fbpx
أين ستُرسم الخطوط في شرق المتوسط
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

أصبح الصراع المتصاعد بين تركيا واليونان في شرق المتوسط، والقائم على نزاع قديم على الحدود البحرية، كابوسا جيوسياسيا بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.

 

ففي الحادي والعشرين من فبراير الماضي أرسلت فرنسا حاملة طائراتها للعمل لعدة أشهر في شرق المتوسط كعرض للقوة لدعم اليونان. وقد حشدت أثينا، التي خاب أملها من نهج شركائها الآخرين في الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري من مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات.

 

وتصر تركيا المتحدية، التي تحتفظ بثلاثين ألف جندي في الجزء الشمالي من قبرص المقسمة عرقيا، على تقسيم الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي لإقامة دولة تركية مستقلة.

 

رؤى متباينة

مايكل تانتشوم: التوترات بين أنقرة وأثينا أثرت على الناتو والاتحاد الأوروبي

 

يمزق الصراع على الحدود بين تركيا واليونان نسيج أوروبا ويضعف تضامن حلف شمال الأطلسي، ويحتاج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى رسم الخط الفاصل مع أنقرة وأثينا بشأن نزاعهما الحدودي البحري قبل فوات الأوان. ومن هنا يتساءل مايكل تانتشوم الأستاذ بجامعة نافارا بإسبانيا وزميل أقدم في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية والزميل في معهد ترومان للأبحاث من أجل النهوض بالسلام، أين سيكون ذلك؟

 

تظل المسألة المطروحة بالنسبة إلى تركيا الحدود البحرية لخارطة إشبيلية المعترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط. وقد صاغتها جامعة إشبيلية بعد دراسة بتكليف من الاتحاد الأوروبي، ورسمت حدود اليونان وقبرص القصوى على حساب تركيا باعتماد ساحل كل جزيرة يونانية مأهولة مهما كانت صغيرة أو قريبة من الساحل التركي.

 

وكان من المثير للجدل استخدام خارطة إشبيلية لكاستيلوريزو، وهي جزيرة صغيرة جدا على بعد ميل واحد فقط من الساحل التركي، في تحديد الحدود البحرية بين اليونان وتركيا.

 

وقد اتبعت خارطة إشبيلية المادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تؤكد أن ساحل جزيرة يمكن أن يشمل سكن إنسان أو حياة اقتصادية ما يولد جرفا قاريا ومنطقة اقتصادية خالصة، مثل الأراضي الساحلية. ومع ذلك تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أيضا على مبدأ الإنصاف.

 

كما أن السوابق القضائية الدولية القائمة عليها تخلق إمكانية إلغاء المادة 121 عندما يؤدي تطبيقها إلى انتهاك لا مبرر له على منطقة بحرية مرتبطة بساحل بري رئيسي. ولم تنتهج أنقرة هذا الخط لتعديل خارطة إشبيلية لأنها ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية.

 

ويقول تانتشوم إنه بدلا من ذلك وجدت تركيا شريكا دوليا ترسم معه خارطتها الخاصة. ففي 2019 وقّعت أنقرة اتفاقا بحريا مع الحكومة الليبية في طرابلس، والتي أنشأت خارطة تحدد منطقة بحرية قصوى لتركيا من خلال حرمان أيّ من الجزر اليونانية من جرف قاري أو منطقة بحرية أوروبية.

 

وحددت الاتفاقية خطا على مسافة 18.6 ميلا بحريا يقسم المنطقة البحرية بين تركيا وليبيا، وستكون خارطة تركيا باطلة تحت أيّ ظرف من الظروف، لأن جزيرة كريت اليونانية التي تبلغ مساحتها 3219 ميلا مربعا ستولد بلا شك منطقة بحرية خاصة باليونان في وسط تلك المساحة المحددة.

 

الصراع المتصاعد بين تركيا واليونان في شرق المتوسط كابوس جيوسياسي بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي

 

وقد حوّل المأزق حول هاتين الخارطتين شرق المتوسط إلى عين عاصفة جيوسياسية، ولذلك يرى تانتشوم أنه يتعين على أنقرة وأثينا التراجع عن مطالبهما القصوى. وإذا تحقق ذلك فإن إحراز تقدم بشأن النزاع على الحدود البحرية يمكن أن يُؤهل المفاوضات المتوقفة بشأن خطة إعادة توحيد قبرص. وإذا لم يتم ذلك فإن الأزمة المتصاعدة قد تعصف بالمنطقة.

 

مخاطر جيوسياسية

لفهم كيفية رسم الحدود ينبغي للجانبين أن ينظرا إلى حل نزاع بحري مماثل بين الدولتين المتجاورتين بنغلاديش وميانمار. وعلى الرغم من أن خليج البنغال قد يبدو بعيدا عن شرق المتوسط إلى حد ما فإن المنطقتين البحريتين غنيتان بموارد الغاز الطبيعي البحرية، مما يضاعف المخاطر الجيوسياسية العالية.

