fbpx
عقد على ثورات “الربيع العربي”1-4

 

كتب – د. عيدروس نصر.
مع اقتراب نهاية العشرية الأولى وبداية العشرية الثانية من هذا القرن، اندلعت في عدد من عواصم الجمهوريات العربية، الأحداث والاضطرابات الاجتماعية المليوينة التي عرفت في ما بعد بـ”ثورات الربيع العربي” استدعاءً لما جرى ذات ربيع في العاصمة التشيكوسلوفاكية (براغ) والذي عرف حينها، وحتى اليوم بـ”ربيع براغ”، وتمثل في أعمال انتفاضة شعبية احتجاجية واسعة على نظام الحزب الشيوعي الموالي للاتحاد السوفييتي، والتي تم إخمادها بتدخل القوات العسكرية السوفييتية تحت علم “حلف وارسو” وهو الحلف الذي نشأ بمقابل حلف شمال الأطلسي، وهذا ليس موضوع حديثنا.
سيكون من غير الإنصاف تناول ذلك الحدث المزلزل الذي شهدته عدد من الجمهوريات العربية، من منطلق “معَ بالمطلق أو ضد بالمطلق”، فهذه الظاهرة ليست عملاً شيطانيا كما يصورها البعض، ولا هو عملا ملائكيا كما يدعي أنصاره والقائمين عليه.
وبمعنى آخر إن مناقشة ثورات الربيع العربي، من منطلق أنها كانت باطلاً مطلقاً ومؤامرة أجنبية أو حقا لم تشبه شائبة، لا يمت للبحث العلمي والتقييم الموضوعي بصلة، ومن هنا تأتي أهمية التوقف عند جملة من الحيثيات المهمة المتصلة بالبيئة السياسية واللحظة الزمنية والتاريخية التي اندلعت فيها تلك الثورات، والتي تتجسد في ملامح الشيخوخة السياسية ، بل والجسدية لرموز الأنظمة العربية التي اندلعت الثورات احتجاجا على سياساتها ومطالبةً بتغيير منهاجيتها وأسلوب إدارتها للبلدان التي أشعل أهلها تلك الثورات، وأهم هذه الحيثيات:
1. جميع البلدان العربية التي اندلعت فيها تلك الثورات كانت ذات أنظمة جمهورية بلغ عمر بعضها الخمسة والستة عقود، باستثناء أحداث البحرين التي لا يمكن وصفها بأنها ترتقي إلى مستوى الثورة، وكان يقف وراءها عدة عوامل أخرى ليس أقلها شأنا البعد الطائفي.
2. جميع الجمهوريات العربية التي شهدت الثورات كان يحكمها رؤساء أمضوا عقوداً طويلة في الحكم حتى بلغوا من العمر عتيار وبدأت الاستعداد لتوريث الحكم للجيل الثاني البيوت الحاكمة.
3. وبمعنى آخر ونحن نتحدث عن التوريث فكل البلدان التي شهدت تلك الثورات كان حكامها الجمهوريون يتجهون لتأهيل ابنائهم لوراثة الآباء، “بعد أن يقضي الله أمراً كان مفعولا”، وقد بدأت التجربة في سوريا واستعد البقية لأخذ القدوة منها، وهو ما كان سيعني انتقال الأنظمة الجمهورية إلى جمهوريات وراثية.
4. وبالرغم من أن الحياة المعيشية والاقتصادية في هذه البلدان لم تكن مثالية، في العموم منذ نشأة تلك الأنظمة، فإنه ومع مطلع القرن الجديد وانتهاء العقد الأول منه كانت الحياة الاقتصادية والمعيشية في تلك البلدان قد بلغت من التدهور ما يقربها من الانهيار.
