fbpx
كابوس الكابيتول.. نهاية مبكرة للقرن الأميركي
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعات

مثل شخصية “غريغور سامسا” في رواية “المسخ” للروائي الألماني فرانز كافكا، استيقظنا في السابع من يناير لنكتشف أننا “حشرة عملاقة”. نعم، أعلم أن جو بايدن وكامالا هاريس هما المسؤولان الآن ويحاولان تحقيق بعض ما يجب القيام به لإنقاذ هذه الأرض الحزينة التي تعاني من الاضطراب والتسليح المفرط والمرضى والمحتضرين.

 

لكن أي شخص شاهد سكان فلوريدا وهم يحتفلون بنتائج مباراة البطولة السنوية للرابطة الوطنية لكرة القدم غير ملثمين ولا متباعدين سيدرك أننا أمة من الصراصير الأكثر ثراءً والأكثر تفشيا على كوكب الأرض، دون أن نرتدي أقنعة.

 

لكن، لا تلم دونالد ترامب وحده. فباعتراف الجميع اجتزنا محاكمة مجلس الشيوخ وشهدنا براءة أكبر صرصور سياسي. إنني أتحدث عن الرئيس الذي عندما اكتشف أن نائبه كان يواجه خطر “الإعدام” (أظهر مقطع فيديو أفرادا من الحشود التي اجتاحت المبنى يبحثون عن نائب الرئيس وهم يهتفون “اشنقوا مايك بنس!”) مما استوجب تهريبه من مجلس الشيوخ بسرعة، غرد على الفور “لم يتحل مايك بنس بالشجاعة اللازمة لفعل ما كان ينبغي فعله لحماية بلادنا ودستورنا، مما أعطى الولايات فرصة للتصديق على مجموعة من الحقائق المصححة، وليس الحقائق المزورة أو غير الدقيقة التي طلب منها التصديق عليها مسبقا.. الولايات المتحدة تطالب بالحقيقة”.

 

هل وجدت الولايات المتحدة نفسها بعد 30 عاما من خروج الاتحاد السوفييتي من مسرح التاريخ دولة مشلولة وتسير نحو التفكك

 

فقط تخيل هذه الصورة، عانى بنس من الرئيس لمدة أربع سنوات لا نهاية لها، ثم حكم عليه نفس الرجل بالإعدام. لكن مأساتنا الأميركية تشكّلت منذ وقت طويل.

 

بعبارة أخرى عندما نزل دونالد على السلم الكهربائي لبرج ترامب في يونيو 2015 وتحدّث عن “سوره العظيم” في المستقبل، وأدان “المغتصبين” المكسيكيين، لم ينته به المطاف في المكتب البيضاوي بدون سبب. فقد كان العَرَض، وليس المرض، على الرغم من كونه كابوسا فاق كل التصورات.

 

دعونا نواجه الأمر سواء كنا نفهم الحقيقة تماما أم لا، فنحن نعيش الآن في نظام وكذلك في دولة من الواضح أنها في مرحلة مبكرة من التفكك.

 

تخيل أنك تمكنت من إظهار مقطع فيديو مدته 13 دقيقة لتصريحات ترامب وتغريداته مع ما جرى في الكابيتول للأميركيين والطبقة السياسية في واشنطن في 1991، أي بعد عامين تقريبا من سقوط جدار برلين، عندما انهار الاتحاد السوفييتي أخيرا وانتهت الحرب الباردة رسميا. كانوا سيتصورون أنه فيلم خيال علمي أو ربما كوميديا سوداء.

 

السلام الغائب

الفوضى التي غيرت الصورة نهائيا

في واشنطن سنة 1991 التي كانت العاصمة المنتصرة لـ”القوة العظمى الأخيرة” كان من الممكن أن يصور هذا الفيديو رئيسا وعصابة متمردة وكونغرس معرضا للخطر بطريقة لا يمكن لأحد أن يتخيلها في أي مستقبل أميركي. وإذا حاولت إقناع أي شخص في هذا البلد في 1991 بأن رجلا مثل دونالد ترامب يمكن أن يصبح رئيسا لما صدّقك أحد.

