fbpx
القاهرة والدوحة تتصالحان سياسيا وتتعاركان إعلاميا
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

لم يشهد الأداء الإعلامي بين مصر وقطر تغيرات ملحوظة عقب المصالحة في قمة العُلا الخليجية، في الخامس من يناير الماضي، وتواصل التراشق الإعلامي بين البلدين بالوتيرة نفسها تقريبا، ما يعكس أجواء توتر مكتوم بينهما، لأن توجهات وسائل الإعلام فيهما لا يمكن النظر إليها بمعزل عن التوجهات العامة.

 

واتفق خبراء على أن دراسة الأداء الإعلامي بين قطر، ممثلة في قناة الجزيرة، وغالبية وسائل الإعلام المصرية المرئية والمقروءة، تعكس عدم حدوث تحولات في الخط التحريري العام، ما يعني تأخر صانعي القرار عن توجيه الإعلام لتغيير توجهاته، انتظارا لشيء ما أو اعترافا بعدم جدوى المصالحة.

 

وتدرك القاهرة خطورة الدور الذي تلعبه قناة الجزيرة في التأثير على الرأي العام، وخصصت لجنة رسمية لمتابعة ورصد برامجها بدقة، باعتبارها تكشف مدى التغير في الخطاب السياسي، وبموجب نتيجة الرصد الإعلامي تستطيع اللجنة تحديد الخطوط والفواصل في أداء قطر حيال الأوضاع في مصر.

 

وتعتبر وسائل الإعلام في البلدين، وربما في معظم الدول العربية، أدوات في أيدي السلطة لتحقيق أهدافها، وبالتالي ما تقدمه قناة الجزيرة في قطر أو صحيفة وموقع اليوم السابع في مصر مثلا، هو خط تحريري له علاقة بالواقع الرسمي.

 

ويكشف الأداء الإعلامي حتى الآن حجم التعثر في تفعيل المصالحة التي وقفت عند إجراءات دون المستوى لتحسين العلاقات المقطوعة، وعمق الشكوك، والدليل على ذلك استمرار النهج الإعلامي نفسه الذي كان يقوم بدور رأس الحربة في حالة الهجوم والنقد.

 

صفوت العالم: لا بد من وجود مبررات تقدمها كل دولة عند حدوث تحول

ويعد تحول الأداء الإعلامي، ولو تدريجيا، مقياسا صادقا على اقتناع المسؤولين بجدوى وأهمية وفاعلية المصالحة، أو هشاشتها، خاصة أن قطر تعتبر الجزيرة أقوى أسلحتها الإعلامية والسياسية أيضا.

 

وتلعب وسائل إعلام مصرية دورا قريبا من ذلك، في الرد والدفاع عن النظام المصري، ومهاجمة خصومه بضراوة، لذلك يعكس العداء الإعلامي استمرار الجفاء، على الرغم من اتخاذ إجراءات على الأرض، مثل فتح الأجواء المصرية والقطرية، والإعلان رسميا عن عودة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات.

 

وأكد خبراء في الإعلام على خضوع وسائل الإعلام لأوامر السلطة، والتعبير عن توجهاتها في كل من مصر وقطر، واختلفوا حول موقع الجمهور من المعادلة، حيث رأى البعض أن إجراء تحولات فورية في الأداء الإعلامي سيفقد الإعلام مصداقيته ويضعه أمام أزمات سياسية مركبة، وليس فقط التشكيك في النزاهة الإعلامية، بينما قلل آخرون من وضع الجماهير في حسبان تلك الوسائل وأنظمتها.

 

وقال صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، إن “الأداء الإعلامي في مصر وقطر خلال الشهور الأخيرة يثير حالة من الجدل، ويطرح تساؤلات حول أسباب عدم تفعيل المصالحة بين الدولتين، بدليل أن الإعلام لم يتوقف تقريبا عن الهجوم اللاذع”.

 

وأضاف، لـ”العرب”، أن التغير في المضمون الإعلامي يجب أن يسبقه تغير في الأداء السياسي، وعن ذلك يقول “كنت أتوقع أن يلحق بالمصالحة المعلنة تغير لافت في الإعلام، وتبادل في الزيارات على مستوى وزراء الخارجية مثلا، أو زيارة من الشيخ تميم بن حمد أمير قطر إلى مصر”.

 

وأكد أن تعديل الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية في البلدين لن يتم أوتوماتيكيا، فهو ترجمة لحقيقة الأوضاع بينهما؛ “الإعلام لا يتحرك وحده، فهو ليس حقنة تحت الجلد، بل لا بد من وجود أدلة واضحة وشواهد على تحسن الأوضاع، ومبررات تقدمها كل دولة لجماهيرها عند حدوث تحول”.