5. وفي بعض هذه البلدان كان الحكام وأعوانهم يدخلون في عالم الأثرياء والمليارديرات على مستوى العالم، في حين تتسع رقعة الفقر والبطالة والمجاعة، وتعجز البلاد عن علاج مريض الفشل الكلوي أو السرطانات الموضعية، مع ازدياد حالات الانتحار بسبب الفقر والعجز عن إعالة عائلة من أربعة أفراد، ما يعني اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء باتجاه ازدياد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا، ما يعني أن الوضع أصبح قابلاً للانفجار في أي لحظة وهو ما حصل في العام 2011م
6. وتزامناً مع كل هذا ازداد الفساد الاقتصادي والمعيشي والخدمة والأخلاقي والتربوية والتعليمي استفحالاً في معظم تلك البلدان حتى غدا الفساد مادة خصبة للتندر الشعبي والنكتة السياسية وحتى بعض الأعمال الفنية والأدبية (التي لم يكن ممكنا لها أن تتجاوز المسموح) كما في مسرحية “الزعيم” للفنان الكبير عادل إمام، و”طباخ الرئيس” للفنان خالد زكي ومسلسل “الولادة من الخاصرة” وأغنية خذوا المناصب والمكاسب بس خلوا لي الوطن، والأعمال امتعدد للشاعر المرحوم أحمد مطر وغيرها عشرات الأمثلة.
ارتبطت جذور ثورات الربيع العربي بظروف داخلية تتباين في خصائصها وظروفها الداخلية من بلد إلى أخرى، لكنها في عمومها مثلت رفضاً شعبياً ساخطاً، عفويا في الغالب الأعم،  للسياسات القائمة في بلدان تلك الثورات،السياسات التي كانت تسير في وادي بينما حياة الناس ومعاناتهم وآلامهم وأحلامهم تمضي في وادي مغاير ومعاكس لتلك السياسات.
ففي جنوب اليمن التي يمكن اعتبارها المنبت الأول لتجربة المعارضة السلمية (وهي التجربة التي تعرضت للتجاهل والتعتيم السياسيين والإعلاميين) كان التوجه نحو رفض سياسات الإقصاء والتهميش والقمع والتمييز ومعها سياسات السلب والنهب التي اتبعها النظام السياسي بعد حرب اجتياح الجنوب في العام 1994م، وقد تمثلت ثورة الجنوب في حركة احتجاجية سلمية بدأها المتقاعدون العسكريون، الذين أخرجوا عنوةً من أعمالهم لا لشيء إلا لأنهم محسوبون على الجيش الجنوبي المهزوم في حرب الاجتياح والغزو، في دولة يفترض أنها لأبناء الجنوب والشمال على السواء كما كان يدعي الحكام، وقد امتدت الانتفاضة لتشمل كل الفئات الشعبية حتى إن العسكريين الذين دشنوا الانتفاضة تحولوا إلى أقلية وانصهروا في إطار الفعاليات المليونية لتلك الانتفاضة السلمية العارمة.
وفي تونس التي تمثلت شرارتها الأولى في إحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه بعد قيام إحدى مجندات الشرطة بمصادرة عربيته التي كان يبيع عليها بعض الخضار والفواكه نظرا لعدم تمكنه من الحصول على العمل، بدأت الثورة بحركة التضامن مع هذا الشاب ثم اتسعت لتشمل كل فئات الشعب حتى اختفى موضوع بو عزيزي من واجهة الأحداث، وتحولت الثورة من حالة تضامنية إلى المطالبة بــ”إسقاط النظام”.
وفي مصر كما في سوريا واليمن وليبيا كانت المطالب الشعبية تتلخص في تغيير النظام السياسي من خلال توسيع دائرة الحريات العامة وتغيير بعض القوانين، ومحاربة الفساد ورفض التمديد و التوريث.