 

فقد أصبح هذا البلد حينها القوة العظمى المطلقة في التاريخ، آخر قوة على الإطلاق بجيش لا يقارن واقتصاد قلب نظام معولم وكان محل حسد العالم. كانت الأرض ملكنا. لم تكن القضية إبعاد الآخر ولكن إبقاءنا في الداخل. لم تكن هناك حاجة إلى “جدران كبيرة”. فقد كانت روسيا حطاما وكانت الصين تكافح لتخرج من جحيم الماوية وكانت أوروبا تعتمد على الولايات المتحدة.

 

ببساطة كان هذا كوكبا أميركيا.

 

بالنظر إلى الماضي فكر في كل المفارقات. كان هناك حديث في ذلك الوقت عن “عائد السلام” بعد الحرب الباردة. من كان ليخمن أن الأرباح ستذهب إلى أعلى أغنى فئة، وأنه بعد 30 عاما سيكون هذا البلد دولة بلوتوقراطية على رأسها ملياردير؟ من كان يتخيل اختلاس النخبة الأميركية لأكبر قدر من عائد السلام مقارنة بأي مكان آخر على وجه الأرض، وأنه في نفس تلك السنوات سيصل عدم المساواة إلى مستويات تاريخية بينما يتضاعف الفقر والجوع؟ من كان يخمن أن أي عائد سلام لم يذهب إلى الأثرياء سوف يذهب إلى الأمن القومي والمجمع الصناعي لصانعي الأسلحة؟ من كان يخمن أنه في واشنطن بعد الحرب الباردة سيكون السلام آخر شيء يدور في ذهن أي شخص؟

 

من كان يظن أن جيشا لا يقارن (ويمول حتى يومنا هذا) سيواصل خوض حرب بعد حرب على امتداد عقود من الصراع دون تحقيق النصر في أي منها (باستثناء انتصار حرب الخليج الأولى ضد العراق)؟

 

نرى إنفاق تريليونات هائلة من دولارات دافعي الضرائب، في حين يُمنح هؤلاء الأثرياء إعفاءات ضريبية كبيرة. من كان سيخمن حينها أنه على كوكب يفتقر إلى أعداء مهمّين، ستثبت واشنطن (على امتداد 6 إدارات) أنها غير قادرة على وقف القتال؟

 

الخروج من مرحلة القوة العظمى في التاريخ والكابوس الذي اجتاح الولايات المتحدة في 2020 سيُنظر إليهما يوما ما على أنهما نقطة النهاية الحقيقية لقرن أميركي قصير

 

من كان يخمن أنه في سبتمبر 2001 لم تكن روسيا أو الصين الشيوعية من هاجم الولايات المتحدة مباشرة، بل مجموعة صغيرة من المسلحين الإسلاميين بقيادة متطرف سعودي ثري كانت الولايات المتحدة تدعمه ذات يوم؟

 

تسببت هذه المجموعة الصغيرة في الموت والفوضى مما سمح للرئيس جورج دبليو بوش بشن ما يقرب من 20 سنة من “الحرب العالمية على الإرهاب”، والتي لا تظهر أي بوادر على الانتهاء. من كان يخمن أنه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية سيأتي ابن الرجل الذي أشرف على حرب الخليج الأولى وكبار المسؤولين في إدارته ليقولوا إن على الولايات المتحدة أن تهيمن على الشرق الأوسط الكبير وربما على الأرض بطريقة لم يكن من الممكن تصورها من قبل؟ من كان يتخيل أنه سيغزو العراق (بعد أن فعل الشيء نفسه في أفغانستان قبل عام ونصف) مما سيساعد على نشر التطرف الإسلامي على نطاق واسع بينما سيتسبب في كارثة لهذا البلد؟

 

من كان يتخيل أنه في 2009 في أعقاب الركود الكبير في الداخل سيأمر باراك أوباما بـ”زيادة” كبيرة في القوات في أفغانستان في حرب كان عمرها ثماني سنوات بالفعل؟ شهدنا إرسال عشرات الآلاف من القوات الجديدة مع المتعاقدين وعملاء وكالة المخابرات المركزية وآخرين إلى هناك دون أن ينجحوا في تسوية الأمور.

