fbpx
لماذا تنخرط مصر في تحالفات إقليمية عديدة
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعات

يثير سؤال، لماذا تنخرط مصر في تحالفات إقليمية؟ شجونا سياسية عدة، حيث تحرص مصر على الانخراط في غالبية القضايا الخارجية التي تهمها بشكل جماعي، ما يعني أنها عازفة عن العمل الفردي، أو تخشى مواجهة تحديات مصيرية تمثل لها إزعاجا قد لا تستطيع تجاوزه بسهولة وهي تبدأ مرحلة بناء واسعة في الداخل، وربما لأن الصراعات المعقدة الطاغية في المنطقة تحجّم قدرتها على التصرف بصورة فردية.

مهما كانت الأسباب والدوافع، وهي عديدة ومتشابكة، بات النظام المصري يميل كثيرا نحو تفضيل العمل من خلال تكتلات إقليمية متنوعة، منها ما هو عربي، ودولي، ومختلط، ما يعبّر عن نمط جديد في التفاعلات الخارجية، وجدت فيه صيغة مريحة تجنبها مشكلات حادة، وصداما في أزمات تتسم بقدر عال من السيولة، ويمثل نقل الأزمة من مربع ثنائي إلى جماعي أداة من أدوات الدبلوماسية الراهنة.

تحالفات عدة والهدف واحد

أصبحت القاهرة قاسما مشتركا في كثير من التحالفات والتحركات التي تتم على الساحة الإقليمية في الآونة الأخيرة، حيث دشنت مع كل من اليونان وقبرص والإمارات والسعودية والبحرين، منتدى الصداقة، في اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الست عقد في أثينا، الخميس، وحوى رسائل عدة لتركيا تحديدا.

شرعت مصر مع كل من العراق والأردن في بلورة رؤية للتعاون، والدفع بمجموعة من الاتفاقيات في إطار ما يعرف بـ”الشام الجديد”، وهو تحالف يرمز لمرحلة منقطعة الصلة بالماضي، وكانت سوريا في القلب منه، ويأمل في نسج تحالف يستطيع مواجهة المشكلات التي تواجهها الدول الثلاث على الصعيد الإقليمي، وتعظيم المصالح المشتركة على قاعدة اقتصادية، يمكن أن تكون لها ارتدادات سياسية وأمنية مستقبلا.

جاء ذلك عقب تطوير مصر لمنتدى شرق البحر المتوسط، ويضم الدول المنتجة للغاز في المنطقة، باستثناء تركيا، وتأسس عام 2014، واتخذ من القاهرة مقرّا له، وجرى تحويله إلى منظمة رسمية للدول المنتجة للغاز، وتُرك مفتوحا للدول الأعضاء بصفة دائمة أو بصفة مراقب، كي يستوعب المزيد من حلفاء مصر، ويحجّم خصومها.

مصر تحاول أن تكون شريكا في عدة تحالفات، حسب ضوابط يقبلها النظام الدولي، لتتجنب فتح ملفات داخلية مختلف حولها

حرصت القاهرة على بقاء التحالف بين دول الرباعي العربي، مصر والإمارات والسعودية والبحرين، وعملت على استمراره، على الرغم من توقيع اتفاق مصالحة مع قطر في القمة الخليجية التي عقدت في العُلا بالسعودية، في الخامس من يناير الماضي، إذ أدى الخلاف مع الدوحة إلى تشكيل نواة لتحالف يعمل على تجاوز دوره في المسألة القطرية، وشاركت دوله الأربع في تأسيس منتدى الصداقة.

تعمل مصر حاليا، بالتنسيق مع كلّ من الأردن وفرنسا وألمانيا، لإحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنحها دفقة سياسية في الوقت الراهن، وهو ما ينطوي على محاولة لتحويل هذا الرّباعي إلى دينامو في عملية السلام المتوقع أن تشهد زخما في ظل الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن.

بدا الاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع بالقاهرة في الـ11 يناير الماضي، مؤشرا على أن مصر تريد العمل في ملف التسوية السياسية ضمن إطار عربي – أوروبي، للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، والعودة إلى الثوابت التي تنطلق منها القضية الفلسطينية للحفاظ على الحد الأدنى منها.

ناهيك عن أن غالبية التحركات التي قامت بها مصر في الأزمة الليبية، اعتمدت على التعاون الجماعي، سواء عبر آلية الأمم المتحدة وبعثة الدعم السياسي التي شكّلتها المنظمة الدولية للتعامل مع الأزمة مبكرا، أو التنسيق مع قوى إقليمية ودولية عديدة معنية بها، وتجاوبت مع كل الجهود والمبادرات الجماعية، حتى لو كانت مختلفة مع بعض تفاصيلها، وظهرت تجليات ذلك في مؤتمرات باريس وباليرمو وبرلين وجنيف وتونس، وغيرها، الخاصة بحلّ الأزمة الليبية.

علاوة على التمسك باستمرار المفاوضات مع إثيوبيا، مع كل العقبات التي واجهتها القاهرة جراء تعنت أديس أبابا في المباحثات الفنية والقانونية التي تمت في محطات متباينة، وفي ظل وساطة الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي.