وهكذا فإن الدوافع والأسباب قد تتباين أو تتدرج في التباين لكن العنصر الرئيسي الذي يجمع بين هذه الثورات هو فشل النظام السياسي (الذي يفترض أنه جمهوري)، والذي بدأ في التحول إلى جمهوريات وراثية، واتساع الهوة بين النظام والمجتمع وذهاب البلاد باتجاه الانفجار الاجتماعي، الذي كان لا بد أن يحصل وقد حصل
هل كانت الثورات عملاً شيطانياً؟؟
هل كانت الثورات عملاً ملائكياً؟؟
ذلك ما سنتناوله عنده في وقفة لاحقة.
عقد على ثورات “الربيع العربي”2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. عيدروس نصر
هل كانت ثورات الربيع العربي عملاً شيطانياً؟
من المؤسف أن الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية بما في ذلك شخصيات يقدم أصحابها أنفسهم كباحثين وأكاديميين ومحللين سياسيين واستراتيجيين، يتناولون أحداث العام 2011م في بلدان ما جرى التعارف عليه بــ”الربيع العربي” من منطلق “نظرية المؤامرة”، فيقول البعض أن هذا العمل التخريبي أشرفت عليه ومولته ورعته وشجعته المخابرات الأمريكية، ويضيف البعض “والإسرائيلية” وكأن هؤلاء يقولون أن الزعمااء الذين ثارت شعوبهم ضدهم كانوا من ألدِّ أعداء أمريكا، وإن أمريكا أرادت إسقاطهم لتأتي ببديل أفضل لها منهم.
الحقيقة إن هذا الكلام يعتمد السطحية والحذلقة اللغوية والثقافة الدعائية والتحريضية التي تفتقر إلى البراهين والأدلة والقرائن الموضوعية، فمصلحة أمريكا وغيرها من الدول الغربية كانت تتأتى من خلال تلك الزعامات التي ثارت ضدها الشعوب نتيجة لفسادها واستفحال الطغيان والاستبداد في تعاملها مع قضايا شعوبها، وبالتالي فإن الدول العظمى لم يكن من مصلحتها إسقاط أولائك الحكام الطيعين سهلي الانقياد والقابلين للخضوع والتطويع من قبل الإدارات الغربية وعلى رأسها الأمريكية، وسنستثني الزعيم القذافي الذي غالباً ما كان يبدو مشاكساً ومعارضاً عنوداً للسياسات الغربية لكنه لم يكن أقل ديكتاتوريةً وطغياناً وفساداً واستعداداً لتوريث الحكم لأولاده من بقية زملائه الزعماء المتساقطين.
والحقيقة أن ثورات “الربيع العربي” قد جاءت على غفلة من كل العالم، ومخابراته، بدءً بالمخابرات المحلية التي ظلت تقدم التقارير للزعماء على طريقة ما يرضي الزعيم وليس ما يكشف له الحقيقة، فكل القائمين على أجهزة الاستخبارات والدعاية والعسس ظلوا يطمئنون الحكام بأن الشعب تحت السيطرة، وأن من يطالبون بتغيير الأوضاع ومحاربة الفساد وتفعيل روح القانون والحياة المؤسسية ورفع مستوى معيشة الشعب ورفض التور يث والتصدي لرهن مستقبل البلاد بالخارج، إن هؤلاء ليسوا سوى حفنة من المعارضين والمتآمرين الحاقدين على الوطن، وقد ركب الغرور هؤلاء، بحيث أعماهم عن رؤية الحقيقة كما هي، والمتمثلة بتعاظم السخط  الشعبي واتساع رقعة المعاناة اليومية للناس وعزوف الأغلبية عن الاهتمام بالشأن السياسي بسبب الانشغال بتدبير المعيشة اليومية التي صارت أشبه بالجحيم بسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنظمة.
وعلينا أن نتذكر أن وزيرة داحلية فرنسا قد قامت بزيارة خاصة إلى تونس أثناء الانتفاضة الشعبية وعرضت على زين العابدين بن علي إمكانية التدخل المسلح لقمع انتفاضة التونسيين، وكان تصريحها هذا سببا في  إقالتها بعد هروب بن علي وسقوط منظومة حكمه.