 

بحلول نوفمبر 2016 عندما منح نظام انتخابي قديم التصويت الشعبي لهيلاري كلينتون لكنه وضع دونالد ترامب الذي وعد بإنهاء “الحروب التي لا نهاية لها” (لم يفعل) في المكتب البيضاوي، كان من الواضح أن شيئا ما كان غير سليم. بحلول ذلك الوقت أصبحت هذه أرضا لعدم المساواة وانعدام الفرص بالنسبة إلى عدد مذهل من الأميركيين.

 

وسيثبت الكثير منهم استعدادهم بالفعل لاستخدام أصواتهم لإرسال رسالة إلى البلاد حول رغبتهم في معالجة تلك الحقيقة بالذات.

 

تفكك القوة العظمى

التقاط صورة لكوكب آخر

مع عدم وجود ساحر يغير الأمور في لمح البصر شهدنا في 6 يناير 2021 أن رفض الرئيس لنتائج انتخابات 2020 تسبب في اقتحام مبنى الكابيتول. وكشف فشل المساءلة عن الديمقراطية الفاشلة. وسيُنظر إلى الخروج من مرحلة القوة العظمى في التاريخ والكابوس الذي اجتاح البلاد في 2020 يوما ما على أنهما نقطة النهاية الحقيقية لقرن أميركي قصير. أشير هنا بالطبع إلى كوفيد – 19 الوباء الذي اجتاح البلاد وأصاب عشرات الملايين من الأميركيين وقتل مئات الآلاف بطريقة لا مثيل لها في أي مكان آخر على هذا الكوكب. حتى أنه أصاب رئيسا لفترة من الوقت، بينما خلق فوضى وانقسامات أكثر شراسة من أي وقت مضى في أجزاء من البلاد المليئة بالمدنيين المسلحين الذين انغمسوا في نظريات المؤامرة.

 

اعتبر هذا علامة من الآلهة أو أي شيء آخر تؤمن به. انظر إلى المرض الذي تعاملت معه القوة العظمى الأخيرة بشكل أسوأ بكثير من البلدان ذات الموارد الأقل. فكر في الأمر كنوع من الحكم على تلك القوة العظمى بالذات.

 

أو بعبارات أخرى، بعد 30 عاما من خروج الاتحاد السوفييتي من مسرح التاريخ نحن نعيش على أرض تبدو عازمة بشكل غريب على التوجه نحو ذلك المخرج نفسه أي دولة مشلولة يقودها رئيس يبلغ من العمر 78 عاما، يعاني نظامه من ضغط مذهل ومن الواضح أنه بدأ يتفكك، حيث جُردت الرئاسة من كونغرس يعمل بكامل طاقته وأصبحت إمبريالية بطبيعتها مع نظامها الاقتصادي البلوتوقراطي. ولا يزال جيشها يحارب في أجزاء كبيرة من الكوكب، بينما تلوح حرب باردة جديدة محتملة مع الصين الصاعدة في الأفق. وكل هذا على كوكب يعاني من مشاكل وأزمات تتجاوز الوباء العالمي.

 

في نهاية قصة فرانز كافكا الكلاسيكية يموت غريغور سامسا الذي أصبح الآن حشرة عملاقة مع تفاحة متعفنة في ظهرها في جحيم الصراصير رغم كونه في غرفته قريبا من والديه وأخواته. هل ينتظر المصير نفسه القوة العظمى الأميركية؟

 

بمعنى ما، في سنوات ترامب والوباء اكتشفنا ولايات متحدة كغريغور سامسا على كوكب يتجه نحو الهاوية. لم يكن عصر القوة والمجد الذي توقع جميع الأميركيين رؤيته كما كان متخيلا في 1991. وبعد قرون من بداية العصر الإمبراطوري الحديث، من الواضح أننا على وشك الانتهاء في جحيم لن يتمكن جو بايدن وفريقه من إطفائه، حتى لو لم يكونوا عازمين على نهب هذه الأرض كالرئيس السابق. مع ذلك من الواضح أننا بحاجة إلى اعتماد طريقة جديدة للتفكير للبقاء على كوكبنا الذي تنتشر فيه الصراصير بشكل متزايد.

 

دولة من الواضح أنها تعيش في مرحلة مبكرة من التفكك

أخبار ذات صله