fbpx
قطر تمهّد الأجواء لعودة السودانيين دون حاجة إلى تبريرات سياسية
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

عملت قطر على توظيف الزيارة التي بدأها، السبت، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) للدوحة، وأخرجتها من الإطار التقليدي الذي أعلنت عنه الخرطوم بشأن التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية.

 

وجرى استثمار المصالحة الخليجية خلال مباحثات حميدتي مع كبار المسؤولين في قطر، في مقدمتهم أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبعثت الدوحة برسائل للسودانيين تشي بأن المناخ مهيأ للعودة إلى الدوحة دون الحاجة إلى تبريرات.

 

وعملت الدوحة على استخدام زيارة الوفد السوداني الرفيع كمنطلق مهم لطي صفحة قاتمة بين البلدين، أعقبت سقوط نظام عمر البشير، وشهدت فتورا ظاهرا بدأت علاماته تتغير مع التوصل إلى مصالحة خليجية.

 

ولقيت الحفاوة القطرية الواضحة ارتياحا لدى قطاع كبير من السودانيين، ظهرت تجلياته في توصيل رسائل يفيد مضمونها بأن الزيارة خاصة هدفها عودة قطر إلى السودان، والعكس بالعكس، وأنها تحمل مكاسب مادية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية حادة.

 

وحملت رئاسة حميدتي للوفد السوداني إعادة اعتبار للدوحة، حيث كان نائب رئيس مجلس السيادة محسوبا على المحور المناهض لها، قبل مصالحة قمة العُلا السعودية الشهر الماضي، وأيد استمرار قوات الدعم السريع، التي يتولى رئاستها، ضمن قوات التحالف العربي في اليمن التي انقلبت عليها الدوحة.

 

وذكرت مصادر سودانية، لـ”العرب”، أن الخرطوم حاولت الاستثمار السياسي في زيارة الدوحة أيضا، من جهة حث الدول التي تريد أن يكون لها مكان في السودان على عدم التردد في دعمه، وأن السلطة الانتقالية منفتحة على كل من يساعدها على تحقيق مصالحها، ولا توجد “عداوات أو ممانعات مستمرة مع أحد”.

 

عبدالواحد إبراهيم: قطر تستثمر زيارة حميدتي لترميم جدران الإخوان في السودان

وترتاح قطر لطموح حميدتي السياسي، ونجحت في تحويل الهدف المعلن لزيارته من شرح لحقيقة الموقف السوداني في قضيتي سد النهضة والأزمة الحدودية مع إثيوبيا، إلى آفاق تكرس تسويقه إعلاميا كضابط إيقاع في المكون العسكري، بما يوحي أن الأمر لا يقتصر على رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي جرى تصويره على أنه يقبض بمفرده على زمام المفاتيح الخارجية.

 

وألمحت المصادر ذاتها إلى أن الدوحة تعلم حجم التضخم المعنوي لدى حميدتي، ورغبته في تقديم نفسه كمرشح محتمل لرئاسة البلاد بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، استنادا إلى أنه من القيادات الرفيعة التي تتصدر المشهد العام، ويجمع بين الصفات العسكرية والمدنية، حيث انخرط في الأولى بعد تشكيل قوات الدعم السريع حديثا.

 

ويمسك حميدتي بملفات عديدة تساعده على زيادة نفوذه، في ظل وجود قوى إقليمية ودولية تتابع بقلق تطورات الأوضاع في السودان، وتخشى انفلات الشارع، وتتحسب من تدخل الجيش مباشرة، وربما تجد فيه صيغة مناسبة لتبنّيه كوجه سياسي واعد.

 

ويثير تقارب قطر مع السلطة الانتقالية تساؤلات كثيرة حول أدوار قامت بها الدوحة في السودان، ومازالت تقوم بها، بسبب ارتباطاتها القوية بفلول النظام السابق، وأطياف الحركة الإسلامية، وهي النقطة التي قد تضع الخرطوم في مأزق تجاه الدول التي تتشكك في نوايا الدوحة وعلاقاتها مع قوى متطرفة في المنطقة.

 

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن “قطر تستفيد من زيارة حميدتي في عملية ترميم جدران جماعة الإخوان وإعادة تنظيم صفوفها، بالانقضاض على الوضع الدستوري الراهن، أو من خلال تهيئة التنظيم للوصول إلى رأس السلطة عن طريق الانتخابات التي تعقب الفترة الانتقالية”.

 

وأضاف إبراهيم، في تصريح لـ”العرب”، أن “الدوحة تلعب على وتر عدم وجود ظهير سياسي وفكري للمجلس العسكري في السودان، وهي محاولة لاحتواء ممثلي الجيش في مجلس السيادة وإبعادهم عن المحور العربي المعادي للإخوان والتنظيمات الإرهابية”.

 

وتدرك قطر أن بعض قياديّي الجيش حاليا يشكلون امتدادا لنظام عمر البشير، وتحاول توظيف ذلك عبر استعادة بعض الملفات التي كانت بحوزتها سابقا، خاصة ملف دارفور الذي استغلته في دعم الحركة الإسلامية في الإقليم، وقامت بدور الوسيط في إحلال السلام بين الخرطوم وحركات مسلحة في دارفور.

 

ويسعى المكون العسكري إلى كسب المزيد من المساحات السياسية في الخليج العربي، وتعظيم الاستفادة من الدعم المقدم للسودان، ما يسهم في حل بعض التعقيدات الاقتصادية المتعلقة بالمنح والقروض التي من شأنها إنعاش خزينة البلاد في الفترة المقبلة، ليتمكن مجلس السيادة من عبور النفق المظلم الحالي وخفض حدة الغضب المتنامي في الشارع.

 

وقدرت وزارة الاستثمار السودانية حجم الاستثمارات القطرية بنحو 3.8 مليار دولار، وتحتل الدوحة المرتبة الخامسة بين الدول التي تستثمر في البلاد، وهو رقم قابل للزيادة بعد رفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

 

ويقول مراقبون إن نسج العلاقات الجديدة مع الدوحة يأتي في وقت ينشغل فيه الداخل بأزمات معيشية حادة، ما يجعل التركيز منصبّا على أوجه الدعم الاقتصادي، وما يمكن أن يداريه من أزمات سياسية قد تستفيد منها فلول البشير لإعادة تموضعها.

 

وتريد قطر التخلي عن صورتها التي انطبعت في وجدان قطاع كبير من المواطنين في السودان، منذ الإطاحة بنظام البشير، باعتبارها طرفا منحازا إلى فلوله، وتذهب باتجاه الاستفادة من الأوضاع الراهنة، أملا في ترميم نفوذها، وإحياء دور هيئة “قطر الخيرية” داخل معسكرات النازحين، والتي أحاطت بها شكوك خلال الفترة الماضية حول طبيعة الدعم الذي تقدمه لاستقطاب عناصر موالية لها تعزز مكانة الحركة الإسلامية.

 

وأعلنت هيئة “قطر الخيرية”، الاثنين، مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الإثيوبيين الفارين إلى السودان من تداعيات القتال بإقليم تيغراي، في إشارة واضحة إلى ما عكسته زيارة حميدتي للدوحة من فائدة مباشرة قبل عودته، حيث وُضعت هذه المنظمة القطرية في خانة المنظمات المشبوهة التي يتجاوز دورها الأبعاد الإنسانية.

أخبار ذات صله