وسأتوقف لاحقا عند الحجة التي تقول: وهل صارت الأمور أفضل بعد أسقاط الأنظمة الدكتاتورية؟ لأن هذه المقولة حق يراد به باطل.
كل هذا لا ينفي إمكانية تسلل أدوات المخابرات العالمية إلى جسد بعض الثورات، وتفكيكها من الداخل وإيصال بعض أنصار تلك المخابرات إلى واجهة الأحداث الثورية هنا أو هناك، لكن هذا له أسباب أخرى لا صلة لها بأسباب وعوامل انطلاق الثورات وفوران وعائها الذي ظل يغلي لعدة سنوات حتى بلغ لحظة الانفجار فانفجر.
وهناك من يقول أن ثورات “الربيع العربي” كانت مؤامرة إخوانية، والحقيقة أن حركة الإخوان المسلمين في كل بلدان “الربيع العربي” كانت آخر قوة سياسية تدخل إلى ميدان الاحتجاجات، بل لقد ظلت قياداتها تقوم بدور المحذر والواعظ للشباب على احترام ولي الأمر، وطاعته ولم تلتحق بالفعاليات الاحتجاجية إلا بعد أن تيقنت من عجز الأنظمة على مواجهة الشعب
ومن تجربة الشباب اليمني، يتذكر الكثير من القادة السياسيين الذين كانوا قد بادروا بـ”مشروع التشاور الوطني” في إطار قوى المعارضة مع بقية ممثلي النخب المجتمعية، عدد المرات التي قام فيها الأستاذ محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني، ومعهم بعض القادة القبليين من المحسوبين على الإصلاح بالوساطة بين أحزاب المعارضة، ورئيس الجمهورية مباشرة، وآخر مرة كان الزنداني قد خطب في المجتمعين من أحزاب المعارضة محذرا من غضب الله على من لا يطيعون ولي الأمر وإن الرئيس صالح مهما يكن له كرامته ومقامه ويجب ان يحترم  ، وتصدت له ناشطة حقوقية كانت حاضرة الاجتماع، بالقول: أنتم حريصون على كرامة الرجل ولا تحرصون على كرامة الشعب،، إن قوات الأمن تقتل الشباب في عدن بدم بارد، وتمنع إسعاف الجرحى بل تتركهم ينزفون حتى المو، وإن أطفال اليمن يهربون إلى الخارج للبيع، وبنات اليمن يتعرضن للبيع تحت اسم الزواج السياحي وأنتم لا هم لكم إلا إرضاء رئيس الجمهورية الذي أوصلت سياساته البلاد إلى هذا المستوى من الانهيار الإنساني والإخلاقي والمعنوي.
وبعدها بأيام  اتجه الزنداني إلى دوار الجامعة وألقى خطبته الشهيرة العصماء عن براءة اختراع الثورة وبشرى قيام إمبراطورية دولة الخلافة التي ستمتد من الصين إلى فرنسا في العام 192020م.
عقد على ثورات “الربيع العربي”3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  د. عيدروس نصر
مواصلة لما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية، نعيد التذكير بأن جماعات الإخوان المسلمين، كانت آخر القوى السياسية التي التحقت بحركة الاحتجاجات التي رفعت شعار “إسقاط النظام”، لكن من المهم الإقرار أن دخول الحركة الإخوانية، والحديث هنا عن كل البلدان العربية، وخصوصا تونس ومصر واليمن، قد كان له أبعاداً عديدة متباينة، سأرجئ الحديث عنها ، وأشير هنا إلى كيف التحقت أحزاب اللقاء المشترك ومنها التجمع اليمني للإصلاح، بالحركة الشبابية الرافضة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح.