تمسكت القاهرة بقطار التفاوض الجماعي ولم تحد عنه حتى الآن، وقابلت تشدد أديس أبابا وتنصلها من اتفاقيات قانونية سابقة بمزيد من التعاون مع قوى إقليمية ودولية واللجوء إلى مجلس الأمن، ولم تعلن عن تبني تصورات فردية.

قد يعبّر الحرص المصري الزائد في الالتزام بالعمل الجماعي عن عدم ثقة في القدرات الفردية، لكنه يعكس شعورا أيضا بعدم الثقة في رد فعل المجتمع الدولي على أيّ تصرف فردي، فهناك أزمات حيوية، مثل ليبيا وسد النهضة الإثيوبي، كان من الممكن التعامل معها عسكريا، حيث تمتلك مصر جيشا من أقوى جيوش المنطقة، غير أن الخشية من أن يتحول هذا التعامل إلى فخ أبعدها عن اللجوء إلى خيار الحسم العسكري.

الداخل وطقوس الخارج

يمنح النظام المصري أولوية لترتيب الأوضاع في الداخل، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، ولا يريد أن ينهمك في أزمة أو مشكلة تبعده عن التصدي للإرهاب والجماعات المتطرفة التي تقف خلفه والقوى التي تدعمه، وتحوّل قهره إلى هدف استراتيجي، لا تريد مصر التشويش عليه من الخارج، تحاشيا لتجارب سابقة من الحروب التي شاركت فيها وأوضاعها الداخلية مهترئة، وكانت فيها الطموحات عريضة، خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ما تسبب في انكسار حلمه الداخلي.

يستوعب الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي هذه القضية وأبعادها المعقدة، وما جعله يبالغ في الحذر وجود شعور بأن أيّ دور إقليمي قد يمثل استنفارا لبعض القوى ضد بلاده وهي تواجه تحريضا من جهات متعددة، ربما يؤدي إلى زيادة استهدافها، والدخول في صراعات على أكثر من جبهة في الداخل والخارج.

تعمل إدارة السيسي على إعادة صياغة منظومة علاقات القاهرة بشكل متوازن ومع دول مختلفة، وفقا لمعادلة سياسية رشيدة، فقد تمكّن الرّجل من بناء قوة عسكرية جبارة، وحتى لا تبدو هذه القوة نابعة من رغبة في الهيمنة تم اختيار التحرك الجماعي منهجا ليؤكد به أن هدفه الأمن والاستقرار في المنطقة، وليس الاستقواء والتضخم.

القاهرة حرصت على بقاء التحالف بين دول الرباعي العربي، مصر والإمارات والسعودية والبحرين، وعملت على استمراره، على الرغم من توقيع اتفاق مصالحة مع قطر في القمة الخليجية التي عقدت في العُلا بالسعودية

تحاول مصر أن تكون شريكا في كثير من التحالفات والتحرّكات الجماعية، حسب ضوابط يقبلها النظام الدولي الراهن، لتتجنب فتح ملفات داخلية مختلف حولها، على نطاق واسع، ويمكن أن تكون عواقبها مضنية، فملفّ الحريات وحقوق الإنسان من المتاعب الرئيسية، وتتبنى فيه القاهرة خطابا بعيدا عن رؤية الدول الغربية، وتحاول فك شفرته باللجوء إلى شراكات متباينة، وتحالفات مفتوحة على جهات كثيرة يمكن أن تقيها تداعيات هذا الملف المثير.

وتسعى القاهرة من وراء تأكيد العمل الجماعي لجمع فوائد كثيرة، فعندما تصبح شريكا في تجمعات على مستويات عربية وإقليمية ودولية تجني ثمارا اقتصادية وسياسية، وعندما تتبنى نهج الحلول الجماعية تستطيع أن تكون أكثر حضورا وفعالية، فلم تعد مصر تملك طموحات وأدوات التأثير السابقة.

في القضية الفلسطينية مثلا، لم يعد التحرك الفردي أو من خلال العمل العربي المشترك منتجا، ويحتاج لمشاركات دولية أكبر من ذي قبل تمكنه من ممارسة الضغوط، عقب تراجع الأوراق المصرية والفلسطينية، والعربية عموما، أمام إسرائيل التي تضرب عرض الحائط بالقوانين والقرارات الدولية، بالتالي لا بد من قوة موازية تجبرها على الرضوخ للمفاوضات والسلام.

وتمضي مصر في الطريق نفسه مع تركيا، فهي تتحاشى الصدام المباشر معها، وترى أنها يمكن أن تحقق أهدافها بتكلفة أقل، عندما تضع المجتمع الدولي في مواجهة مسؤوليته الجماعية، وتحوّل أنقرة من مصدر إزعاج للقاهرة فقط إلى مصدر إزعاج لدول كثيرة، من هنا تأتي أهمية منتدى شرق المتوسط، ومنتدى الصداقة الوليد.

أخبار ذات صله