 

محمد شومان: قطر ما زالت تقدم خطابا إعلاميا مسيّسا ومنحازا

وصنف العالم حال غالبية وسائل الإعلام في مصر على أنها ذات صبغة دعائية نسبيا، حيث تعتمد على إبراز إنجازات النظام وتقديمها في شكل مواد أشبه بالمواد الإعلانية، ويستفيض ذلك النوع من الإعلام في الدعاية للنظام السياسي، والهجوم على خصومه، وهو ما يقوم به تجاه قطر طوال الأعوام الماضية.

 

ويصنف كثيرون قناة الجزيرة على أنها أداة تحريضية ضد الدول التي لا تتوافق معها قطر، ويختلط دورها الإعلامي بالسياسي، وتخدم في النهاية أجندات مريبة، وظهر ذلك في تعاملها مع ثورات الربيع العربي.

 

ويشير خبراء إعلام إلى أن التحول الكبير في تحميل قطر فاتورة الدم التي دفعتها مصر على مدار أعوام، ولها جمهور من الضحايا وعائلاتهم، لا يمكن أن يشهد تغيرا سريعا دون تقديم أسباب مقنعة، والقيام بخطوات تعزز حسن النوايا، فالجزيرة لا تزال تلعب دورها في الهجوم على النظام المصري، وقطر تستضيف قياديين في جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في مصر ومطلوبين للقضاء.

 

لكن محمد شومان عميد كلية الإعلام في الجامعة البريطانية بالقاهرة، أوضح أن وضع الجماهير في اعتبار الوسائل الإعلامية والأنظمة المحركة لها عند توجيه أي رسالة ليس مهما بصورة كبيرة، فالتوجهات السياسية هي الفيصل والموجه الوحيد. ومع ذلك قال “هناك قلق ينتاب بعض القائمين على الإعلام من إجراء تغيرات جذرية في الرسالة الإعلامية كي لا تخسر تلك الوسائل المصداقية عند جماهيرها”.

 

وفسّر في تصريح لـ”العرب”، بأن عدم وجود تغيرات ملموسة في التوجهات الإعلامية بين الدولتين يعود إلى أن متخذي القرار لم يوجّهوا بذلك، وهو ما تتحمله قطر على نحو أكبر، فهي مازالت تقدم خطابا مسيّسا ومنحازا، كما تحتضن العناصر الإخوانية المتهمة بممارسة الإرهاب، وتأتي الممارسة الإعلامية المصرية كرد فعل.

 

وهناك أمور مهنية يضعها دارسو الإعلام في اعتبارهم حفاظا على دوره، لكن القائمين عليه قد لا يلتفتون إليها كثيرا، وثمة أمثلة تاريخية وحاضرة على إجراء تغيرات كبيرة في الرسائل الإعلامية لدى دول عربية بشكل فجئي وغير تدريجي.

 

وأصبح في أحيان كثيرة الهدوء الإعلامي الفوري في الأزمات العربية أحد دلائل تعزيز الثقة، لأن وسائل الإعلام في غالبية الدول العربية لا تشغل بالها بمسألة المصداقية، وتتجاهل الرأي العام عند تقديم رسائلها السياسية.

 

ويحمّل خبراء إعلام مصريون قطر وقناة الجزيرة مسؤولية استمرار التراشق الإعلامي، على اعتبار أنها الأعلى صوتا والأكثر ضوضاء، فالمصالحة حصلت بشكل إجرائي بين الرباعي العربي، مصر والسعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، لكن في ما يتعلق بملف القاهرة والدوحة، هناك حرص من قبلهما على المحافظة على الأوراق التي يمتلكانها، وفي مقدمة ذلك التمسك بوسائل الضغط الإعلامي.

 

ويبدو أن شبكة الإعلام المعادية لمصر، ممثلة في قطر وتركيا، لن تحدث تحولا كاملا في خطها الإعلامي لتحافظ على ما تبقى من الثقة لتوظيفه في قضايا وأزمات متعددة.

 

ويتوقع مراقبون للإعلام في البلدين حدوث تحول حقيقي عندما يتم التوافق حول مقاربات واضحة، تجبر الإعلام على التغيير، وما يحدث بين مصر وقطر هو خطوة لم تحقق التوازن المطلوب، ولم ترتق إلى مستوى التخلي عن النزال الإعلامي المزعج لكليهما.

أخبار ذات صله