كان الكثير من الناشطين الإصلاحيين من الشمال والجنوب يشاركون في الفعاليات الاحتجاجية للحراك السلميي الجنوبي وأتذكر أن الأخت توكل كرمان كانت من بين المشاركين في مهرجان 14 أوكتوبر 2007م  الذي تلى حادثة المنصة والتي سقط فيها أربعة شهداء وعدد من الجرحى، وكان كاتب هذه السطور من قدمها إلى مقدمي الحفل على المنصة لتلقي كلمة لم تختلف في مضمونها عما طرحه المتحدثون الجنوبيون بما في ذلك تأييد مطالب شعب الجنوب في التحرر من نتائج حرب 1994م، واستعادة حقه في تقرير مصيره، وكان آخرون ومنهم طالب جامعة عدن عبد الله العليمي قد ظهروا في  فعاليات يطالبون فيها باستعادة الأموال المنهوبة، لكن الطالب العليمي لم يطالب بالأموال التي نهبها نظام صنعاء من الجنوب وعلى حساب ثرواتهم ومكتسبات ثورتهم، بل تلك الأموال التي قال أن الانفصاليين علي سالم البيض وحيدر العطاس نهبوها من أموال الشعب اليمني، وهذا شكل من أشكال مشاركة الإصلاح في الثورة الجنوبية.
ولأن ثورة الربيع العربي في الجنوب تتميز بالكثير عن نظيراتها العربيات فسأتحدث عنها في منشور لاحق، وأواصل هنا كيفية انخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات الثورة الشبابية السلمية في صنعاء وتعز وبقية مدن الشمال.
كانت أحزاب اللقاء المشترك قد أطلقت مشروعا للتشاور الوطني منذ العام ٢٠٠٩م، وكان الغرض منه توسيع دائرة المعارضة المطالبة بتغيير ديمقراطي سلمي، واتخذ هذا المشروع مسارا طويلا دام حوالي العام، عقد في ختامه لقاءً تشاوريا وانتخب هيئة للحوار برئاسة الأستاذ محمد سالم با سندوه وانتخب النائب البرلماني حميد الأحمر أمينا عاماً ثم جرى انتخاب لجنة مصغرة من حوالي 26 ـ 30 عضوا بينهم أمناء عموم الأحزاب وبعض أعضائها وممثلين للمستقلين وبعض الفئات الاجتماعية.
عندما اندلعت أحداث الثورة السلمية، وهي بالمناسبة بدأت منذ يوم هروب بن علي من تونس في 13 /1/ 2011م، لكنها تصاعدت أكثر مع يوم 25 / 1 يوم اندلاع الثورة المصرية، وهذا ليس الأهم هنا، أقول عندما اندلعت الحركة الاحتجاجية انطلق الكثير من الشباب ومعظمهم من المستقلين كما شاركهم حزبيون دون الرجوع إلى أحزابهم، وكانت اللجنة المصغرة تتابع عن بعد هذه الاحتجاجات، معربة عند التعاطف معها، لكن  دون الإشارة إلى دعمها أو تبني شعاراتها.
في يوم 20 فبراير كانت اللجنة المصغرة مجتمعة في ظل غياب رئيس  الإصلاح وأمينه العام لكن بحضور بعض القيادات الأصلاحية منها الدكتور محمد السعدي الأمين العام المساعد، وحميد الأحمر والمرحوم د. صالح السنباني عضوا مجلس النواب واالشيخ علي الصلاحي أحد مشائخ مأرب وآخرون، في هذا اليوم أصر معظم الحاضرين على انخراط أحزاب اللقاء المشترك ومعها الشركاء في التشاور الوطني في فعاليات الثورة السلمية، ولأن النقاشات كانت مطولة ومتشعبة، فقد كلفت لجنة رباعية بصياغة بيان الاجتماع كان كاتب هذه السطور عضوا فيها، وأهم النقاط التي تضمنها البيان: إدانة أعمال العنف ضد المتظاهرين، حل معضلات البلاد وقضايا النزاع عن طريق الحوار، إجراء إصلاحات ديمقراطية دستورية وقانونية تسمح ببناء دولة النظام والقانون، والأهم من كل هذا، دعوة شباب أحزاب التشاور الوطني للانخراط في الثورة الشبابية السلمية.
