مقالات للكاتب
د. عيدروس نصر
كشفت الاحتجاجات التي شهدتها عدن وأبين وحضرموت وشبوة ولحج في الأيام القليلة الماضية عن حالة من التسطيح والتجويف المخطط والممنهج للخطاب الإعلامي لدى الكثير من المنابر الإعلامية الحزبية وغير الحزبية، اليمنية والخليجية.
إنني لا أتحدث عن ذلك المعتوه الذي ظهر على إحدى القنوات التلفيزيونية ليقول لمتابعيه أن عدن صارت أفضل من الرياض وأن الحكومة غير معنية بدفع الرواتب للموظفين ولا بالكف عن سياسة التجويع وحرب الخدمات، وأن على الجنوبيين أن يذهبوا ليموتوا في مأرب، فمثل هذا ينبغي أن يعرض على طبيب أمراض عقلية وليس على محطة تلفيزيونية، بل إنني أتحدث عن قنوات فضائية وصحف ومواقع إعلامية وكُتَّاب ومثقفين ونفترض أنهم معتبرون لهم جمهورهم ومتابعيهم الذين يجب أن يؤخذوا بالحسبان، بغض النظر عما إذا كنا نختلف أو نتفق معهم
الأحداث كشفت لنا مجموعة من الحقائق المؤسفة التي لا تنبئ بأن الأمور ستسير باتجاه الانفراج لا في الجنوب ولا في الشمال، ومن هذه الحقائق:
وقد قال لي زميل من المقربين من مجلس الوزراء أن الحكومة لا تستطيع التوجيه بصرف مبلغ لشراء جهاز للتشخيص بالرنين المغناطيسي MRI ولا تسديد كلفة علاج عشرة جرحى من المقاتلين الذين يواجهون الحوثيين في الضالع وكرش والصبيحة ومكيراس، ولا حتى مأرب وتعز وحجة، كما لا تستطيع تشغيل محطات الكهرباء لعدن وحدها ست ساعات متواصلة في اليوم والليلة.
لسنا معنيين لا بالدفاع عن رئيس الوزراء ولا حتى عن الوزراء بما في ذلك الزملاء الذين نعرفهم حق المعرفة ونثق في نزاهتهم وكفاءتهم ومهاراتهم القيادية، لكننا نقول الحقيقة التي صارت مرئية لكل ذي عينين، وهي أن الحكومة (المعلنة) التي في عدن هي في طريقها إلى الفشل من خلال وضعها وجها لوجه أمام ملايين المطالبين بحقوقهم المشروعة التي يفترض أن يحصلوا عليها في مواعيدها الروتينية دونما حاجة حتى إلى رسالة تذكير، وليس إلى مسيرة احتجاج ومظاهرة وإضراب، بينما هي عاجزة عن الاستجابة لهذه المطالب لأن وسائل تحقيقها ليست بيدها بل بيد الحكومة الخفية المسترخية في الرياض وإسطنبول وباقي مدن الدنيا.
ومن الطبيعي أن لا أحد يعترض على تنفيذ هذا الشق من الاتفاق، مع الإشارة إلى أننا نفهم هذا الشق على إنه يعني حشد كل الطاقات والقوى المادية والبشرية لمواجهة الحوثيين في جبهات التماس، وهناك من يفهمه على إنه يعني نقل الفيالق والمعسكرات الشمالية من جبهات القتال والصحاري والفيافي إلى عدن وأبين ولحج والضالع، حتى لو أدى هذا إلى سقوط مأرب وتعز وكل الشمال بيد الحوثيين كما سقطت الجوف ونهم والبيضاء وصرواح وعتمة وحجور، لكن السؤال هو: حتى لو سلمنا بتفسيرهم لتنفيذ هذا البند، فهل وجود القوات الشمالية في عدن سيؤمن الناس من خوف، وسيطعمهم من جوع؟ وهل هذا سيضمن دفع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين بمن فيهم المتقاعدين، ليستقبلوا شهر رمضان بثقة بأنهم سيستطيعون توفير قيمة الشربة والسنبوسة؟ وهل سيوفر الطاقة الكهربائية ومياه الشرب النقية ويوفر الدواء ويقضي على الوباء؟ وهل سيعيد الخدمة الطبية المجانية من خلال مستشفيات الحكومة التي ظلت تقدم هذه الخدمة كاملة متكاملة ولكل أبناء الجنوب حتى صبيحة 22 مايو 1990م؟
وضع الحكومة المشروخة يصنع ثقافة مشروخة وإعلاماً مشروخاً ومشوهاً ومخادعاً لا هم له إلا إدانة الضحية والدفاع عن الجلاد، وتبرئته والإشادة بجرائمه واعتبارها منجزات وطنية تسمو إلى درجة المعجزات.
ولله في خلقه شؤون