 

ونجد نظير جزيرة كاستيلوريزو، التي تقع في قلب النزاع الحدودي بين تركيا واليونان، في خليج جزيرة سانت مارتن في البنغال. وتُعد هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 14 ميلا مربعا موطنا لأربعة آلاف نسمة، وهي أقصى نقطة في جنوب بنغلاديش. كما أن الجزيرة، وهي نقطة ساخنة سياحية بسبب شعابها المرجانية وشواطئها، تقع على بعد خمسة أميال من ساحل ميانمار.

 

وكجزء من الأراضي البنغالية القريبة من ساحل ميانمار مارست جزيرة سانت مارتن نفوذا على خط الحدود البحرية. وتظل كاستيلوريزو اليونانية أصغر من سانت مارتن، لكنها أقرب إلى الساحل التركي. واجتاحها السياح بعد فيلم «الأبيض المتوسط» الذي صدر في 1991. وهي موطن لأكثر من 500 شخص، وتبدو مهمة في تحديد الحدود البحرية بالقرب من شواطئ تركيا.

 

وعلى عكس الخصوم في شرق البحر المتوسط عرضت بنغلاديش وميانمار نزاعهما على المحكمة الدولية لقانون البحار. ورفضت المحكمة، التي أصدرت حكمها في مارس 2012، حجة ميانمار، التي استخدمت منطقا مماثلا لذلك المتبع في رسم خارطة تركيا.

 

فقد رأت المحكمة أن جزيرة سانت مارتن كانت مأهولة بالسكان ويمكنها أن تحافظ على الحياة الاقتصادية، واستيفاء للمادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تولد الجزيرة جرفا قاريا ومنطقة اقتصادية خالصة، وينبغي إدراجها في رسم حدود بنغلاديش. ولكن ذلك لم يكن نهاية قرار المحكمة.

 

كما تولد جزيرة سانت مارتن منطقة بحرية تبلغ مساحتها 5019 ميلا مربعا لبنغلاديش على حساب ميانمار. وبالنظر إلى أن هذا الحيز سيسبب تشويها لا مبرر له في الإسقاط البحري من ساحل ميانمار اعتمدت المحكمة مبدأ الإنصاف وقررت في نهاية المطاف أنه لا ينبغي أن يكون للجزيرة أي تأثير على رسم حدود الجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية الخالصة.

 

ويشير الحكم في قضية بنغلاديش وميانمار إلى نهاية عادلة لليونان وتركيا ومع اعتماد مثال خليج البنغال لن تُعتمد كاستيلوريزو في رسم الخطوط. وفي الوقت نفسه ستظل المادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سارية على جزر اليونان الأكبر في المنطقة. فرغم إمكانية تجاوز هذه المادة لأسباب تتعلق بالإنصاف إلا أنها تبقى قائمة مع الجزر الأخرى.

 

وعلى الرغم من أنه لا يمكن للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي رسم خط في شرق البحر المتوسط وفرض حل على تركيا واليونان إلا أن التوترات المتصاعدة بين أنقرة وأثينا أصبحت غير محتملة بالنسبة إلى عمل حلف الناتو وبروكسل.

 

وإثر الصدام الذي وقع في أواخر أغسطس الماضي بين السفن الحربية التركية واليونانية في محيط كاستيلوريزو حدد مجلس أوروبا، الذي يعتبر الهيئة العليا لصنع القرار في الاتحاد الأوروبي، فترتين متتاليتين لمدة ثلاثة أشهر للمضي قدما في عملية خفض التصعيد التي توسط فيها حلف الناتو. ولكن لم يظهر أيّ اتجاه واضح لحل النزاع البحري.

 

المسألة المطروحة بالنسبة إلى تركيا هي الحدود البحرية لخارطة جامعة إشبيلية التي يتبناها الأوروبيون في شرق المتوسط

وفي أعقاب قضية خليج البنغال يمكن لواشنطن وبروكسل الإصرار على أن تتضمن المفاوضات بين تركيا واليونان بعض الأحكام الرسمية المقبولة لكلا الجانبين أو أن تتخذ المفاوضات كنقطة انطلاق لها النتيجة المحتملة لهذا الفصل. ويمكن لأطراف ثالثة مختصة في القانون البحري ينظر إليها الجانبان التركي واليوناني على أنها منصفة أن تسهل هذه العملية.

 

وفي ضوء ذلك يعتقد تانتشوم أن مثل هذا الجهد، المتجذر في المبدأ القانوني والمرونة الكافية لاستيعاب السياسة الواقعية وتحفيزها، هو ما ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتماده.

 

 

أخبار ذات صله