وكان كاتب هذه السطور هو من لخص النقاشات وقدم مشروع البيان لبقية أعضاء اللجنة وهم الزملاء النواب البرلمانيين صخر الوجيه وعلى عبدربه القاضي والمرحوم د. صالح السنباني، ثم قدم المشروع للمجتمعين، وهو البيان الوحيد الذي ويعرض مرتين على أعضاء اللجنة المصغرة لإقراره نهائياً.
في مساء تلك الليلة تلقيت مكالمة من قائد إصلاحي (أعتذر عن تناول اسمه) وصفتها بأنها أثقل مكالمة تلقيتها منذ بدأت استخدام الهاتف.
لقد فتح معي هذا الصديق ما يشبه التحقيق،
عمن كتب البيان؟
ولماذا أقررتم الانخراط في الفعاليات الثروة السلمية؟
ومن سيتخمل النفقات ؟
ومن سيقود الثورة؟
وعشرات الأسئلة التي لم أكن أجد لها مبررا، لكنني قلت لهذا الصديق، إن اللجنة مكونة من أربعة أفراد وإنها قامت  بمجرة الصياغة لما أقره الاجتماع، وقلت له لو سألتني عن موقفي فيما يخص الاشتراك في فعاليات الثورة فإن هذا الموقف قد بدأ منذ شهرين، وذهبت إلى الاحتجاجات دون أن أستأذن أحد بما في ذلك قيادة الحزب الذي أنتمي أليه.
القصد من هذا الحديث الممل والمطول الذي استعرضته، هو تبيان أن الإخوان المسلمين لم يكونوا ينوون المشاركة في الثورة، سواء من خلال أدوار الوساطة مع الرئيس التي كان يقوم بها محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني وغيرهم، أو من خلال التباين في الموقف من المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، وهنا لا بد من الإقرار ومن باب الإنصاف أن الإخوان الذين شاركوا في آخر اجتماع للجنة المصغرة قد كانوا موافقين على نص البيان بما في ذلك دعوة الأعضاء والأنصار للمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية.
وقبل نهاية هذه الحلقة أشير إلى أربع قضايا مهمة وهي.
1. إن فعاليات الثورة السلمية في عدن ومعظم محافظات الجنوب قد تميزت جذريا عن الفعاليات في الشمال سواء من حيث أنها قد سبقت ثورة الشباب الشمالية بأربع سنوات، أو من حيث إن مطالب هذه الفعاليات (الجنوبية) لم تكن تنادي بإسقاط النظام بل بإسقاط الاحتلال.
2. إن فعاليات الثورة السلمية في تعز تميزت عنها في صنعاء بأنها كانت تحت سييطرة القوى المدنية غير الدينية، وكان حضور النشطاء الناصريين والاشتراكيين والبعثيين وبعض المستقلين من الأكاديميين والمثقفين والأدباء والفنانين أكثر من حضور النشطاء الإصلاحيين.
3. إنه وبانخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات صنعاء، وإب وبعض المحافظات (التي شهدت فعاليات محدودة العدد) تغير ميزان القوى، وأصبحت الفعاليات شبه إصلاحية بالمطلق، فقد هيمن الشباب الإصلاحيون على المنصات، وعلى لجان الفعاليات، الأمنية والسياسية ولجان التغذية والتنظيم وغيرها، مع فتح مجال صغير لمشاركة الآخرين من الحزبيين والمستقلين ولكن تحت السيطرة،
4. لكن ما لا بد من الإقرار به أن الكثافة الإصلاحية قد أضاقت زخما كبيرا للفعاليات لكنها وسعت شيئا فشيئا من الهيمنة الإصلاحية التي لها ما لها وعليها ما عليها مما سنتناوله في موضع لاحق.
