

 

والأكثر من ذلك، عرض بوتين شيئا عزز ابتعاد تركيا شبه الكامل عن فلك الولايات المتحدة وهو منظومة الدفاع الجوي أس- 400، ورغم إعلان واشنطن المتكرر عن رفضها لهذه الصفقة وصلت الدفعة الأولى من المنظومة في يوليو 2019.

 

وأدركت أنقرة الآن أن بوسعها تنفيذ سياسات قد تتعارض مع رغبة واشنطن دون أن يحدث أي شيء. وبالفعل شنت عملية ربيع السلام شرق الفرات في أكتوبر 2019، وأزاحت تماما وحدات حماية الشعب التي تحظى بالدعم الأميركي من على حدودها ودفعتها أكثر عمقا نحو الصحراء السورية.

 

وقد أثار ذلك غضب القيادة المركزية الأميركية إلى درجة أن الجنود الأميركيين سيطروا على مدينة منبج لمنع الأتراك من الاستيلاء عليها وتقديمها للروس في ما بعد.

 

والمثير للاهتمام أن الأميركيين بدأوا يفقدون نفوذهم شيئا فشيئا، فقد ولت الأيام، التي كانت تستطيع فيها الولايات المتحدة، كما حدث في 1991، حشد تحالف عالمي بالإجماع وتجميع جيش يضم أكثر من 500 ألف جندي أميركي، فاليوم وصلت واشنطن إلى حد الاعتماد على ميليشيا وحدات حماية الشعب التي تتقاسمها بالفعل مع روسيا وإيران.

 

كما يبدو أن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات على ألمانيا بسبب خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” لا تردعها عن استكمال المشروع مع روسيا. وبالإضافة إلى ذلك فإن رؤية عدم تأثر تركيا نسبيا من جراء قانون مواجهة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات (كاتسا) شجع الهند على المضي قدما في السعي للحصول على منظومة أس- 400 رغم تحذيرات واشنطن.

 

وفي ضوء كل تلك المعطيات، يرى ديمرداش الأستاذ السابق للشؤون الدولية في كلية تشارلستون أنه من الخطأ اعتبار منظومة أس- 400 هي السبب في الجفاء الأميركي- التركي الحالي. فبصورة تقليدية هناك تصادم بين المصالح الأميركية والمخاوف الأمنية التركية في الشرق الأوسط.

 

تحدي أنقرة المتزايد لواشنطن بدأ يتصاعد مع تولي حكومة حزب العدالة والتنمية السلطة، في الوقت الذي كانت تستعد فيه الولايات المتحدة لغزو العراق في عام 2003

وقد زاد عجز واشنطن عن إدارة تصرفات أنقرة والإحباط الناجم عن ذلك من رغبة الأميركيين في تبني أسلوب عقابي، وهو ما قوبل بعناد من جانب أنقرة.

 

ويتوافق صعود نجم تركيا في شرق البحر المتوسط، وفي ليبيا وسوريا والعراق والقوقاز مع الأفول المطرد للولايات المتحدة ونظامها العالمي. بالتالي ليس من الصواب أن تحاول إدارة بايدن “الترويض” المتوقع كثيرا لتركيا لأن من المرجح ألا يحقق ذلك النتائج التي ترجوها واشنطن.

 

ونظرا لأن الصين تسعى لتحل محل الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة، تهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية، ربما حان الوقت لصانعي السياسات في واشنطن للتوقف عن إضاعة الجهد الثمين من خلال تنفير حلفاء مثل تركيا، بالانشغال باستعراض القوة، وأن يدركوا حدود النفوذ الأميركي.

أخبار ذات صله