عقد على ثورات “الربيع العربي”4
ــــــــــــــــــــــــ  د. عيدروس نصر
كان لدخول أحزاب اللقاء المشترك وبصورة رسمية آثار عديدة ومتنوعة ومتضاربة في بعض الأحيان والحديث هنا عن ساحة التغيير (أمام بوابة جامعة صنعاء):
• فمن ناحية جرى رفد الساحات بمئات الآلاف من الشباب ومن فئات اجتماعية أخرى، كالأكاديميين والنساء وقطاع الطلاب من اأعضاء الأحزاب أو المتعاطفين معها، وانضم لاحقا عددُ من رجال القبائل والمتقاعدين العسكريين والمدنيين، معضمهم ينتسبون بهذا الشكل أو ذاك، إلى أحزاب اللقاء المشترك، وما زلت أتذكر يوم نزول الأستاذ محمد سالم با سندوة، رئيس لجنة التشاور الوطني واعتلاءه المنصة وإلقاءه كلمة حماسية قوية ألهبت حماس الشباب وجعلتهم يهتفون لدقائق ويقاطعونه حماساً وإعجاباً قبل إنهاء كلمته.
• ساهم دخول الأحزاب وخصوصا الإخوان في الإصلاح في المساعدة على إدخال أدوات أخرى إلى ساحة التغيير  (وأعتقد أن هذا جرى مع بقية المدن وخاصة تعز وإب وذمار)، وذلك من خلال دخول التكنيك الإعلامي، أعني منصة مرتفعة عدة أمتار، وأجهزة الصوتيات، وكامرات التلفزة الثابتة التي يبث بعضها مباشرة إلى محطة سهيل التي كانت قناة الجزيرة تنقل عنها مباشرة في العديد من الأحيان.
• ساهم التمويل الإصلاحي للفعاليات في تمكين شباب الإصلاح من التحكم في خطاب المنصة ونوعية الشعارات وتحديد المتحدثين، ورفض البعض، من غير المرغوبين، وأعترف هنا إنني شخصيا لم أمنع قط من الصعود إلى المنصة والحديث إلى الشباب، ناهيك عن المشاركة في العديد من المنتديات الفكرية التي كانت تعقد في مخيمات الجماعات المتخصصة، كالأكاديميين والطلاب والمهنيين والتربويين وغيرهم، لكن العديدين من الشباب والشابات كانت حضوضهم في التحدث قليلة، وأحيانا معدومة، وهم من أبرز نشطاء الساحات.
• مكنت الكثافة الإصلاحية شباب الإصلاح ليس فقط من تحديد اللغة السياسية للساحة بل والتحكم في مداخلها ومخارجها، من خلال مئات الشباب الإصلاحيين المتطوعين الذين كانوا يفتشون الداخلين والخارجين، وهو ما ساهم في تأمين الساحة، لكن البعض تعرض للرفض من السماح له في دخول الساحة لأسباب غير معروفة.
• جرى عزل الكثير من النشطاء السياسيين والبرلمانيين الفاعلين عن فعاليات الساحة، ودخلت المنصة واللجان المنظمة في صدام مع بعض هؤلاء وهذا ما جرى مع النائب أحمد سيف حاشد ومعه مجموعة من الشباب الاشتراكيين والناصريين والمستقلين من صنعاء وتعز وهمدان وإب وبعض محافظات الجنوب.
• وجاء إعلان علي محسن (قائد الفرقة الأولى مدرع) وهو الذراع الأيمن لعلي عبد الله صالح تأييده لثورة الشباب في 21 مارس، ليحمل نفس المؤثرات ولكن بثقل فيه من السلبية أكثر مما فيه من الإيجابية، ففي الوقت الذي أحدث هذا الموقف شرخا كبيرا في معسكر السلطة فإنه قد جر معه ما لعلي محسن من عداوات وأحقاد ومنازعات مع الكثير من الفئات والجهات والمناطق، ما صار يعني امتعاض شرائح واسعة من التحاق أحد أقطاب فساد واستبداد النظام بثورة تدعو إلى إزالة الفساد والاستبداد، وكل ما يحمل هذا من تفاصيل.
• وبالنسبة للجنوب وبعض الأطراف التي راهنت على نجاح الثورة الشبابية في إجراء تغيير يمكن أن يساهم في إنصاف الجنوب وأبنائه وحل قضيتهم العادلة، فقد مثل تأييد على محسن للثورة عنصر إحباط وامتعاض ويأس من إمكانية أي التقاء بين الثورة الجنوبية والثورة في الشمال، وأحسب أن هذا حصل مع غالبية شباب الثورة في تعز وأماكن شمالية أخرى.
• وحتى لا نتجاهل دور بقية الأحزاب السياسية فإن معظم أحزاب اللقاء المشترك قد وقفت بجانب الثورة الشبابية السلمية، كلٌ من منطلقات حساباته الخاصة مع نظام علي عبد الله صالح، لكن قيادات الأحزاب سعت إلى تجنب التعرض لبعض المواقف السلبية الناجمة عن التحكم الإصلاحي بساحات الثورة وخصوصا ساحة التغيير في صنعاء حفاظا على وحدة الموقف وتماسك جبهة المعارضة.
لقد أثر التحاق علي محسن وهيمنة حزب الإصراح على المشهد السياسي في ساحة التغيير بصورة سلبية على مسار الأحداث مما نفر الكثيرين من الوقوف المتحمس مع الثورة، ويومها (21 مارس) اتصل بي الكثيرون من الشباب من عدن وحضرموت ومحافظات جنوبية أخرى، يسألونني عن تفسير ما جرى، فقلت لهم من موقعي الشخصي كنائب برلماني يشارك في الفعاليات الاحتجاجية، إن انقسام معسكر الاستبداد والفساد هو مكسب للثورة بغض النظر عمن وقف مع من، وعلق زميلي الدكتور المحترم في مستشفى با صهيب ساخراً بالقول:
ـ لم يبق إلا علي عبد الله صالح يلتحق بالثورة وستحققون أهدافكم!! . .وقد ضحكت لتعليقه واعتبرته سوء تقدير للموقف من قبله.
وأخيرا هناك حقيقتان:
1. إن الجانب الأهم في هيمنة الإصلاح على فعاليات شباب الثورة لم يبدُ إلا بعد تنفيذ المبادرة الخليجية والاتجاه نحو المشاركة في ما سمي بحكومة الوفاق، حيث هرع الإخوة الإصلاحيون للاستحواذ على المراكز الوظيفية ما دون الدرجة الأولى، مدراء وسكرتاريات المكاتب (مكتب رئيس الجمهورية، مكتب رئيس الوزراء مكاتب الوزراء) نواب الوزراء، محافظو المحافظات ووكلاء الوزارات، والمؤسسات الإيرادية والإعلامية، المؤسسات الأمنية، السفارات والقنصليات وغيرها وهو ما شكل الدولة العميقة التي تتحكم اليوم بقرارات الشرعية وبكل حركات وسكنات المؤسسة رئاسية الجمهورية والوزراء.
2. إن دحول الحوثيين إلى ساحة التغيير لم يكن ذا أثر كبير  في حينه ولم يحدث أي ضجة إعلامية، بل إن مخيماتهم وعددها قليل بجانب المستشفى الإيراني، قد اقتصرت فعالياتها على أنصارهم فقط، لكن هناك حقيقة، وهي إن الذي يعاتبون شباب الثورة على إدخالهم الحوثيين إلى ساحة الاعتصام، نسوا أن يعاتبوا من أدخلهم إلى قصر الستين وسلمهم المعسكرات والأسلحة والصواريخ والقوى الجوية والدفاع الجوي، وتلك مفارقة لا يستوعبها أي عقل.
وللحديث بقية